الدرب الثاني

38 13 7
                                    

الثالثة فجراً، والقمر بدر يضوي الطريق أمامها وكأن العالم أتفق بترتيب اللقاء اليوم على الميناء تحت ضوء القمر المكتمل ليزيده سحراً على سحرهِ.

البحر كان حبها الأول لثلاثة قرون وكان هذا هو الشئ الوحيد الذي لم يتغير بها، حتى أن اسمه ديلان معناه المولود بجانب البحر ليزيد حبها له.

خطواته السريعة وقامته الطويلة جعلت من ملاحقتها له مهمة صعبة، تستمتع بملاحقة ديلان خارج القصر عندما لا يكون الأمير للحظات، ولكن يده ماتزال على سيفه تحسباً لملاقاة أعداءه.

أيُعادي أحدهم هذا؟، كيف يريد أن يأخذ أحد ذلك النوع من الجمال بعيداً عن وجهِ الارض؟، ألا يوجد لديهم أي أحترام لهبة الإله على الأرض، فالجمال هو هبة الإله لو تعرفون.

عيونه الخضراء المائلة للون الزيتي وشعره الذي ليس بني ولا أشقر ولكن بينهم، قامته الطويلة وجسدهُ الذي حُدِدت إنحنائاته بعناية إثر تدريب صارم فُرض عليه كونه الأمير وقائد الجيش، عضلات بطنه التي تتمنى لو أنها تلمسها، وقضت أياماً تحت الماء لتشاهده يُبرزها عند سباحته في بِقعتها من المحيط.

هل أشتدت يدهُ على سيفهِ للتو؟، ربما فقط شَعرَ بخطواتها خلفه فلديه حاسه سمع تتحاكى بها المملكة. ولأول مرة تتلاقى أعينهم عن قرب، فسرحت قليلاً ولم تنتبه حتى وجدته أمامها تشتدُ يده على معصمها.

وبصوته الذي يُشبه ألحان عزفتُها الملائكةِ في السماء "ألاحظكِ أينما ذهبت، وأراكِ تحدقين بي كما لو أنكِ تراقبينني، أعدوة سُلطتِ علي أنتِ؟ أم أنه نوع من طيش الفتيات وملاحقتهن الأمراء؟" قالها ديلان ليترك على وجهها اكبر أبتسامة عرفتها منذُ قرون.

" لا أعرفُ ملاحقةِ الأمراء يا عزيزي، ولا أهتم لو كان ملك الأرض بأكملها أمامي، ولكنني اهتم بمُلاحقتِك أنت" وقبل أن يقول كلمه أفلتت معصمها من قبضة يده وأختفت من أمامه لتتركه يتلفتُ في ريبة، لحظة يبتسم ولحظة يعبث ثم مضى تجاه القصر وكأنه نسى وجهته وهام على وجههُ في الأرض.

****

علق ديلان في عيناها وتعثر، شعر وكأن قلبه سقط على وجهه وفوت نبضة من نبضاته أحتفالاً بهذا اللقاء.

كان يشدُ على معصمها لا تهديداً، ولكن خوفاً من أن تهرب، ولكنها حياته حيث كل شئ يخشاه يحدث.

خُصلات شعرِها التي تتموج أكثر من موج البحر ذاته، ولونه الذي يشاطر لهيب النار في إحمراره، عيناها ما هي إلا قطعة من المحيط، كيف لا تأسره؟، كيف له أن لا ينسى وجهته أو الخطر الذي هو فيه.

ويعود للقصر ليتوه مرة أخرى أمام شجرة البلوط العريقة، يجلس تحت أقدامها يتمسح كالقطط ظناً منه أنها تأخذ فوضاه بعيداً مع الهواء وتبعثرها عالياً فلا يسقط عليه منها من شئ.

دروب الخيالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن