الجزء الخامس: قرار صادم

310 50 11
                                    

جلست إلى جانب السيّدة لطيفة تتناول طعامها بصمت تخرقه أحيانًا كلمات لم تصبّ إلّا في خانة الشكر والثناء على أخبار توزيع المساعدات ترويها السيّدة بشغف كبير قد زرعه في قلبها عمل الخير. كان هو الآخر بدوره يؤثر السكوت يكتفي بالاستماع ينشغل بجولة من النظرات علّه يحظى بالتفاتة عابرة منها غير أنّ كلّ انشغاله باء بالفشل يُرسّخ شكوكًا ساورته منذ لحظة وصول الضيفة إلى القصر تنبئه أنّ الزمرّد يمتنع عن النظر إلى مقلتيه. صالت أفكاره وجالت تأبى الرضوخ إلى هذا الامتناع فلربّما يقطع عليه طريق الانتقام، لكن ما العمل؟ يُدرك في قرارة نفسه أنّ عليه التحرّك في الحال كي يحرّر نظراتها من القيد فاستغلّ كلام كرم ينشد بطعم ورق العنب ليسأل الضيفة مباشرة وهو يرمقها بنظرة لا تخلو من التحدّي:

-آنسة سحر، هل أنت من هواة المطبخ أم تفضّلين الطعام الجاهز كمعظم فتيات هذا العصر؟

فاجأها بصوته مخترقًا فردّت بنبرة لم تُخفِ انزعاجها من السؤال:

-الطعام الجاهز رفاهيّة لا أقدر عليها سيّد يمان

أمعن في استدراج نظراتها فأكمل بالوتيرة نفسها:

-لم تجيبي بعدُ عن سؤالي

تدخّل كرم وهو يميل برأسه صوب يمان موضّحًا:

-كيف هذا؟ كلامها يعني أنّها من هواة المطبخ...

رفع حاجبيه معترضًا:

-ليس بالضرورة...

لم تنتظر سحر استعداد كرم للردّ بل واجهت الاعتراض بمنتهى الهدوء:

-حين لا يبقى للمرء حرّيّة الاختيار عليه أن يكتفيَ بالموجود... وإن كنت تفضّل جوابًا أكثر وضوحًا فأنا لست طبّاخة ماهرة تعشق الطهو والتفنّن في الوصفات إنّما أتدبّر أمري

إبتسم منتشيًا بنصره يعيد إليه نظرات الزمرّد لكن لم يرتح لنبرة صوتها وقد اختلفت عن السابق تجعله يجزم أنّ غريمته تخفي بعض الحنق. لاذ إلى الصمت من جديد يفكّر بالسبب فإذا به يسمع كرم يُلقي سؤالًا استدعى انتباهه على الفور:

- أتساءل أين سبق ورأيتك يا آنسة سحر؟ وجهك ليس غريبًا عنّي

أجابت لطيفة وهي تميل برأسها إلى جارتها:

-سحر تعمل في صالة المبيعات في مخبز " الفطيرة الذهبيّة"، ربّما صادفتها هناك

هزّ رأسه نفيًا وهو يمعن النظر في الشابّة:

لااااا... أنا لست من زبائن المحلّ لكنّني متأكّد أنّني رأيتك سابقًا... أين؟ لا أذكر مع الأسف

هتف توفيق معلّقًا:

-أنا سأقول لك أين رأيت سحر... ربّما تتوقّف عن اتّهامي بالنسيان بسبب الشيخوخة كما فعلت منذ قليل في غرفة المكتب... أتذكر يوم صحا يمان من الغيبوبة؟ ركضتَ صوبي لتبثّني البشرى و...

مُعذّبتيWhere stories live. Discover now