الفصل الأول (الإتهام)

32 3 9
                                    

في قصر المرشدي، حيث يعم الهدوء المشوب بالحزن، جلس الشيخ المرشدي وحيدًا في الحديقة، غارقًا في أفكاره العميقة.

كانت السماء ترسم لوحة الفجر، والشمس بدأت تنشر خيوطها الذهبية على الأفق، ولكن النور لم يستطع أن يلامس قلبه المثقل بالهموم.

فقد تركه المهدي وعائلته ورحلوا مع كبار الصعيد الذين حضروا لحل النزاع، تاركين خلفهم حطام الروح وكلماتٍ بلا طعم.

عينا الشيخ المرشدي، المليئة بالتجاعيد التي نسجها الزمن، ترقبتا السماء البعيدة، بينما تساقطت دموعه الثقيلة، وكأنها تعبير عن فراق ليس له شفاء. فكيف يرحل ياسر، ذاك الابن الذي كان ليس مجرد ابنه الأصغر، بل قطعة من روحه، جزءًا لا يتجزأ من كيانه؟ كيف يمضي دون أن يودعه وداعًا أخيرًا، ودون أن يطلب منه الدعاء كما كان يفعل دائمًا؟ نظراته كانت تتوسل للسماء أن تعيد له فلذة كبده، ولكن الحزن كان كطوق من حديد يحيط بقلبه ويضيق عليه التنفس.

كان الألم لا يزال يتضاعف، فهو لم يتعافَ بعد من فراق زوجته أمينة وابنته الصغيرة هبة، تلك التي لم يفرح بها قبل أن يخطفها الموت.

ثم جاء مقتل ابنه الغالي خليل ليعمق جرحًا آخر، وها هو اليوم يواجه فراق ياسر، الذي رحل دون أن يخبره كيف يمكنه مواجهة هذا العالم القاسي.

نهض المرشدي، وعيناه تشتعلان بالغضب، يتنفس النار، وكأنه أسد أُصيب في كبريائه.
كان يعلم في أعماقه أن المهدي هو السبب في كل ما حلّ بعائلته، فهو من تسبب في قتل من أحبهم، وهو من جعل حياته قطعة من الجحيم.
كيف له أن يغفر؟ كيف له أن يسامح وهو يرى عائلته تنهار أمام عينيه؟

وفي تلك اللحظة، تقدم منه ابنه الكبير، حمدان، بخطوات مثقلة بالحزن والندم.

وقف أمام والده محاولاً التخفيف عنه، قائلاً بصوت متردد، تعلوه نبرة اعتذار: "حقك عليّ يا أبوي، ما قدرتش أشوف دموعه وهو بيترجاني أساعده. ياسر مش بس أخويا، ده ولدي البكري، أعشقه أكتر من ولدي غيث."

لم يتمالك الشيخ المرشدي نفسه، فاشتعل غضبًا وصاح بصوت حاد يخترق صمت الصباح:
"واللي عمله صُح كيف يا حمدان؟ أخوك متهم بالشرف، بنت والغفير اللي شافوه وخدها معاه يفسروا دا بإيه؟ أقول للناس إن ابني خرج عن طوعي؟ ولا أسكت وأسيبه يشيل مصيبة مالهش فيها يد؟ جولي يا ولدي كيف تظهر براءت أخوك وسط الخلق؟"

تلاشت قوة المرشدي فجأة، وجلس منهارًا على مقعده، وكأنه حمل أثقل من أن تحمله أكتافه.
تساقطت دموعه على عصاه التي كانت تتحمل وزنه، وكأنها تحمل معه ثقله النفسي أيضًا.

قطيع الذئاب * الروايه  الثالثه من سلسلة روايات🌹( ورد الياسمين)  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن