بارت ٥| خدعة أم خيبة؟

17 4 5
                                    

بارت ٥| خدعة أم خيبة!؟
اخترقت رائحة الخبز المحمص والبيض المقلي أنفي،فتحت عيني ببطئ لتعتاد على خيوط الذهب اللامعة التي أرسلتها الشمس لغرفتي أنا وميرا ...كانت تلك هدية كل صباح
-استيقظتِ عزيزتي؟
"نعم للتوّ ماما"
ارتفعت أطراف شفاهها ببسمة اجتمع فيها دفء العالم كلّه وقالت لي:
-صباح الخير حبيبتي،ميرا وتيم سبقوكِ إلى المائدة ولاتنسِ أن تشربي مخفوق الحليب خاصتك.
من عادات ماما كل صباح أن تسقينا مخفوق الحليب مع الفواكه لم أسأل عن مكوناته من قبل كل ما همّني أنه لذيذ ولكن لم أعرف أن هناك كوكتيل للمشاعر أيضاً...تلاشت تلك الصورة الوردية في مخيلتي
حلّ محلّها هذا الخليط الذي أجربه أول مرة في عمري
لم يكن لذيذاً البتّة بل مرّاً كالعلقم، والفرق الثاني أنني أعرف مكوناته هذه المرّة، خيبة،ألم..حرقة..فضب..حيرة وعجز والمزيد والمزيد...
صدح صدى صوت أبي عندما قال (تعلمين أنني تحديت الجميع بموافقتي على سفرك صحيح؟)
هززت رأسي لأنفض صوت وصورة أبي من أمامي
نظرت للسرير فإذا بأخي يحدثني والخيبة تقطّر من عينيه
-أخلفتِ وعدنا بهذه السرعة؟
صرتُ أَنفي برأسي مراراً وتكراراً حتى كادت رقبتي أن تُكْسَر
وجاءت ميرا من خلفي ترفع هاتفها إلى وجهي
-ماذا عن قائمة الأماكن والمطاعم التي سنزورها معاً في نيويورك؟
أخذت هاتفي وهرولت سريعاً خارج الغرفة، وصلت إلى الممرّ كنت أتنفس بسرعة وبين الخطوة والأخرى أنظر خلفي أخاف أن تكون أطيافهم تلاحقني وتكمل لومها وعتابها لي
ولكنه ليس ذنبي أقسم، كلّ ما فعلته أنني وثقت بذاك الرجل الخسيس
لم أركب في المصعد الكهربائي ...لم أكن أفكر بشكل سليم عندها ولم تهمني راحتي في ذلك الوقت
نزلت وأنا أركض وأركض كنت أتسابق أنا ودموعي في النزول
كلانا سريعان على كل حال
وصلت للطابق العاشر وقد كنت منهكة،أكملت في المصعد وخرجت من الفندق أتمشى في الشوارع
كنت بلا وجهة أمشي بلا هدف أنتظر معجزة تنشلني من القاع الذي وصلت له...أما كان هذا مايحدث في الأفلام؟
مشيت لمسافة لابأس بها وهدأت أعصابي قليلاً
كان أمامي ثنائي حب يمشيان أمامي لم أكن أرى سوى ظهريهما ولكن الطرف الأول أعطى وردة للثاني...ابتسمت على لطافة حركاتهما ولوهلة نسيت ماكنت فيه ... إلى أن التفتا لجهتي
فتحت عيناي على مصراعيهما وسقط فكّي السفلي بدهشة للمشهد الذي رأيته للتوّ
كان كليهما رجلان
كنت حقاً مصدومة وشعرت بالاشمئزاز يبدو اليوم أنه اليوم العالمي للصدمات النفسية ولن أتعافى منه قريباً على ما أظن
عدت أدراجي إلى الفندق وفي طريقي لمحت مقهى للقهوة على ركن الشارع
وقفت من الخارج وكانت تبدو كلاسيكية ذات طابع مريح وبسيط،جدران بلون كريمي والطاولات كانت بلون بُنّي محروق والأرضية كانت رخاماً بمزيج بين تدرجات البني وتتخلله خيوطاً فضّيّة برّاقة
دخلت إليها بنيّة شرب آيس لاتيه فلم آكل شيئاً حتى الآن وليس لدي أي شهيّة
"مساء الخير"
-طاب مساؤك، هلّ لي أن أساعدك بطلبك؟
"واحد آيس لاتيه من فضلك"
-بالطبع، ما اسمك؟
"غيد"
-عفواً؟
بدأت معاناتي المعتادة من جديد، دوماً ما أعاني من اسمي انه نادراً وغريباً بعض الشيء فلم أنزعج من الموظف لأن العرب أصلا كانوا يفهموه بعد أن أكرره لعدة مرات فلن أعتب على الأجانب
وقفت انتظر وأنا أحدق بالموظف أمامي ومترددة فيما سأقوله ولكن مستحيل لن اتراجع ولن أعلن هزيمتي عقدت العزم ولا استسلام
لامجال لليئس في قاموسي لن أسامح نفسي اذا ما استسلمت
في داخلي براكين خامدة أوشكت على الانفجار،وإذا انفجرت..أحرقت كل من حولي ،فطاقتي وما أنا قادرة عليه لايستهان به أبداً....أخذت نفساً عميقاً وأردفت بتقطع:
"هل وبالصدفة... تحتاجون عاملة.. هنا؟"
نظر إلي وهيأت نفسي لسماع الرفض
-هناك ورقة معلقة على يمينك بالفعل
ها؟ اعتلت ملامحي نظرة بلهاء ونظرت إلى الحائط الذي على يميني
{يلزمنا موظفة فوق عمر العشرين سنة ولائقة المظهر للعمل بدوام جزئي صباحي}
"كيف أستطيع أن أقدّم طلباً على الوظيفة؟"
-تواصلي على الرقم الموجود أسفل الورقة
شكرته وخرجت من المقهى الآيس لاتيه خاصتي بيميني وهاتفي بيساري
اتصلت على الرقم الذي كان موجوداً على الورقة
بعد حوار قصير عن معلوماتي الشخصية مع صاحب المقهى تم قبولي كموظفة بدوام جزئي في تلك المقهى وأستطيع البدء في العمل  من الغد
خرجت تنهيدة راحة من ثغري وتوقفت في نتصف الطريق، رفعت بصري للسماء أحاول تركيب أحداث اليوم في ذهني
منذ بضع ساعات كنت أرى نفسي بأعلى وأهم مكان في نيويورك ...الآن أشعر أنني فقط في أسفل القاع وكل شيء حولي بات عملاقاً وبعيداً جداً
حتى النجوم اعتدت أن أراها قريبة مني..أقرب من جيراني إليّ
ولكن مابالها الآن تبدو بعيدة كثيراً وكأنها تناثُر طلاء لامع بوسط لوحة سوداء يكاد أن لا يُرى بالعين المجرّدة
أم أنا التي سقطت أسفلاً وبقوّة؟....

كابجراسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن