ولائي وكبريائي
الفصل الأول
أعيش أنا وسط عواصف هوجاء من المشاعر السلبية والتي دائما ماتمنحني الشعور بالإشمئزاز، فأنا لا أنصت لأى خسارة؛ بل دائمًا ما أستشعر ان بداخلي روح المقاومة لكل ظرف أمر به.
كانت أول تلك الظروف هو موت أبي ونحن ثلاث بنات ليس لنا عائل إلا هو وراتبه الهزيل أمام طاحونة الحياة؛ وبما أني أكبر بناته فقررت العمل والمساعدة منذ الصغر وقد كان، عملت منذ الثانوية العامة ورغم هذا حققت حلمي بدخولي لكلية الهندسة والتى لم يتركني العمل خلالها، بل أكملت مسيرتي خاصة بعد وفاة والدي وأنا بالعالم الدراسي الثاني.
وكالعادة أتى اقرباءنا والذين لم نكن نراهم قبل ذلك لإبداء الرأي والذي كان كالمتوقع:
البنت ملهاش إلا بيت جوزها، ودول 3بنات مش واحدة، هتصرفي عليهم منين ومرتب ابوهم بعد المعاش هيقل للنص.
والحق يُقال لم تستمع أمي إليهم وقررت أن تساعد هي الأخرى عن طريق مشروع أكل منزلي للعاملات والولائم الكبيرة، وحمدًا لله ذاع صيتها وأصبحت أنا وهى ومعاش أبي الهزيل فى مواجهة غول الحياة العملاق.
لم أوافق أن تأخذ أيا من إخوتي مسيرتي وقررت أن امضي بطريقي معهم حتى ينتهوا من دراستهم لأكون قد سلمت الأمانة كما أوصاني أبي الحبيب قبل وفاته.
بعد تخرجي طرقت جميع الأبواب ولكن كانت الواسطة هى ذات اليد العليا، فظللت أعمل كما أنا بأي مجال مع تطوير نفسي من خلال أخذ الكورسات الأون لاين والتي تفيد مسيرتي العملية والتي لم تأت بعد.
كنت ومازلت دائمًا مرحةً خفيفة الظل مع الجميع إلا أنى لا أتقبل الإهانة أو التقليل من ذاتي ولهذا أطلق عليا أصدقائي: ولاء كبرياء.
نعم فأصبح إسمي هكذا إذا ذكر ولاء ذكر الكبرياء معه، كنت بالبداية أضحك ولكن بعد ذلك راقني الأمر وبشدة.
ظللت أناضل وأناضل حتى أتى اليوم والذي عرفت فيه أنه تم قبولي بوظيفة مهندسة مدنية بشركة عقارات كبرى، لم اصدق ببادئ الأمر ولكن ما جعلني اصدق هو قبول صديقتى المقربة غيداء هي الأخرى وغدًا هو أول يوم بالعمل.
ظللت أبحث كثيرّا عن السبب حتى اكتشفت أنهم يبحثوا عن دماء جديدة ومتفوقة؛ ومن غيرنا يكون كذلك.
أغلقت ولاء كشكولها والذى تدون به كل شئ يحدث لها واتجهت للنوم لتبدأ يوم جديد عليها وعلى حياتها أجمع.
ياولاء، ياولااااء، يالا ياحبيبتى إصحي عشان النهاردة إن شاء الله أول يوم فى شغلك وبلاش تروحي متأخرة.
هكذا نادت عليها والدتها السيدة هبه. قفزت ولاء من التخت وهي تهرول صوب دورة المياه حتى تتوضأ وتصلي لترتدي ملابسها.
أنهت ما تريد فعله ثم خرجت لصالة المنزل بإبتسامة جميلة تزين وجهها الصبوح، فهي تمتلك بشرة جميلة ليست بيضاء وايضا ليست خمرية بشدة وعيون واسعة بلون القهوة وشعر حريري به بعض التجاعيد الخفيفة والتى تزيده جمالًا إلا أنها تخفيه تحت حجابها المنمق والذي يعطي وجهها بهاءا ونورا.
صباح الفل ياهوبه يا عسل إنت، هكذا ألقت تحية الصباح على والدتها وهى تقبلها بشدة.
إبتسمت هبة بحب وهى تقول : صباح الفل على عيونك يا لولو، يالا افطري عشان شغلك لسه قدامك مواصلات طويلة على ما اصحي وسام ووئام عشان هم كمان يلحقوا وقتهم.
بدأت ولاء بالتهام الطعام وهى تقول بتمني: دعواتك ياماما إني اقدر أثبت نفسي فى الشركة دي لأنها هتنقلنا نقلة تانية خااالص.
ردت عليها والدتها بأمل وقالت: ربنا يثبت أقدامك فيها ياااارب وتبقي المديرة.
قهقهت ولاء بشدة وقالت: مديرة مرة واحدة ياماما، طب بس خليني زي مانا مهندسة بس أثبت نفسي فى شغلي.
وقفت مرة واحدة عندما رن هاتفها وقالت:
يالا سلام أصل غيداء بترن عليا زمانها وصلت تحت.
إقتربت منها والدتها وقالت: تعرفي أحلى حاجة حصلت إن غيداء معاكي فى الشغل، كده هبقى مطمنة عليكي.
ودعتها ولاء وهبطت لملاقاة صديقتها ليبدأوا حياتهم العملية بمكان كان وجودهم به من أكبر أحلامهم.
💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠
بمبنى ضخم يتمثل بخمس طوابق عملاقة، تلك هى شركة علم الدين للعقارات والتصميمات الهندسية، كان يرأسها المهندس محمود مرسي علم الدين قبل وعكته الصحية التي أرغمته على مطارحة الفراش دون إرادته.
قام بإستدعاء إبنه ولاء من الخارج حتى يترأس الشركة رغم أنه كان دائم الإبتعاد عن نفوذ وأموال والده؛ حتى أنه معروف بالمهندس ولاء محمود مرسي دون لقب العائلة الشهيرحتى لايربطوا بينه وبين أبيه بأي شئ.
نزل مرغمًا من سفره وعمله بالخارج حتى لا يترك ابيه بتلك الأزمة خاصة وأخيه الأصغر مازال بالجامعة؛ فهو يصغره بحوالي عشر سنوات. فولاء فى الثامنة والعشرين من العمر اما أخيه عاصم فمازال فى الثامنة عشر من عمره، يدرس بكلية إدارة أعمال الفرقة الثانية.
يتميز ولاء بملامحه القاسية رغم وسامته الملحوظة، فهو جاد جدا وكأنه فى أواخر العمر وليس مقتبله.
كانت الشركة تنفر كما تنفر الخيول للحرب، فاليوم سيأتي المهندس ولاء والذي يخشاه الجميع رغم صغر سنه، فالكل على أهبة الإستعداد لوصوله، فهو قد أوكل بعضا مما يثق بهم حتى يختاروا مهندسين ومحاسبين جدد بمتطلبات معينة منها الكفاءة والطموح وأن يكونوا شبابا لكى يتفاهموا معه دون عناء.
وصلت ولاء وغيداء لباب ذلك الصرح العملاق والإنبهار حليفهم كونهم سيكونوا ضمن هذا الصرح.
كانت ولاء تقترب من الباب مبتسمة عندما قال لها فرد الأمن: لو سمحتي يا آنسه ثواني بس عشان مدير الشركة هيدخل.
زفرت ولاء بقوة وقالت: هو مدير الشركة وصل.
فأجابها عامل الأمن بهدوء: أيوه بلغونا أنه وصل وبيركن العربية.
دخلت ولاء بكبرياء وهى تسحب غيداء المندهشة من يدها وتقول: تمام يبقى لسه مجاش، لما يبقى يوصل قبلنا كنا هنستنى لكن إحنا اللى وصلنا فعادى جدا أصلها مش سوق عبيد هي.
كل هذا يحدث تحت أنظار ذلك الولاء الذي وصل عند كلامها ولكنه أشار لعامل الأمن أن يتركها تمر، لم ير وجهها ولكن كلامها وقع فى نفسه وأعجبه بشدة أن مازال هناك بعض الأشخاص الذين لا يرهبون أحدا ولا يتقهقرون أمام أحد.
إتجه كلٌ لمقصده، فالمهندسة ولاء ذهبت للإستقبال لمعرفة مكتبها وأين ستذهب بينما المدير ولاء قد ذهب إلى مكتبه القابع بالطابق الخامس والآخير.
بدأت ولاء عملها بكل حماس وشغف وكذلك المدير ولاء والذي بدأ يراقب جميع العاملين الجدد عن طريق صديقه كريم.
مر أسبوع ولم يتقابل كلًا منهما، حتى أنها كانت لا تعلم أن رئيس الشركة قد تم تغييره، فكانت تعتقد أنه مازال المهندس محمود علم الدين وأن ذلك الذي لم تنتظر وصوله ماهو إلا مدير من المدراء الآخرين.
صاحت غيداء بقوة: عاااا أنا جعانة وبقالنا أكتر من 3 ساعات شغالين على التصميمات دى، أنا عايزه آكل.
أبتسمت ولاء بنفاذ صلى وقالت: حاضر بامفجوعة البريك فاضل عليه نص ساعة نكون خلصنا اللى فى إيدينا ونروح نتغدى فى المطعم اللى جنبنا.
إندهشت غيداء وقالت: فى المطعم اللى جنبنا مرة واحدة يابنتى باين عليه غالي قووي.
أمسكت ولاء ياقة كنزتها بفخر وقالت: النهاردة والحمد لله اتبعتتلي الفلوس اللى كانت فاضله من شغلي القديم فيالا هغديكي وأمري لله، ثم أكملت بجدية: بس نخلص التصميمات دي؛ لأنك عارفة إن من خلالهم هيختاروا أحسن واحد وهو اللى هيمسك المشروع الجديد.
إبتسمت غيداء بثقة وقالت: وأنا واثقة فى إمكانياتك ياصاحبي وانك هتقدري تكوني صاحبة أحسن تصميم.
أمنت ولاء وراءها بالدعاء وبدأوا فى إستكمال ما بدأوه من أعمال حتى ينتهوا فالتقييم بعد يومين.
أما بالطابق الخامس فيجلس المهندس ولاء ومعه كريم وهم يراجعون عدة ملفات حتى يتفهم ولاء العمل أكثر وأكثر حتى قال بغتة:
مشروع القرية السياحية بتاعة الساحل عاملة إيه؟
أجاب كريم وهو مازال يتفحص ملفًا بين يديده وقال: أبدا أنا عملت نظام مسابقة بين المهندسين الجداد ونشوف مين فيهم يعمل أجمل تصميم هو اللى هيمسك المشروع، رفع رأسه وأردف حتى المحاسبين الجداد عملت كده برضه وقلتلهم إن أحسن موازنة هتتعمل صاحبها هو اللى هيمسك حسابات المشروع.
أعجب ولاء بالفكرة وقال بثناء: فكرة ممتازة وبكدة تطلع روح المنافسة مابينهم وساعتها كل مرة هيبذلوا أقصى مجهود عشان يثبتوا نفسهم وجديتهم فى العمل.
فكرة ممتازة ياكريم بجد، أهو أنا بحب الشغل ده مش الشغل الروتيني.
أومأ كريم بفخر وقال: عارف ياباشا تفكيرك وعشان كده عملت كده وإن شاء الله بعد يومين هناخد التصميمات وندرسها والتصميم اللى هيتوافق عليه من خلالنا وكمان خلال الشركة اللى داخله معانا هو اللى هنتناقش فيه وننفذه.
اومأ ولاء بالموافقة وقال: تمام كده أفضل، أه فاضلنا كتيير أنا جعت.
صدق كريم على كلامه وقال: وأنا كمان بس مفضلش غير ملفين نخلصهم عشان كده نبدأ بقه على نضافة.
وافقه ولاء وأكملوا مابدأوه ليرتاح بالهم.
💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠💠
خرجت ولاء وغيداء تجاه المطعم بعد ان أتت فترة الإستراحة، كانت ولاء بمرحها المعتاد تضحك بشدة هى وصديقتها حتى أتت إلى عامل الأمن والذي تعرفت عليه وهو عم رؤوف وقالت: أجبلك معانا غدا ياعم رؤوف؟
ضحك عم رؤوف وقال: بالهنا والشفا ياست البنات.
إقتربت منه وقالت بجدية: بتكلم جد والله أجبلك حاجة تاكلها؟
اومأ بالرفض وقال: الحمد لله سبقتك واتغديت وشربت الشاي كمان.
أشارت بيدها وهى بطريقها للخروج وقالت: خلاص هجبلك معايا حاجة حلوة ياراجل ياطيب.
ذهبت تجاه المطعم القريب من الشركة وعند دخولها اوقفها القائم على باب المطعم وقال: على فين حضرتك؟
أجابته بإستغراب: على جوة داخلة أتغدى زي الناس اللى داخلة دي.
رد عليها الرجل بهدوء: آسف يافندم هو حضرتك حاجزة ترابيزة.
نظرت إليه بإندهاش وقالت: هو عشان آكل لازم أحجز، ثم آشارت لأكثر من مطعم بالمكان وقالت: طب ماكل المطاعم دى أهي وعمرها ماقالت حجز.
تحدث الرجل بكبرياء: حضرتك مطعمنا سيڤين إستارز ومش اي حد ياكل فيه.
سحبتها غيداء وهي تقول : خلاص ياولاء مش عايزين مشاكل.
أشارت ولاء لنفسها وقالت: طب ما بقاش المهندسة ولاء محمود مرسي إن ما قدمت فيهم بلاغ لحماية المستهلك.
إستمع الرجل للإسم وقال بإرتباك: هو حضرتك مهندسة ولاء من شركة علم الدين.
إندهشت ولاء لتغير نبرته وقالت: أيوه ليه يعني.
أفسح لها الطريق وهو يعتذر بشدة عن هذا السوء تفاهم معتقدًا أنها هى بشخصها المهندس ولاء محمود مرسي صاحب الشركة ولا يعلم أنه مجرد تشابه أسماء بل والأكثر من ذلك فهى فتاة وهو رجل.
أنت تقرأ
نوڤيلا ولائي وكبريائي
Romanceرومانسي تقابلا قدرا لكي يجتمع قلبيهما بعد أن تشابهت أسماءهما رغم أنها ولاء أنثى وهو أيضا ولاء ذكر. فيختلط الأمر ويتهمها بالغش وإستغلال إسمه وهو لايعلم أن اسمها يتشابه مع اسمه ثلاثيا لتتكون تلك المواقف بينهما خاصة وهى تعمل لدية بشركة الهندسة الخاصة...