P45

44 6 2
                                    

أخذ فرشاته، وبدأ يرسم على نحو هستيري، أفكاره تقتله، ويريد أن يضعها في رسمته، ظل يرسم ويرسم والدموع تملأ عينيه، والهالات تغطيهم، لوحته وألوانه كانت ملجأه الوحيد، جلس يرسم لمدة ١٠ ساعات متواصلة، دون أن ينام أو يأكل، لم يكن بوعيه، كان فقط يريد أن يسترجع شكلها، الذي لن يراه مجددا.

أخذ نفس عميق، وبدأ ينظر إلى رسمته وعينيه تفضيان من الدموع، وأفكاره لا تتوقف.

: أخبريني عزيزتي، أخبريني يا أميرتي لماذا قررتِ الذهاب وتركي بمفردي؟

: عزيزي، أنا لم أتركك لكن، لم أستطع البقاء، لم أستطع العيش بهذه الطريقة طوال حياتي، لم أستطع الانتظار حتى ينهيني المرض.

: كنت أنا معكِ، نستطيع التغلب على الصعاب عندما نكون معا، ليتكِ أخذتني معك.

: لم أستطع أن أفرط بك يا حبيبي، لديك العمر كله لتعيشه، أما أنا فكانت أيامي معدودة.

: لا تقولي هذا حبيبتي، أنا لا شيء من دونكِ أنا كنت أعيش حياتي من أجلكِ، لا أريد الحياة إن لم تكوني جزءاً منها.

: آدمي، عشِ حياتك من أجلك ومن أجلي، عش عني أيضا، كن سعيدا يا عزيزي لا تترك حياتك بسببي.

: تعتقدين أن ذلك سهل!!! توقفي عن كونكِ أنانية، لقد تركتني وحدي لقد تعاهدنا ألا نفترق، ومع ذلك اخترتِ الموت وتركتني وحيداً، تعرفين أنه ليس لدي أحد سواكِ، توقفي عن طلب المستحيل مني.

: أرجوك، لا تفرط في نفسك آدمي، عش حياتك أعرف أن طلبي أناني، لكن أرجوك عش.

: ليس لك أي حق لتطلبي مني ذلك، أحببتكِ أكثر من نفسي، تعرفين كم كنت متعلقا بكِ، وكم كنت أهواكِ يا معشوقتي والآن أصبحت وحيدا أتحدث مع رسمه لكِ أنا من رسمها.

: أنا أعتذر يا آدمي، عن كوني أنانية هكذا، لكن هل بإمكانك إخباري، لماذا غيرت لون شعري وعيناي في لوحتك؟

: أما شعرك عزيزتي جعلته باللون الأحمر حتى يعبر عن مدى غضبي على تصرفكِ الأناني.

: وماذا عن عينيي.

: الأزرق يعبر عن حزني واكتئابي بعد فقدانكِ.

: ولماذا الفستان البنفسجي؟

: حتى يخبركِ مدى ألم الذي أشعر به منذ أصبحتِ جثة هامدة.

: ولماذا منزلنا مطلي بالرصاصي؟

: حتى تعرفي أن منزلنا من دونكِ موحش، أشعر بوحدة شديدة، لا أستطيع النوم، وإذا نمتُ استيقظ مفجوعا أبحث عنكِ بجواري، لماذا فعلتِ ذلك بي يا أنيستي، لم يعد هناك من يؤنسني في يومي.

: أنا آسفة آدمي، لو يعود بي الزمن لغيرت قراري لم أتوقع أن يفعل موتي بك ذلك.

: إذا أنت لم تعرفي مدى حبي لكِ، ماذا أقول لكِ، تركت عائلتي وأصدقائي ونفسي من أجلكِ، أنا تركت حياتي لكي أكون جزءاً من حياتك، ولم أندم يوما على قراري، السعادة التي شعرت بها بجانبكِ كانت مختلفة فعلا، ولن أشعر بها مجددا.

: ما بالكِ لا تتحدثين معي، هل سوف تتركينني مجددا أنيستي، أرجوكِ لا تفعلي ذلك، أترجاكِ ابقي معي قليلا بعد.

: تركتني مجددا، مجددا أصبحت وحيدا.

ظل ينظر إلى لوحته بصمت تام لمدة ٥ دقائق، ثم تنهد قليلا، وبدا يلون الحبل باللون الأصفر، الذي يعبر عن السعادة التي لن يجدها حتى يذهب مع محبوبته.

: لقد أحببتكِ فعلا أنيستي، لقد اشتقت إليك هيا لنلتقي لا أستطيع تحمل فراقكِ.

وأنهى الرسام آدم آرثر ويلسون حياته في ١٢ من أيار ١٧٤٥، وأُوجِدَت جثته مشنوقة في شقته بجانب لوحة فتاة رسمها، كانت جميلة بشكل لا يوصف، كانت أيضا مشنوقة بالطريقة ذاتها التي انتحر بها، وأُوجِدَت مذكراته هنالكِ والتي كانت تحكي عن حياته مع محبوبته، والغريب أنه كان يعيش وحيداً، ولم يحظ بزوجة أو حبيبه يوما، مما أثار فضول العامة عمن كان يقصد، يقول البعض أنه كان مجنونا، أو يعاني الشيزوفرينيا؛ مما جعله يعاني الهلوسات، ويعتقد أن أنيسة شخصية حقيقة، بسبب عدم خروجه من منزله، والبعض يقول إنه كان على علاقة مع شبح، لكن الدقة في ملامحها جعل الجميع يشك في كونها شخصاً حقيقياً أم من نسج من الخيال.

ويبقى اللغز
من التي رسمها آدم؟

_اسـو

كانڤاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن