المُعَمِّم الأعمى

1.6K 78 31
                                    

تلميذاي أثبتا لي في الأيام التي تلت ذلك اليوم أنهما مؤهلان لتولي مهام وحالات أخرى وهذا ما حدث بالفعل فقد وجهت (عواد) بجلب المزيد من الحالات وكنا نخرج نحن الأربعة معاً مرة أو مرتين يومياً لزيارتها وتشخيصها وتقديم الحلول والعلاجات. تلك الزيارات زودتهما بالخبرة الميدانية التي ثبتت ورسخت العلم الذي اكتسباه مني نظرياً خلال الأشهر الماضية وكذلك قربتنا أكثر بعضنا من بعض على الصعيد الاجتماعي وقوت اللحمة بيننا وأصبحنا كعائلة واحدة نوعاً ما .

مع تزايد الحالات والمهام التي كنا ننجزها بدأت ألاحظ تبايناً بين قدرات (هاجر) و (ماجد) فكلاهما كان متمكناً ومتقناً فيما يقوم به لكن هي تفوقت عليه قليلاً في إجادة وصف العلاجات وتراكيب الخلطات

وهو تميز بالتشخيص الدقيق وكشف أسباب العلل.

كنت أستمتع بالإنصات لهما حينما نعود كل يوم من رحلة علاجية وهما يناقشان ما حدث معي وبينهما بحماس وكانت تلك النقاشات مصدر تعليم إضافي لهما لأنها علمتهما على التعاون وتبادل الخبرات فيها

ينها وفي الحقيقة نادراً ما كنت أساعدهما في شيء فتمكنهما وقدراتها كانت عالية وتهمهما للتعلم واستيعابها السريع فاقا توقعاتي لذا قررت بعد مضي عدة أشهر أن أثق بهما وأتركهما يخرجان وحدهما دوني مع (مواد) وبالرغم من أنهما حاولا إقناعي بالاستمرار بمرافقتهما إلا أني وضحت لهما أنها وصلا لمرحلة لا تستدعي وجودي وأنها جاهزان التولي الأمر بأنفسهما وألا يستعينا بي إلا في حالة تستعصي عليهما وهذا

الم يحدث إلا مرة أو مرتين على الأكثر خلال ما يقارب العام.

بالرغم من ابتعادي المحدود إلا أني كنت أخذ من (عواد) تقريراً يومياً عنها وعن ممارساتها وطريقة تعاملهما مع الحالات وكنت راضياً عما

أسمع منه ومسروراً للمرحلة التي وصلا إليها.

صباح أحد الأيام دخل علي (ماجد) في مطبخ الطابق السفلي وأنا أعد النفسي وجبة فطور خفيفة وقال باسماً : ماذا تعد يا معلمي؟ - فطيرة زعتر بالليمون .. هل أعد لك واحدة معي ؟

(ماجد) ملوحاً بكفه باسماً : لا ، شكراً .. لا أظنني سأستيعها

- هل جربتها من قبل ؟

(ماجد) : لا ولكني واثق من أني لن أحبها ومن أين حصلت على هذه الثقة إن كنت لم تجربها من قبل ؟

(ماجد) : مجرد شعور

الشعور وحده ليس سبباً كافياً للحسم ...

(ماجد) ممازحاً : هل هذا درس آخر تريد إيصاله لي بطريقة غير

مباشرة ؟

جرب وستعرف الجواب

صوت (هاجر) مقاطعاً لحوارنا من وسط بهو المنزل : لا تجرب يا (ماجد) .. أنا جربتها قبلك ولم تعجبني فهي مقيتة ! أجبتها ممازحاً بصوت مسموع لها : لم يسألك أحدا

خوف3حيث تعيش القصص. اكتشف الآن