مجازر شنيعة

32 4 0
                                    

الثلاثاء الأسود : 

سطيف - الجزائر:

استيقظ بوزيد باكرا كعادته ، اتجه للمسجد لأداء صلاة الفجر و من ثم لإمضاء يومه بين الزاوية القرآنية و فوج الكشافة الاسلامية الذي كان منخرطا ضمن صفوفه و هو «فوج الحياة»

كان نعم الفتى تربية وأخلاقا وتواضعا وشجاعة ،اشتغل في عدة أعمال لإعانة والدته و إخوانه اليتامى ، يدخل المنزل في الساعات المتأخرة من الليل وبعد تناوله وجبة العشاء يصلي ويختلي بنفسه في إحدى زوايا البيت

كان لا يعود إلى البيت إلا في ساعة متأخرة، وعندما تستفسر أمه عن سر تأخره يقبل رأسها ويقول:

«لا تقلقي وإن سقطت شهيدا فزغردي علي».

لم يكن يوم السابع من ماي مختلفا ، سوى أنه بعد أن تلقى المُعمّرون إذنا من إدارة الاحتلال للتعبير عن فرحتهم بسقوط ألمانيا النازية أمام قوات الحلفاء، قرّر الشعب الجزائري هو الآخر أن يجعل من يوم الغد يوما مشهودا للمطالبة بحقوقه المُغتصبة واستردادها.

و بحكم انتماء بوزيد للكشافة الجزائرية فهو لم يكن ليتخلف عن موعد مهم كهذا ، إذ نُظّمت مسيرات سلمية في العديد من المدن الجزائرية، ووجّهت تعليمات للمناضلين تحثّ على ضرورة المشاركة الكبيرة في هذه المظاهرات .

علق بوزيد العلم الجزائري استعداد لذلك اليوم الذي سيخرج فيه الجزائريون إلى شوارع المدن الكبرى والقرى للتعبير عن فرحتهم بانتهاء الحرب التي أُقحم فيها أبنائهم كرها وسالت فيها دماءهم من أجل تحرير فرنسا وحلفاءها، فجاء موعد تذكير إدارة الاحتلال بحقّهم في الحرية واسترجاع السيادة المُغتصبة.

نهض بوزيد يومها باكرا، صلى فريضته و خرج من المنزل بعد أن ارتدى بدلة نظيفة، ثم ذهب إلى الحلاق ثم اتجه للمشاركة في المسيرة مع حشد من أصدقائه احتفالا بانتصار الحلفاء على النازية والفاشية وتجسيد فرنسا لوعودها التي لم تف بها بعد ذلك

لم تتخلّف العناصر الكشفية عن الموعد وكانت في مقدمة الموكب في أكبر المدن الجزائرية، أبرزها مدينة سطيف إذ تقدم 200 كشّاف من فوج "الحياة" باللباس الكشفي، ثم يليهم حاملو أكاليل الورود ومن خلفهم المتظاهرون الأخرون

كان بوزيد أوّل من رفع العلم الوطني خلال المظاهرات وهنا تدخلت الشرطة الفرنسية وتقدم أحد المفتشين وأمر بوزيد برمي العلم لكنه رفض

كان بوزيد سعال شابا كشفيا في السادسة و العشرين ربيعا، رضع الوطنية بدل حليب أمه ،رفع العلم عاليا لأول مرة ،فقتل برصاصة ليلقي ربه مخضبا بدماء الذود عن الوطن

وبمجرد إطلاق النار تعالت زغاريد النساء وأسرع الجمهور المتحاشد لنقل بوزيد إلى المستشفى لكن شاءت الأقدار أن يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك ليكون أول شهداء الثلاثاء الأسود

في قلب الثورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن