الفصل الأول

740 34 0
                                    


الفصل الأول

أبين ما في الانسان ضعفه, فمن شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى ......الإمام الشافعي .

(منزل المرابط)

فتحت باب السيارة بتردد كما ترجلت منها ثم فردت قامتها ورفعت رأسها لتتأمل البيت الكبير لأهل والدها. إحساس غريب اكتنف قلبها، لكنها أجلت تحليله وهي ترنو رجلا كبيراً ينتظرها قرب الباب الداخلي، ذكرها بجدها الحنون الذي وافته المنية، فلمعت مقلتاها بحنين وخطت نحوه لتضمه تهمس له ببحة (جدي!) ضمها إلى صدره بحنو وزكرياء يراقبهما بحيرة ودهشة من الترحيب الدافئ الذي لم يكن حقاً في انتظاره منها بالرغم من أنها تحترمه للغاية، معترفاً لنفسه بأنها قدمت له الكثير مقابل القليل الذي منحها إياه لكن ما يحيره مدى التقارب الذي يلاحظه عليها مع والده (حمدا لله على سلامتك، كيف حالك الآن بنيتي؟)؛هزت رأسها وهي ترد عليه (أفضل حالا الحمد لله، شكرا لك.) ضم كتفيها وهو يقودها إلى المنزل، وزكريا ما يزال يرمق تقاربهما بحيرة، من يراهما لا يصدق بأنه أول لقاء بينهما. (لا أحد في البيت، استرخي.) أخبرها جدها ببسمة مشفقة، فتنفست طائعة الصعداء حين تساءل زكرياء بحيرة من أمر أبيه (أبي!) ابتسم له والده، يفسر له بنبرة بها بعض التسلية (أنا آسف بني لأنني أخفيت عنك الأمر لكنني لم أستطع تجاهل حفيدة لي، ليس من شيمي لذا كنت أزورها من حين لآخر، وكنت أستمتع بصحبة جدها رحمه الله، كان رجلاً مختلفاً.) أطرق زكريا برأسه خجلا من نظرات ابنته التي ومهما أخفت عنه مصابها، إلا أن نظراتها تصرخ بلهفة وعتاب... أين كنت يا أبي؟ (أين هي نعيمة؟) سأله زكريا، فرد عليه والده بوجوم (المستشفى.) هز رأسه ونظر إلى ابنته يخاطبها بلطف (استريحي في غرفتك، أبي سيأخذك إليها واستعدي، آل عيسى سيأتون مساء كي نعقد القران ويصحبوك إلى منزلهم.) أومأت له بخفة تتجاهل القشعريرة التي امتدت على طول جسدها، فاقترب منها يقبل رأسها مستطردا (سألحق بنعيمة الى المستشفى، لم أزر أختك اليوم بعد، السلام عليكم.) راقبت ابتعاده بسهو، جفلت منه على لمسة جدها يحثها على المشي (سأدلك على غرفتك.) ابتسمت بتهكم تفكر؛ غرفتها كيف وهي مكان مؤقت لساعات معدودة تجهز فيه نفسها؟! والأصح أنها لم تحظ بغرفة في بيت أبيها، ولن تفعل لأنها ستقاتل من أجل زواجها بكل ما تعلمته من أمها وجدها، ومن دراستها حتى إن كان الزواج قائما على المصالح، والزوج يبدي بروداً مقلقاً ورغبة بالفرار (لا تحزني لأن والدك غادر.) قالها جدها حين لاحظ سهوها، فردت عليه مبتسمة (لا جدي! لست حزينة، كيف حالها بالمناسبة؟) تبدل تعبير قسماته إلى قلق، وهو يفتح لها باب الغرفة (نقلوها إلى القسم النفسي بعدما يئسوا من استجابتها للعلاج.) قطبت طائعة وهي تلتفت إليه بأنظارها الفضولية (أنا لا أفهم سبب محاولتها للانتحار، الخبر وصل إلى بلدتنا.) أحسن إخفاء توتره وهو يجيبها بضيق (ولداي أفسدا أبناءهما دلالاً، وحين عجزا عن تحقيق رغباتهما الأنانية الأول سلك طريق الضلال، والأخرى سلكت طريق الجبناء.) لم تقتنع لكنها أومأت على أي حال، وهو يستطرد ببسمة حنونة (باستثناء عواطف، حفيدتي الرقيقة أتمنى أن تتعرفا إلى بعضكما مستقبلاً إن شاء الله.) ابتسمت له بحنو تتذكر سهام، وجدها يضيف بعدما ربت على كتفها (سأدعك لترتاحي قليلاً، وافق آل عيسى على عدم إقامة حفل عرس احتراما لموت جدك، كما أن الاحتفال لم يناسبهم بدورهم بسبب مرض الحاجة إيجة.) تنفست بعمق وهي تتأمل فخامة الغرفة حولها، طلاء كريمي بارد، وستائر من الحرير كشرشف السرير الكبير المغلفة أطرافه بجلد مزين بكريستال شفاف، والمناضد بتصميم مماثل. جلست وهي تتحسس نعومة الحرير على بشرتها، تفكر إن كانت أختها حظيت بكل هذا وأكثر، فما الذي جعلها تيأس إلى درجة إنهاء حياتها! هزت كتفيها استغراباً حين علا رنين هاتفها، فتطلعت إليه فابتسمت تبتسم بود (مرحبا سهووومتي! لا لم أنسك، وصلت لتوي واشتقت إليكم أيضا.)

طوع يدي الحق..2.. سلسلة نساء صالحات...للكاتبة منى لطيفي نصر الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن