الفصل الثاني 🎨

29 9 4
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

سكتت بُشرى مقلّبةً كلمات أمّها في رأسها، هل من الممكن أن تكون محقّةً؟ لكنّها سرعان ما ألقت بكلّ تحذيراتها على طول يدها! خاصّةً وأنّها ليست المرّة الأولى لهذه التّحذيرات والتّخوّفات!

جلست تتفقّد تلك الصّور المرسومة وتشاهدها بانتشاءٍ شديد، تتلمّس ملامحها بأطراف أناملها محدّثةً نفسها، أدري أنّي أسكن قلبك وخيالك... لكن إلى هذا الحدّ! يا مَن تثبت لي كلّ يوم أنّ الحبّ في الواقع أجمل وأروع من كلّ القصائد والرّوايات، قد أحببتُ نفسي من شدّة حبّك لها، وعشقتُ ملامحي من روعة رسمك لها... وأقصى أُمنيّاتي يا حبيب الرّوح أن نجتمع معًا في هذه الدّنيا...

تنحنحت قليلًا مستعيدةً رشدها، لملمت أوراقها وأعادت دسّهم كما كانوا ثمّ انتبهت إلى عينَيها تذرفان دمعًا، فأسرعت تمسحهما متصنّعةً الثّبات، ثمّ تذكّرت ذلك الكيس الآخر... ليس فقط كيس الحلوى والمقرمشات والتّسالي اليوميّ، بل آخر به عدد من بكرات الخيوط مختلفة الألوان.

جلست متربّعةً على سريرها، على يمينها كيس الحلوى العملاق تلتهم منه ما تلتهم وعلى شمالها كيس الخيوط وبيدها إبرة الكروشيه تصنع إحدى المقتنيات؛ فهي موهوبة في الأشغال اليدوية بإتقان ومهارة واضحة للعيان، تستطيع تقليد الكثير من الغرز والتّصميمات بمجرد رؤيتها أو حتى بتخيّلها!

فكم صنعت من الملبوسات ولوازم الزّينة والمفروشات بغرزٍ أنيقة وألوان رائعة! وكم أهدت لغيرها من تلك الإبداعات! لكن ذاك الميل لا يتوقّف، فبمجرد مرورها أمام محل الخيوط تُساق إليه كأنّها مسحورة أو تحت تأثير طلاسم وتعاويذ! مثله مثل محلّات الحلوى والتّسالي...

لكن في نهاية جلوستها تأخذ ما أنتجت وتضعه في ذلك الرّف المخصّص لادّخار مختلف إبداعاتها، وفي المقابل قد التهمت كل محتويات ذاك الكيس العملاق!

لكنّها انتبهت إلى الوقت، وكونه قد تأخّر... مهلًا! لقد جاعت مجدّدًا!

خرجت تلتفت من حجرتها، وكان أهل البيت قد ناموا، اتّجهت إلى المطبخ، المكان الأقرب إلى قلبها! بحثت بعض الوقت عن أي شيء يسكن نهيق معدتها...

كانت تتناول ما تجده أمامها دون أن تتوقّف، وفي هذا الأثناء... انتبهت إلى صوت مفاتيح عصام الّذي تحفظه عن ظهر قلب، يبدو أنّه عاد من عمله للتّو!

اتسعت ابتسامتها وتهلّلت ملامحها ثمّ شرعت في إعداد شطائر السّدق والكبدة وقد قررت أن تكون هذه اللّيلة كليالي العاشقين في الشّرفة بصحبة سكون اللّيل وكَمٍّ من النّجوم ستقوم بعدّها وتتخيّل هيئة السّحب في أشكالٍ مختلفة من وحي خيالها!

وضعت وشاحها فوق رأسها وخرجت إلى الشّرفة حاملةً تلك الشّطائر الشّهيّة فوّاحة الرّائحة تملأ أرجاء البيت لدرجة أنّها تيقظ النّائمين، وقد شعرا والداها بتلك الرّائحة المتسلّلة إلى حجرتهما، بالطّبع لم يروق لهما حالها وأفعالها خاصةً فرط أكلها...

(بُشرى بألوان زيتية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن