المقدمة

942 30 4
                                    


المقدمة

(منزل آل عيسى)

(تعالي هنا... تغريد! لن تفري مني وستجيبينني حالاً!) فرت تغريد من أخيها إبراهيم المستشيط غضباً وسط البهو تمسكه زوجته من مرفقه، وهو يستطرد بغضب (من قص شعرك يا تغريد؟ لقد أقسمت على تشميع محل من سمحتِ له بفعل ذلك، وإن كان رجلاً أقسم أن أعلقه وسط ساحة الموحدين العامة لمدينة الجبال كي يعتبر به باقي الحلاقين.) اختبأت خلف شمة التي أسرعت من المطبخ بهلع على اثر شجار جديد لتلك الفتاة المتهورة قبل أن تشهق برعب حين لمحت خصلاتها السوداء القصيرة. (انا حرة وهذا شعري أنا! ألم تسمع عن الحرية الشخصية من قبل؟ يجب أن تدركها فأنت على وشك تحمل مسؤولية منصب قيادي!) انكمشت خلف شمة التي نغزت كتفها بزجر، وإبراهيم يحاول الوصول إليها دون أن يؤذي زوجته الحامل الناظرة إليه بقلق بالغ (حرية شخصية؟! أنت فتاة وابنة أناس محافظين، تعلمي الأدب وإلا سأؤدبك بنفسي يا تغريد! أنا أعاملك بحنان إلى حد الآن! لم تري وجهي الآخر بعد!). انفرط لسانها من أي تحكم تحاول عبثاً التدرب عليه، وهتفت بما نشأت عليه (لا شأن لك بي! أفعل ما أريده متى أريد! لا أحد له سلطة علي!... لا أحد!) أمسك حق المرعوبة وحملها بروية حتى تركها جانباً ثم خطا بسرعة ليسحبها من ذراعها يطبق عليها بقوة يهددها بحزم أرعد قلبها (اسمعي يا تغريد وعي ما سأقوله لك! إن أعدت ما قلته مرة أخرى سأقص لك لسانك السليط هذا، أنا أكبر اخوتك والمسؤول عنك، أدخلي هذا إلى رأسك العنيد الذي سيتسبب لك بمصيبة يوما ما.) أطرقت برأسها تزم شفتيها بعبوس طفولي حين أنقذها إسماعيل الذي عاد لتوه من عمله، وأزال قبضة أخيه المطبقة على ذراعها بخفة يسأل بريبة (ما بكما؟) أشار إبراهيم إلى قصة شعرها الصبيانية التي تعتبر عيباً في حق الفتيات في عرفهم، هاتفاً بامتعاض (ألا ترى الفضيحة؟) لامس اتساعاً طفيفاً حدقتي إسماعيل، تعبيراً عن إدراكه حين لمح شعرها، مستفسراً منها بدهشة لكن بنبرة هادئة (لماذا يا تغريد؟ شعرك كان جميلا، هل تنتقمين من نفسك؟) هزت كتفيها بتجاهل ترد عليه بانفعال وقح (أجل، أنا حرة!) زفر إبراهيم حانقاً يكاد يفقد الأمل، فرفع إسماعيل يده مقاطعا (تغريد إلى غرفتك، سأنضم إليك بعد قليل، أريد التحدث معك، هيا!) قلبت شفتها السفلى واستدارت تبتعد بخطوات واسعة، وشمة في أثرها تهتف بنزق (يا غبية فضحت نفسك وعائلتك بين الناس، أضعت شعراً كالحرير لتتشبهي بالصبية، وا فضيحتاه... وا فضيحتاه!) ابتسم إسماعيل وهو يسحب شقيقه إلى الشرفة الأرضية، وحق ترمقه بامتنان قبل أن تنصرف لتتركهما على انفراد (الخالة شمة تتحسر على مستقبل الفتاة، تخشى ضياع فرصة زواجٍ لائقٍ بها.) تنهد إبراهيم رافضاً الاستجابة لمزاحه يجيبه بقلق (إنها تُخرج مني الأسوأ يا أخي.) ربت على يده يهادنه بلطف (أنت فقط لم تعتد على مراهق عنيد ناهيك بفتاة.) التفت إليه مستنكراً (لم يتعبني عيسى هكذا!) ضحك إسماعيل معقباً بمرح (بلى بلى كان جاحداً! كل ما في الأمر أنه نشأ على مهابتك، ولم يستطع معصية توجيهاتك! أما تغريد فهي لم تعتد بعد سلطة الأهل، فأخوها لا يكبرها سوى بسنوات قليلة، ستتعود مع الوقت فقط أمهلها بعضاً منه!) هز رأسه بتفهم يستسلم للمنطق، فهو لن يتخلى عنها أبداً بالرغم من استعجاله النابع من قلقه عليها ثم سأله حين تذكر ناظراً إليه (هل هاتفت خطيبتك؟ والدها زارني في الشركة، سيحضرها غداً بإذن الله.) تجمدت ملامحه للحظة خاطفة فتهرب بنظراته، فاستدرك إبراهيم بحزم وإن طغى عليه بعض من الحنو (أنا حذرتك من قبل وأنت قبلت وانتهى الأمر، الرجال يا أخي يوفون بوعودهم، والفتاة خطيبتك الآن، وإن تركتها...) قاطعه مستنكراً (لن أتراجع، أنت سألتني إن هاتفتها وأنا لم أفعل، هذا كل شيء...) أومأ له بتفهم (لا بأس! الله المستعان.)

طوع يدي الحق..2.. سلسلة نساء صالحات...للكاتبة منى لطيفي نصر الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن