مشرق النور

22 2 0
                                    

وقبل الحديث عن ولادة المصلح العظيم الإمام المنتظر عليه السلام أمل الإنسانية وزعيمها نعرض - بإيجاز - إلى الأصول الكريمة التي تفرع منها هذا النور الذي سيضئ جميع آفاق الكون ويبدد ظلمات الجهل ويقضي على عناصر البغي والشر والفساد في الأرض وفيما يلي ذلك:

الأب:

أما أبو الإمام المنتظر عليه السلام فهو الإمام الحادي عشر من أئمة الهدى عليهم السلام الإمام الحسن العسكري عليه السلام الذي هو من مصادر الفكر والوعي في دنيا الإسلام ومن سادات المتقين والمنيبين إلى الله تعالى وهو - بإجماع المؤرخين - أعظم شخصية إسلامية فذة في عصره ولقد كان الزعيم المطلق للجبهة المعارضة والمعادية للحكم العباسي الذي بني على الظلم والجور وتنكر لحقوق الناس وقد تعرض الإمام للسجن والاضطهاد وفرضت عليه السلطة الإقامة الجبرية في (سامراء) ومنعت شيعته منعا باتا من الاتصال به... وقد بحثنا عن سيرته وشؤونه في كتابنا (حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام) وسنشير إلى بعض شؤونه في البحوث الآتية.

الأم:

أما أم الإمام المنتظر عليه السلام فيرجع نسبها إلى أعظم شخصية في الروم - حسبما صرح به بعض الرواة - فهي بنت (يشوع) الذي ينتهي نسبه إلى قيصر ملك الروم كما أن أمها ينتهي نسبها إلى شمعون الذي هو أحد أوصياء السيد المسيح ومن حواريه( البحار 13 / 5).

وكانت هذه السيدة الزكية من سيدات نساء المسلمين في عفتها وإيمانها وطهارتها ويكفيها سموا وفخرا أنها كانت وعاءا لأعظم مصلح اجتماعي في التاريخ بعد أجداده العظام.
وكانت تقابل في بيت زوجها الإمام الحسن عليه السلام بمنتهى الحفاوة والتكريم وذلك لما تتمتع به من سمو الذات ومحاسن الصفات كما كانت السيدة الجليلة عمة الإمام تجلها وتعظمها فقد أحاطها الإمام علما بأن الإمام المنتظر سيكون منها ( البحار 13 / 5).

اسمها الشريف:

ونقل الرواة أسماء كريمة لهذه السيدة الزكية المعظمة كانت تسمى بها وهي:
1 - سوسن (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول البحار 13 / 7)
2 - ريحانة
3 - نرجس (وفيات الأعيان، الإرشاد).
4 - صقيل (مرآة الزمان).
5 - خمط (البحار).
وإنما سميت بهذا الاسم لأنها قد اعتراها النور والجلاء بسبب حملها بالإمام عليه السلام (مرآة الزمان).

ملاحظة : كلمة البحار في المصدر هنا هو كتاب بحار الأنوار

الثناء عليها:
وأثرت عن أئمة الهدى عليهم السلام كوكبة من الأحاديث في الثناء على هذه السيدة الزكية والإشادة بها ومن بينها هذه الأخبار:

1 - خطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد انتهائه من حرب الخوارج في (النهروان) وقد أدلى في خطابه ببعض الملاحم وعرض عليه السلام موضوع خروج الإمام المهدي عليه السلام وقد أثنى على السيدة الكريمة أمه قال:
" يا بن خيرة الإماء، متى تنتظر؟ أبشر بنصر قريب من رب رحيم " (ينابيع المودة)

2 - روى أبو بصير قال: قلت لأبي عبد الله: يا بن رسول الله، من القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيه المبطلون ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها (كمال الدين).

3 - روى محمد بن عصام بسنده عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر أو الإمام أبي عبد الله عليهما السلام أنه قال: بالقائم علامتان: شامة في رأسه وشامة بين كتفيه مثل ورقة الآس ابن سبية وابن خيرة الإماء (غيبة النعماني).

وكثير من أمثال هذه الأحاديث قد أثرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وهي تشيد بمكانة هذه السيدة الكريمة ولا يضر بسمو منزلتها أنها أمة فقد هدم الإسلام الحواجز بين البشر واعتبر التمايز بالتقوى وطاعة الله تعالى لا بغيرها.

مشرق النور:
وأشرقت سماء الدنيا بالوليد العظيم والمصلح الأكبر الذي يعيد للإسلام بهجته ونعمته على الناس وينقذ الإنسان من ظلمات الجور والطغيان وكان من عظيم ألطاف الله عليه وعنايته به أن أخفى حمله وولادته كما أخفى ولادة نبيه موسى بن عمران فقد روى المؤرخون أن الإمام الزكي الحسن العسكري عليه السلام دعا عمته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد عليه السلام وهي من العلويات العابدات التي تضارع جدتها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام في عفتها وطهارتها فلما مثلت عنده قابلها الإمام بمزيد من الحفاوة والتكريم وقال لها:
" يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي، فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه، خليفتي من بعدي... "
وغمرت السيدة حكيمة موجات من الفرح والسرور والتفتت إلى الإمام قائلة: " جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن؟... " فقال لها الإمام:
" من سوسن... " (البحار 13 / 5)

ونظرت السيدة حكيمة إلى سوسن فلم تر عليها أثرا للحمل فقالت للإمام " إنها غير حامل "، فتبسم عليه السلام وقال لها.
" إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل فإن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى ( البحار 13 / 10)
وقامت السيدة حكيمة من عند الإمام فلما حان وقت صلاة المغرب والعشاء أدت الصلاتين ثم تناولت الإفطار مع السيدة سوسن، وبعد ذلك عمدت إلى فراشها فنامت، ثم استيقظت ونظرت إلى سوسن فلم تر عليها أثر الولادة ولما حل الهزيع الأخير من الليل، نهضت فأدت صلاة الليل، وحينما بلغت الركعة الأخيرة وهي صلاة الوتر، وثبت السيدة سوسن وهي فزعة فأدت صلاة الليل، وبعد الفراغ منها أحست بالطلق، وبادرت نحوها السيدة حكيمة قائلة:
" هل تحسين شيئا ".
فأجابتها بفزع واضطراب:
" إني لأجد أمرا شديدا.. ".
وقابلتها السيدة حكيمة بعطف وحنان قائلة:
" لا خوف عليك إن شاء الله.. ".
ولم يمض قليل من الوقت حتى ولدت سوسن وليدها العظيم، الذي سيطهر الأرض من رجس الطغاة وجور المستبدين، ويقيم حكم الله في الأرض.
وفرح الإمام الحسن الزكي كأشد ما يكون الفرح بوليده المبارك، وجعل يرد مقالة الظالمين من حكام بني العباس الذين زعموا أنهم سيقتلونه ويحرمونه من النسل، قائلا: " زعم الظلمة أنهم يقتلوني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله... " ( البحار 13 /10 ).

عن حياة الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن