كان قد مرّ أسبوع بكامله على انتقال سحر إلى القصر حين حمل إليها السيّد توفيق نبأً سارًّا حلّق بها إلى سابع السماوات يعدها بوظيفة في شركة الكريملي التجاريّة ابتداء من الشهر المقبل تتخلّص فيها من عبء دوام المخبز واستقواء ذلك المدير الجديد. إزاء هذا العرض كان عليها أن تخضع إلى فترة من التدريب أرادها السيّد توفيق تحت نظره في قسم الإدارة العامّة كي يمدّها جانسل مساعده الخاصّ بمتابعة دقيقة تمكّنها من استلام الوظيفة إذ إنّ المطلوب من المعاونة الإداريّة ليس بالأمر السهل خصوصًا إذا كانت الموظّفة تفتقد إلى الخبرة. أمّا عن إقامتها في القصر فقد بدأت تأخذ منحنًى عذبًا بفضل السيّدة لطيفة التي بحنانها العارم لم تترك سحر فريسة للإحراج، فقد واكبت وجودها بحسّ الأمّ تعاملها فعلًا كفرد من العائلة يتمتّع بمكانة خاصّة كسائر الأفراد.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
دخلت سحر الغرفة المخصّصة لها عائدة من الشركة بعد يوم حافل قضته في التعرّف على مختلف الأقسام والتدرّب على المهامّ التي تنتظرها كمساعدة في نهاية المطاف. كان يومًا رائعًا حملها إلى عالم جديد تراه يفتح لها ذراعيه يدعوها إلى اكتشاف أسراره والتكيّف بأساليبه، وهي حتمًا لن تتوانى لحظة عن بذل أقصى الجهد كي تتمكّن من اكتساب المهارات التي تؤهّلها إلى النجاح. تبغي من صميم قلبها أن تعطي الوظيفة أكثر من حقّها امتنانًا لليد التي امتدّت لمساعدتها وأوصلتها إلى مكانة لم تكن واردة حتّى في الخيال.
وقفت أمام المرآة سعيدة تشتمّ رائحة ثوبها البسيط تارة من اليسار وطورًا من اليمين، تتلمّس عنقها تعود إلى ذراعيها... أين رائحة الحلوى التي كانت تعشّش بين ثيابها وتتغلغل بين مسام بشرتها؟ لقد تبخّرت من دون عودة لتترك عطر الماغنوليا يثور منتفضًا يفوح عذبًا يعطّر إطلالة الأنوثة بلمسة من السحر. تأمّلت نفسها هانئة ممتنّة للمرّة الأولى لحكم القدر، تراه يستبدل القهر بالهناء حتّى يريحها من مآسي البؤس ومرارة الكفاح. ترى حياتها الجديدة تسير نحو استقرار بدأ يلوح أخيرًا في الأفق يلوّن المستقبل بأبهى الألوان بعد أيّامٍ طويلة لم تعرف غير السواد.
سمعت طرقًا على الباب فتركت مرآتها تكمل اعتراف الجميل لتستقبل السيّدة لطيفة وهي تحمل علبة بيضاء كبيرة الحجم لُفّت بشريط ذهبيّ بادرتها بصوت هادئ مفعم بالحنان:
-أتمنّى أن تقبلي منّي هذه الهديّة بمناسبة يومك الأوّل في الشركة...
تأثّرت ملامح سحر على الفور تكشف انفعال الدهشة ترسّخ بالغ التقدير تحملها إلى أرفع الكلام:
-سيّدة لطيفة... لا أعرف كيف أعبّر لك عن شكري... حضرتك تغمرين وجودي بحنانك المتدفّق...
وضعت لطيفة العلبة على السرير ثمّ فتحت ذراعيها تعانق سحر بمنتهى الحبّ: