الرابع "قبل أن يثأر"

566 70 40
                                    

الفصل الرابع "قبل أن يثأر"
#قتل عمد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض الحقائق تقلب الموازين و تبعثر الخطط ، ربما لسانٌ أفصح بالصدق يودي بالطريق إلى مسارٍ آخر لم يكن في الحسبان ، لكن رغم مرارة الحقيقة إلا أنه من الوجوب ألا توارى خلف اختلاق الأكاذيب .

واقفٌ أمام والديه يتلقى نتيجة بوحه بالصدق و لم يضع في اعتباره ردات الفعل المناقضة لإرادته المكبلة ، وقف في محاولةٍ لفرض حريته المرة الأولى و منح ذاته حق الاختيار لكنه قوبِلَ بصراخٍ كانت ماهيته :

_مُطلقة!! ، عايز تتجوز واحدة مطلقة يا "ثائر"؟! ، عايز تقهرني مش كفاية مستحملاك و مستحملة استهتارك طول السنين دي .

تلقى هدير والدته بوجهٍ مكفهر و للمرة الأولى قرر اقتباس أفعاله من اسمه و يثور حيث هتف بصوتٍ متهدج :

_أنا اللي بقالي سنين مستحمل كفاية بقى ، أنا مبقيتش صغير أنا سبعة و عشرين سنة فاهمة يعني إيه! ، اللي زيي دلوقتي عايشين حياتهم محدش بيقول لهم أه أو لأ على حاجة ، كفاية بقى ارحموني أنا لحد النهارده مفيش حاجة واحدة في حياتي كانت باختياري .

و عاود صوت "نهاد" الصدوح في غضبٍ شديد :

_ولد!! ، إزاي تتكلم كده أنت نسيت إني أمك ؟!

ابتلع الغصة المريرة المتشكلة في حلقه و أردف لكن بنبرة أكثر اهتزازًا و وهنًا :

_للأسف منسيتش ، و دي المشكلة .

عبارته و صوته كان كافيًا لجعل قلبيهما يكاد يقلع من محله ، عبارةٌ قست عليه قبلهما و خرجت من أشد مواضع ألمه ، تزعزع ثبات كلٍّ من "مُختار" و زوجته إثر حديث ولدهما الأوحد لكن كعادة "مُختار" العملية اقترب منه يتحدث جامدًا :

_كنت عايزنا نسيب لك الحبل عالغارب عشان تضيع نفسك؟ ، مش هتصعب عليا يا "ثائر" أنا كل مرة بتأكد إني صح و إنك مش أهل لإنك تاخد قرارات بنفسك ، مش لما تعرف أنت عايز إيه الأول يا مُشَتَّت .

اهتز كيانه بأكمله و كان وقع الكلمات عليه كوقع السوط من فرط ألم أثره ، و إن كان أثر السوط يزول فإنه يقسم أن أثر العبارات باقٍ أمد الدهر ، شعر بانفطار فؤاده و الكلمات توشَم فيه حتى لا تبرحه مهما حيا .

شعر بارتعاشةٍ تسري في كف يده و بوخز الدموع في عينيه و هو يود أن يفر هاربًا من نظرات والده التي تخترق روحه و كلماته التي تجهر بضعفه و تكشفه أمام ذاته ، انقبض قلب "مُختار" لرؤيته حالة ولده المُزرية و خاصةً حينما نطق و خرج صوته مبحوحًا متألمًا :

_و مين اللي كان السبب؟ ، مين اللي لغى شخصيتي و مسابش ليا فرصة ألاقي نفسي فيها و أعرف أنا عايز إيه؟ ، مين اللي كل ما أتعلق بحاجة يحرمني منها؟ ، أنت فاكرني ناسي حاجتي اللي اتبهدلت يوم نتيجة الثانوية العامة؟ ، فاكرني ناسي لوحي اللي تعبت فيهم و لقيتهم حتت قدام عيني؟ ، فاكرني ناسي تجاهلك ليا و أنا بوريك دي ..

قتل عمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن