الفصل الثالث

844 37 0
                                    

الفصل الثالث
نسير ونسير ونظن أن لطريقنا نهاية ولا نعلم أنه بداية لمنعطف آخر سيغير مجرى حياتنا.
عادت ولاء لمنزلها وهي تشعر وكأنها تكاد أن تلامس السماء، فأحلامها بدأت بتحقيقها وخاصة بعد أن تثبت قدرتها على مواجهة التحدى بمتابعة ذلك المشروع الضخم وهى ببداية حياتها العملية.
فتلك ستكون بداية تغيير جذري لها خاصة تغيير مادي، فهي ورغم عدم إهتمامها بذلك الجانب إلا أنها لاتنكر أنه سيساهم بتغيير حياتهم للأفضل.
ياماما، ياماما انت فين ياست الكل؟
هكذا نادت ولاء على والدتها حتى تخبرها بالأنباء السعيدة.
خرجت والدتها من المطبخ وهى تشعر بالإندهاش بصوت ولاء المليئ بالحماس والسعادة بذات الوقت.
إقتربت منها وهى تقول: إيه فيه إيه؟ وصوتك عالي كده ليه؟
أخبرتها ولاء بتفاصيل ماحدث وكيف أن ذلك المشروع سيكون ذات أهمية كبيرة لحياتها.
سعدت الأم كثيرًا ولكنها قالت بقلق: معنى كده أنك هتسافري طول مدة المشروع!
أبتسمت ولاء بسعادة وقالت: أكيد طبعا ياماما، بس مش طول المدة يعني لأن المشروع هيتنفذ في وقت طويل لأنه قرية سياحية على مستوى ومساحة كبيرة.
إستطردت بحماس وقالت: فى الأول أكيد هتبقى إقامة كاملة عشان بداية المشروع وأساسياته أهم حاجة وبعد كده هتبقى متابعة وبس.
قبلت والدتها بحب وقالت: وكمان متقلقيش عليَّ ياست الكل غيداء هتبقى معايا وزمايلي من الشركة وهننزل فى فندق تبع الشركة وهكلمك كل يوم.
إحتضنتها والدتها بحب وقالت: ربنا يبارك فيكِ يااارب يا ولاء ويعلي مراتبك كمان وكمان انت طول عمرك شايلة معايا الحمل وعمرك ما اشتكيتي ويااارب أفرح بيكِ وأشوفك عروسة.
لاتعلم ولاء لماذا تذكرت وجه المهندس ولاء عند تلك الدعوة، نبض قلبها تلك النبضة التى تخبرها بوجود خطب ما ولكنها نفضت تلك الفكرة فأين هي وأين هو ولكن هل العشق يعترف بتلك الإختلافات؟!
"ولاااااااااااااء " انتفضت ولاء إثر صوت وئام ووسام عندما وجدوها شاردة الذهن.
هرولت خلفهم وهى تقول والله لأضربكم، إنتوا أصلا طلعتولي منين؟ أنا كنت بكلم ماما، فجأة مدى طلعتوا فى وشي.
يركضون خلف بعضهم بمرح شديد حتى أمسكتهم ومثلت أنها تضربهم وسط ضحكاتهم.
جلسن جميعًا على الأريكة عندما قالت وسام بخبث: كنت سرحانه في أيه ياقمر إنتِ؟
نظرت إليها ولاء بتهرب وقالت: لما تقول لي طلعتوا منين؟
أجابتها وئام تلك المرة وقالت: من الأوضة ياختى أنا كنت بذاكر وهى جت من جامعتها وريحت شويه على ماتيجي ونتغدا مع بعض.
أكملت بفخر: وطبعا سمعنا كلامك انت وماما وعرفنا المشروع الكبير اللى انت هتمسكيه.
إبتسمت ولاء وقالت : الحمد لله، مع أنه هيخليني أبعد عنكم بس كله يهون وكمان كل نهاية أسبوع هتلاقينى فوق راسكم.
لكزتها وسام بخفة وقالت: متهربيش من السؤال وقولي كنت سرحانه فى إيه؟
إبتسمت ولاء للذكرى وقالت وهى تأخذ نفسًا عميقًا: أبدًا موضوع كده ولو حصل فيه أى حاجة هقولكم عليه بس اللى أنا واثقة منه إنه مش هيحصل أى حاجة لأنه مينفعش.
💫💫💫💫💫💫💫💫💫💫💫💫
بڤيلا راقية بمجمع سكني فخم يجلس ولاء على طاولة الطعام مع أخيه الأصغر عاصم ووالدته تسنيم والده بعد ان بدأ فى الشفاء من وعكته الصحية قليلا فبدأ يتحرك ولكن دون إرهاق.
يضحك عاصمة بملئ فمع وهو يقص على والديه ما حدث مع ولاء فى الشركة من سوء تفاهم كما قص عليه كريم.
إبتسمت والدته وقالت: بس فعلا صدفة مليون جنيه، يعنى البنت تطلع نفس إسمك الثلاثي، غريبة والله.
إبتسم ولاء عند تذكره وقال: ما كله من كريم هو اللى عمل الإنترڤيو ومش فاكر أسماءهم! بقى هو حتى ملفتش نظره ان إسمها شبه إسمي.
زفر بقوة وقال: خلاني فى موقف لا أحسد عليه الصراحة.
تحدث والده بوهن وقال بإعجاب: بس معنى إن المشروع يبهركم لدرجة أن الكل فكر إن إنت اللى عملته تبقى فعلا مخ البنت دى ذري رغم صغير سنها ولها مستقبل كبير وهتثبت نفسها فى مجالها.
إبتسم ولاء عند تذكره لوجه ولاء المشرق وخاصة عند إحمراره عندما غضبت مما جعله يثبت نظره عليها دون إرادة منه وقال: فعلا هى مميزة فى كل حاجة.
صفق عاصم بمرح وقال: إلعب هى السنارة شكلها غمزت على رأى كريم ولا إيه؟!
نظرت إليه تسنيم بتعجب وقالت: سنارة إيه يا ولد إنت؟ ما تعقل كده وتركز شوية.
أجابها عاصم بإعجاب وقال: الصراحة ياماما هى تستاهل بنت زي القمر، لا وإيه مش زي اللى بنشوفهم اليومين دول؛ دى محجبه ولبسها محترم ومبتبصش لحد فى عينه.
رد والده بإعجاب وقال: هو لسه فيه حد كده؛ فعلا ربنا يباركلها ويبارك فى أهلها.
نظرت تسنيم لولاء فوجدت عيناه تلمع بشدة فعلمت بقلب الأم ان ولدها يميل لتلك الفتاة فتمنت بداخلها أن يحدث هذا فهي تود ان تراه مع فتاة تحافظ عليه وتعشقه خاصة أنه جاد جدا وليس له باع بتلك الأمور.
🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟🌟
سنحلق في الفضاء كطائر حر طليق يبحث عن حريته دون النظر لغيوم السماء.
تحضرت ولاء وغيداء للسفر إلى الساحل الشمالي حتى يشرفوا على مشروع القرية بعد أن ودعت كلتيهما أسرتهما تحت دعوات الأمهات السعيدة بتقدمهم رغم خوفهم الذي سيظل موجود مهما بلغوا من العمر.
رن هاتف ولاء برقم لا تعرفه فردت بتحفظ وهى تقول:
السلام عليكم مين معايا؟
تغيرت نبرة صوته للإحترام وهى تقول : أهلا باشمهندس كريم.
إستمعت إليه وهى تبتسم وتقول: وليه التعب ده حضرتك، على العموم ألف شكر وإحنا بالإنتظار.
أنهت المكالمة فسألتها غيداء بإستفسار: فيه إيه؟
أجابتها ولاء وقالت بسعادة: مش كنا ناعيين هم السفر بالشنط دي، أهو ياستى مهندس كريم إتصل وبيعتذر إنه إمبارح نسي يبلغنا إن فيه عربية هتودينا والمفروض كنا نتقابل قدام الشركة وبما إنه مقلناش فالعربية هتجيلنا هنا قدام البيت.
سألتها غيداء بغباء: وهو يعرف عنوان البيت منين؟
أجابتها ولاء بضحك: إيه يابنتى من ال cv بتاعنا يافالحة.
وصلت السيارة وركبت كل منهما وذهبتا بطريقهما وماهو مكتوب لكل منهما.
💧💧💧💧💧💧💧💧💧💧💧
إستقر الجميع بعد وصولهم بغرفهم، فكانت الغرف مزدوجة وكلا من ولاء وغيداء يقيمان مع بعضهما بغرفة رائعة تطل على الشاطئ بذلك الفندق العريق التابع لشركتهم لتدرك مدى ثراء أصحاب تلك المجموعة.
لم يكن اليوم الأول به أى عمل وكان فقط لإستطلاع المكان والإسترخاء على ان يبدأوا العمل باليوم التالي.
قررت غيداء الخلود للنوم رغم إلحاح ولاء بأن تخرج معها لإستطلاع المكان والإستمتاع بالشاطئ ولكنها رفضت بشدة لحاجتها الشديدة للنوم عكس ولاء والتى عندما تشعر بالتوتر لا تقدر على النوم.
هبطت ولاء وبدأت فى إستكشاف الفندق معجبةً بتصاميمه الرائعة، إتجهت بعدها خارج الفندق واستكشاف المساحات الخضراء من حوله ثم بعدها اتجهت للشاطئ ليلفحها الهواء العليل والذى جعل تنورتها تطير حيث كانت ترتدي تنورة واسعة من اللون الأسود ويعلوها توب إسود وجاكيت من الچينز وحجاب من اللون الأزرق فكانت كلوحة فنية رائعة الجمال خاصة لذلك الذى ينظر إليها من نافذة غرفته وذلك عندما لفتت إنتباهه فتاة محتشمة تمشي على الشاطئ في ذلك المكان الذي تكون به النساء عاريات بدعوى التحضر.
دق قلبه لها رغم كل شئ، يعلم لمَ هيَّ بالتحديد دون الأخريات، هل لنظرة التحدي عندما علمت بما حدث وقوتها عند المواجهة، أم لتحولها لفتاة خجولة عند معرفتها يكن يكون وإعتذارها منه رغم عدم خطأها، أم لإحمرار وجهها مما جعل فاكهة شعبية عندما شعرت بنظراته تخترق خاصتها فأخفضت عينيها ولم تستغل تلك الفرصة كما يفعل الكثيرون، أم لأنه قدر وكان سيحدث هذا مهما كانت الأسباب.
نظر إليها مرة أخرى فوجدها تجلس على الرمال وهى تضع رأسها على قدميها وتنظر إلى البحر لايعلم لما شعر بالغيرة كونها من الممكن أن تكون شاردة تفكر برجل ما.
لم يشعر بنفسه إلا وهو يتجه إليها ولايدري ماذا يفعل او سيقول؟!
أما هي فعادت بذاكرتها للخلف أتذكر خذلان أهلها جميعا لهم وتهربهم منهم خوفًا من أن يطلبوا منهم المساعدة، إبتسمت بألم عند تذكرها كيف ان عمتها جاءت لتخطبها لإبنها ذات المؤهل المتوسط وهي تخبرهم انها تفعل ذلك من أجل عظام القبر ولكي تخفف من حمل أرملة أخيها قليلا وعندما أخبرتها والدتها بالرفض وكيف لإبنتها المهندسة ان تتزوج من ذلك العاطل عن العمل والمشاغب بنفس الوقت. ثارت عمتها وهي تقول إنها كانت تريد أن ترحمها من لقب عانس قمت يمثل سنها معه طفل واثنين؛ ومنذ ذلك اليوم لم يأت أحدا لزيارتهم وكأنهم على على تلك العائلة.
زفرت بقوة وهى ترمي بعض الحصى داخل المياه وكأنها ترجم تلك للذكرى كما يرجم الحجاج الشيطان.
لفت إنتباهها ظلًا يأتي من خلفها فاستدارت لتجد المهندس ولاء يقترب منها وهو يقول بإبتسامة: آسف جدا أنى قطعت خلوتك أنا كنت بتمشى فلقيتك قاعده هنا.
دق قلبها بقوة وانقبضت معدتها واحمر وجهها من الخجل مما جعل داخله يسعد وبشدة.
اما هى فقالت بخفوت: أبدا أنا كمان كنت بتمشى وجيت قعدت هنا شويه أستمتع بالبحر.
جلس بجوارها دون مقدمات وقال: شكلك بتحبي البحر قوووي.
أجابته دون إدراك وقالت بحزن: جدااا، عشان بابا الله يرحمه كان بيعشقه وكان دائما ياخدنا المصيف ويقول لو أطول كنت أعيش هنا طول عمري .
شعر بحزنها فقال: الله يرحمه، هو متوفي من زمان؟
أجابته وهى تمسح دمعة هاربة من عينيها وقالت: من وأنا فى ثانوي.
سألته دون مقدمات: هو مفيش هنا حد بيبع أى حاجة تتشرب ولا إيه؟
علم انها تود تغيير الحديث فاحترم رغبتها وقال: لا طبعا فيه وكمان ممكن فى كافيه الفندق هتلاقي اللى انت عايزاه.
صاحت كطفلة صغيرة وقالت: بجد يعني ممكن ألاقى عصير ليمون بالنعناع الأخضر واللبن؟
نظر إليها وقال بإندهاش: ليمون بالنعناع مفهومه بس باللبن كمان إزاي بقه؟
أجابته بفخر: دانا كنت بعمل كوباية عصير ليمون بالنعناع واللبن تهبببل والزباين بيجولها مخصوص.
نظر إليها بإستغراب وقال: زباين إيه؟
شعرت بالخجل لما قالت ولكنها تداركت الأمر فهى لاتخجل من كونها كانت تعمل بصغرها فقالت بفخر: أنا بعد وفاة بابا الله يرحمه نزلت اشتغلت جنب دراستي عشان أساعد ماما ومن ضمن الشغل كان في كافيه.
نظر إليها بقوة وكأنه يريد ان يستكشف كل ما بداخلها فإلى متى ستبهره تلك الولاء الفريدة من نوعها.
شعرت ولاء بنظراته ولم تفهمها فسألته بخفوت: إيه مستغرب ولا إستقليت مني لما لقتني كنت بشتغل فى كافيه؟
نظر إليها وقال بصدق: تصدقيني لو قلتلك إني مبهور بيكي.
شعرت بالخجل فنهضت مرة واحدة وهى تبعد الرمال عن تنورتها وتقول: طب أنا هروح أشرب حاجة بقه لأنى عطشانه وكمان عايزه ألف فى كل الفندق لأن تصميمه يجنن.
أكملت بإعجاب للتصميم: اللى صممه أكيد عبقري وفعلا نفسي اتعرف عليه عشان أستفيد من خبرته.
أجابها بخبث جديد عليه ولكنه محبب إلى قلبه وقال: عجبك قوووى كده.
صاحت بجدية: جداااا عاجبنى بطريقة مش معقوله، عامل فيه تصاميم دقيقة مياخدش باله منها غير شخص عبقري فعلا ومستغل كل المساحات بطريقة ولا أروع من كده.
إبتسم بشدة وقال: على فكرة هو كمان بيقول على تصميمك للقرية كده.
فتحت عينيها بإندهاش كطفلة صغيرة وقالت : بجد هو شافها.
ضحك بقوة على هيئتها حتى ظهرت نواجذه فظلت تنظر إليه بتيه وعندما ضحك بقوة تغيرت ملامحه بتصبح أجمل بكثير، دق قلبها إليه مرة أخرى دون إرادتها .
تمعن بالنظر إليها عندما وجدها تائهة بملامحه وقال هو الآخر بتيه: على العموم هو عاجبه كل حاجة فيكي.
تداركت نفسها ووضعت رأسها ارضا وهى تقول بإرتباك: أأأنا ماشيه.
تحدث سريعًا وقال: مش عايزه تعرفي المهندس ولا أيه؟
نظرت إليه دون كلام فقال بإبتسامة هادئة: أنا اللى مصمم الفندق بالمبانى اللى حواليه قبل ما أسافر برة وصدقيني شغلك ميقلش إتقان عن شغلي ابدا بل بالعكس.
فتحت فمها للرد عندما استمع كلاهما لشخص ينادي بقوة: باشمهندس ولاء.
فرد الإثنان بنفس الوقت وقالت: نعم!
ضحك الإثنان تحت نظرات موظف الإستقبال المستغرب الموقف برمته وقال وهو يوجه نظره للمهندس ولاء : آسف يافندم بس تقريبا حضرتك نسيت الفون فى الجناح وتسنيم هانم رنت عليك ولما مردتش رنت على الإستقبال وبتقول لحضرتك كلمها ضروري.
ضرب رأسه بيده دليلا على نسيانه وقال: أوبس فعلا نزلت ونسيته وطبعا زمان تسنيم هناك هتعملها موال.
شعرت ولاء بغصة بقلبها وكادت ان تسأله من هى تلك التسنيم ولكنها قررت الإنسحاب بهدوء دون كلام لتتركه دون ان يلاحظ بملامح حزينه مختلفة عن تلك التى كانت هنا منذ قليل.

 نوڤيلا  ولائي وكبريائي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن