الجزء العاشر: آهٍ يا أمّي من مرارة هذا الشعور! يشنق أنفاسي حتّى الموتِ

282 52 13
                                    

إنطلق دوام العمل صباح الاثنين بعد عطلة أسبوع زاخرة بالسعادة حملت إلى الثنائيّ الجديد أعذب الأوقات هدهدت التواصل بينهما إلى حدّ التناغم. دخل يمان المكتب بخطوات واثقة قويّة أعادت إلى وصوله رهبة الحضور وأحيت فرحة الموظّفين بشفاء المدير. إستقرّ على كرسيّه الجلديّ يسرح بكلامها وهما في الطريق يتذكّر مبتسمًا ما طلبته بمنتهى الحياء: " أيمكن أن تبقى علاقتنا خلال العمل محاطة بالكتمان؟ أرجو ألّا تسئ فهمي... لكنّني سأشعر بالإحراج إن عاملتني بشكل مختلف عن الآخرين... يعني من الأفضل أن يكون تواصلنا مقيّدًا بأصول التعاطي الذي يسود بين المدير وسائر الموظّفين..."

إنتشله من أفكاره العذبة وصول جانسل باسم الثغر يبثّه خبرًا أرضى طموحه المهنيّ:

-سيّد يمان... حصلت شركتنا على الوكالة الحصريّة لتسويق المُنتجات الفرنسيّة " Le petit parisien " في تركيا... ألف مبروك سيّدي...

نهض من مكانه عابقًا بالسرور يُلقي يده على كتف جانسل يهتف بكلّ الامتنان:

-هذا بفضل مجهود القيّمين على المتابعة وأنت على رأسهم

-العفو سيّدي... لحضرتك الحصّة الكبرى في المتابعة... لقد وردني منذ دقائق بريدًا إلكترونيًّا يؤكّد الخبر كما يطالب بتحديد موعد على جناح السرعة لتوقيع العقد... يتمنّى مدراء الإنتاج أن يكون في بحر هذا الأسبوع كحدّ أقصى

-وضع يديه في جيبي بنطاله وسار صوب واجهة الزجاج المطلّة على الشارع العامّ:

-لم أفاجأ بوتيرة سرعتهم... كما تعلم هناك عشرات الشركات تنتظر على أبوابهم... على كلٍّ سأتحدّث مع السيّد كرم لنحدّد موعد سفره إلى باريس

-سيّدي... يطالبون بحضرتك شخصيًّا... صحيح أنّ الوكالة القانونيّة تؤهّل محامي الشركة تمثيل أصحابها لكنّهم يصرّون على حضورك...

-فهمت... إذن لا يسعنا في هذا الوضع إلّا الرضوخ لمطلبهم... بعد كلّ ما تعبنا من أجله لن نتوقّف عند هذا التفصيل...

-لقد اتّصلت بالمطار قبل دخولي... هناك رحلة إلى باريس صباح يوم الأربعاء... هل أباشر بالحجز؟

-وهو كذلك... أبلغهم أنّني سأوقّع العقد فور وصولي لأنّني أنوي الرجوع على متن أوّل طائرة قادمة إلى اسطنبول

---------------------------------------------------------------------------------------------------

جلست في أحد المقاهي وسط المدينة تخطّط للانتقام ثأرًا لمآربها المبعثرة، فهي حتمًا لن تترك تلك الفتاة الساذجة الغبيّة تهنأ بحياةٍ جديدة بعدما قلبت أحلام مستقبلها رأسًا على عقب. تزاحمت الأفكار في ذهنها المشوّش تُضرم نار الثأر بعدما اكتشفت أنّ تلك الدخيلة كانت السبب الأساسيّ في عجز خطيبها. ألم يأتِ قرار فسخ الخطوبة نتيجة تعرّض يمان لذلك الحادث المشؤوم؟ لكن لمَ أخفى على الجميع بما فيهم شرطة السير وجود تلك السيّارة؟ كلّ آمالها قد طارت مع الريح بسبب تلك البائسة، وما كان يشعل غيرتها ويجعلها فاقدة الصواب كالمجنونة سماع يمان وهو يبوح بعشقه، هي من كانت تظنّ أنّه لم يكن من هؤلاء الرجال الذين يؤمنون بالعشق. صحيح أنّه كان يخصّصها بمعاملة لطيفة لائقة لكنّه لم يعترف لها يومًا أنّه مغرم بها. فركت جبينها متوتّرة تعجز عن معرفة الظروف التي حملت تلك الدخيلة إلى القصر، تحاول استرجاع حديث الصديقين في النادي علّها تحظى بأيّ جواب غير أنّ تساؤلاتها بقيت عالقة في الإبهام. إرتشفت ما تبقّى من القهوة ثمّ نادت النادل تطالبه بالحساب فإذا بها تسمع رنّات هاتفها تعلن وصول مكالمة من كرم. تنحنحت قليلًا تحاول السيطرة على مزاجها السيّئ ثمّ ردّت بصوت يدّعي حُسن الثبات والانفراج:

مُعذّبتيWhere stories live. Discover now