الجزء الثامن: كلامكِ الساكت قد اخترق كلّ شراييني

361 48 17
                                    

تحلّق سكّان القصر حول المائدة يتشاركون وجبة العشاء في جوّ مفعم بالحبور نتيجة أخبار المعاينة وقد أظهرت تقدّمًا ملموسًا في عصب الساقين جعل يمان يمشي بعض الخطوات بمساعدة الطبيب. بهجة عارمة فاضت على كلّ من في القصر تمدّهم بأمل مؤكّد يعيد السيّد الشابّ إلى ذروة الحياة. ما كانت تشعر به سحر تلك الأمسيّة رائع الجمال فائق الخيال غير قابل للوصف يجمع بين اختلاجاته كلّ معاني الفرح أسمى مشاعر الامتنان، كانت بعفويّتها البريئة تسترق النظر إلى فارس الأحلام لتراه عابقًا بالراحة تزيّن ملامحه طمأنينة مسالمة لم تصادفها سابقًا على الإطلاق. أمّا هو فقد بدا جريء النظرات لا يعيقه وجود أهله على رأس المائدة لا توقفه موانع المبالغة، تعلن نظراته العصيان على المداراة تنتقم من أسى الكتمان غير مدركة أنّها تنكشف مفضوحةً أمام تنبّه الأمّ.

---------------------------------------------------------------------------------------------------

صدحت الموسيقى عاليًا في ملهى " يلدزلار" تدعو الساهرين إلى حلبة الرقص فقامت رنا متحمّسة تلبّي دعوة أوكان تنطلق كالمجنونة إلى ممارسة هوايتها المفضّلة. صالت على هواها وسط المنصّة لا تأبه إلّا لرغبة جامحة في استغلال هذه اللحظات السانحة قبل مخطّط العودة إلى يمان كريملي الذي لم يكن يجاريها في الارتياد إلى مثل هذه الأماكن. صمّمت في قرارة نفسها أنّها ستعود إليه ولن تسمح لأحد أن يعيق رجوعها، فهي لن تتخلّى عن حياة العزّ والجاه التي تنتظرها في القصر. صحيح أنّ أوكان يملأ حياتها بالسهر والخروج لكنّ مستواه المادّيّ لا يُحسب أمام ثروة الكريملي الطائلة. بعد جولة صاخبة بالرقص تركت رفيقها لاهثة تؤثر الذهاب إلى المرحاض تتخلّص من تصبّب العرق.

أصلحت مكياجها على عجلة وخرجت من غرفة الاستراحة فإذا بها تتنبّه إلى صوت يناديها من الوراء سرعان ما تعرّفت على صاحبه فوقفت مضطّرة تلقي تحيّة قادت إلى حديث لم يكن في الحسبان.

---------------------------------------------------------------------------------------------------

بعيدًا عن أجواء الملاهي الصاخبة وبين أحضان القصر الدافئة نهضت لطيفة عن الأريكة متثائبة توجّه الكلام إلى توفيق:

-ألم تشعر بالنعاس؟ أنا أكاد أغفو مكاني

إستند إلى عصاه يهمّ في الوقوف:

-بلى... كنتُ على وشك النهوض

وما إن تمنّيا ليلة سعيدة لسحر ويمان المنشغل بهاتفه حتّى هبّت الشابّة من مكانها تقول منسحبة:

-أنا أيضًا سأذهب إلى النوم... تصبحون على خير

تدخّلت لطيفة في الحال مبتسمة:

-طلبت من عفيفة أن تحضّر لك كوبًا من الأعشاب... ما رأيك أن تشربيه أوّلًا ثمّ تصعدين إلى غرفتك؟... سيريحك من هذا السعال الذي راودك فجأة بعد العشاء

مُعذّبتيWhere stories live. Discover now