الفصل الثالث

525 32 1
                                    


الفصل الثالث

إذا حار أمرك في شيئين، ولم تدري حيث الخطأ والصواب، فخالف هواك فإنّ الهوى يقود النفس إلى ما يعاب.. الإمام الشافعي.

(قبل سنوات)

(ثانوية الإمام مالك)

ترجلت طائعة من على دراجتها الهوائية، وتوجهت بها لتضعها بين مثيلاتها المصطفة بترتيب داخل أول ساحة واسعة تستقبلهم خلف الباب الحديدي الكبير للثانوية. التفتت ترمي ساعتها المطاطية بنظرة مستهجنة لتأخرها، فأسرعت من خطواتها التي عادت وتمهلت حين استدارت خلفها على اثر نبرة لاهثة (طائعة! أنت أيضا تأخرت! تمهلي!) انتظرتها وهي تجيبها بنفاد صبر (مريامة لقد تأخرنا، يا إلهي! لأول مرة يغلبني النوم ولدينا امتحان الفصل!) قاطعتها ببسمة ماكرة لمعت بها مقلتاها (لا تخافي! لن يكون هناك امتحان اليوم وأستاذنا العزيز سيضطر لإلغائه.) فتحت طائعة فمها بحيرة بينما تدفع حقيبتها جانب خصرها، ثم هتفت بدهشة (هل قام بإلغائه؟ لم يخبرني أحد!) نفذ ذاك الوميض عبر قلب طائعة كنغزة مخيفة حين ضحكت بمكر لم تعتده منها، وهي ترفرف برموشها الكبيرة حول مقلتيها الأكبر تضفي على جمالها فتنة جذابة مع بياض بشرتها وخصلاتها الكثيفة السوداء (لا يا عزيزتي، لم يلغه بعد، بل سيلغيه حين ندخل الآن.) ضمت طائعة ما بين حاجبيها البنيين ريبة وهي تسألها بريبة (مريامة، ماذا ستفعلين؟) هزت المعنية كتفيها باستخفاف، وهي ترد عليها (لم أستعد للامتحان، وسألغيه.) لم تنبس طائعة بحرف ترمقها بحيرة، فاستطردت وهي تسحب كفها نحو القاعات (هيا، ستساندينني ولا تفارقينني.) نفضت يدها من كفها، تهتف برفض قاطع (لا مريامة، أنا لا دخل لي في ما ستفعلينه!) زفرت بسخط تعقب وهي تتقدمها (أعرف يا آنسة مثاليات لكن الحياة ليست مبهجة للجميع كما هي معك، هناك من يضطر للمراوغة كي يعيش حياته الصعبة، صدقيني! لا شيء سيئ فيما سأفعله!) أومأت لها طائعة باستنكار تكتف ذراعيها، فقلبت مريامة مقلتيها بسخط قبل أن تسبقها الى الصف (إن كُشف أمري سأخبرهم بأنك شريكتي، لذا من الأفضل لك مساندتي من أجل مصلحة الصف بأكمله لأنني سأقدم لهم خدمة بتأجيل الامتحان.) تنفست طائعة بخوف من هذه المخلوقة التي بدأ تغير سلوكها الواضح والمخيف بتناقضه الغريب يشغلها، تحديداً منذ سنتين أصبحت غامضة ومعقدة بالنسبة لها. بلعت ريقها وهي تخطو إلى مقعدها مترقبة حتى أنها لم تلقِ السلام على شريكتها في المقعد. تحرك الأستاذ مفارقاً طاولة مكتبه يحمل بين يديه أوراق الامتحان كي يقوم بتوزيعها، فالتفتت بشكل آلي إلى مريامة التي غمزتها قبل أن تمسك على صدرها تلهث بشكل هستري جعل الأستاذ يعود خطوة إلى الخلف ليلقي برزمة الأوراق قبل أن يسرع إليها بهلع يهتف بقلق (آنسة مريامة، ما بك؟ ليبلغ أحدكم الإدارة، أسرعوا!) تجمدت طائعة بصدمة، فهي الأخرى صدقت حالتها من شدة حمرة وجهها المكتنز قليلاً بسبب تلاحق أنفاسها. تخلى الرجل عن حذره وحاول تعديل ظهرها كي تتمكن من التنفس جيدا حين اتسعت مقلتاه رعبا وجسدها يرتخي بين يديه، أمسكها بإحكام كي لا تقع على الأرض ليفحصها فانتفضت طائعة من مكانها مسرعة إليها، تلوم غبائها، متسائلة في سرها عن الذي تناولته ليدخلها تلك الحالة!

طوع يدي الحق..2.. سلسلة نساء صالحات...للكاتبة منى لطيفي نصر الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن