27

9K 180 0
                                    


الفصل السابع والعشرون وقبل الاخير
جلست على المقعد المجاور للاريكة المستلقى عليها منذ قدومه من العمل يتطلع الى هاتفه مع ابتسامة على وجهه متجاهلا وجودها تماما تمر الدقائق عليها وهى تحاول الصبر والتهمل حتى لا تسأله السؤال والذى يكاد لسانها يحترق للنطق به لكنها لم تحتمل طويلا تطلقه اخيرا قائلة بلهفة
: كلمتك ابوك ياحسن فى موضوع الشغلانة الجديدة
تجاهل حسن سؤالها يكمل التطلع نحو هاتف متجاهلا لها لتكمل بسرعة وهى تحثه على الكلام
: عرفته انك عاوزها لحسابك المرة دى
زفرت بحنق تناديه حين استمر على تجاهلها ليرفع عينيه نحوها قائلا ببطء يجيبها
:لا ياسمر..مقولتش ومش هقول...
هتفت بغضب تسأله وهى تعتدل فى مقعدها بتململ
: ليه يا حسن مش احنا اتفقنا..انك هتكلمه
هز حسن كتفه بعدم اهتمام واكتراث قائلا
: احنا متفقناش على حاجة..انتى اه اتكلمتى بس انا مقلتش انى موافق
عقدت سمر حاجببيها بعد فهم وحيرة تسأله
:يعنى ايه كلامك ده...يعنى مش هتكلم ابوك
هز حسن رأسه لها بالايجاب قائلا
:بالظبط كده مش هكلمه... وبعدين ابويا ملهوش دخل بالشغلانة الجديدة..دى تبع صالح وجاية لحسابه وبفلوسه
نهضت واقفة على الفور وقد تبدد هدوئها وعينيها تلتمع بالحقد والغل صارخة
:قلت لى بقى انها تبع صالح....وهو صالح اخوك ده مبيشبعش فلوس ايه عاوز يكوش على كله
لوت شفتيها وهى تربت فوق بطنها قائلة بشماتة
:اومال لو مراته كانت شايلة ومعمرة ليكم البيت بالعيال كان عمل فينا ايه... بس هقول ايه هو اللى بيحصله ده من شوية... ماهو من عمايله السودا
شقهت بفزع تتراجع للخلف حتى سقطت فوق مقعدها جالسة مرة اخرى فبعد كلماتها الحاقدة غير محسوبة العواقب تلك فاجأها حين هب من مكانه نحوها يجذبها من ذراعها بقسوة وهو يصرخ بها بغضب اعمى
: انتى اللى عمايلك سودا.. ومفيش اسود من قلبك
ولو جبيتى سيرة اخويا مرة تانية على لسانك هقطعولك فاهمة ولا لا
اسرعت تومأ له بالايجاب وعينيها تنطق بالخوف منه ولكنه لم يكن قد انتهى بعد يكمل ببطء وبنبرة تحذرية يضغط فوق ذراعها اكثر حتى كادت اصابعه تخترق لحمها وعينيه تحدق بها بشراسة
: عيشى وربى عيالك ياسمر وابعدى عن البيت وحياة الناس اللى فيه... احسن واللى خلقك ماهيهمنى حاجة ولا حد بعد كده...وان كان على العيال هجيب ليهم اللى تربيهم...اه هى هتبقى مرات ابوهم...بس صدقينى هتبقى احسن منك الف مرة..
شحب وجهها بشدة تتلعثم الحروف فوق شفتيها هامسة بتعثر
:عاوز تتجوز عليا ياحسن... اهون عليك تهون عشرة السنين دى كلها
حسن وهو يبتسم ببطء واستمتاع
:اه ياسمر تهونى...وتهونى اوى كمان....قلتى ايه بقى
عجز لسانها عن الكلام يضيق حلقها حتى كادت ان تختنق بعد ان كلماته والتى تطعنها كالسكين الحاد على غفلة وعينيها تتطلع اليه بذهول وعدم تصديق فحتى حين القى عليها بيمين الطلاق كانت تعلم انها ماهى اللى صحوة مؤقتة منه القى فيها بهذه الكلمات فى لحظة غضب واثقة تماما الثقة بأنه سيعيدها مهما طال بهم الزمن ولن يستطيع الاستغناء عنها وسيعود مع الايام لطبيعته معها وهذا ما عززه حين لجأ اليها للمشورة والاخذ برأيها كعادته معها فيما حدث مع اخيه منذ عدة ايام ولكنه من بعدها عاد مرة اخرىلتعامله غير المبالى ونظراته الباردة المحتقرة لها كأنها قد اسأت اليه او خاب ظنه بها...
وهاهى الان تراها فى عينيه ترى نظرة التصميم وعقده العزم على فعل ما قاله الان بأنها ليست كلمات جوفاء نطق بها كتهديد فارغ كالمرة السابقةبل هى كلمات ستحطمها وتقضى عليها ان فعلها حقا وقد استطاع اخيرا ايجاد نقطة ضعفها والامر الذى تخشاه ولا تستطيع تحمله ابدا لذا وقفت تجيبه وبل كل هدوء تعنى كل كلمة تنطق بها هذه المرة قائلة
:قلت حاضر ياحسن...اللى تقول عليه هعمله...ومن هنا ورايح هخلينى فى حالى وبيتى وولادى
تركها ذراعها ثم تراجع عنها يحمل هاتفه ويعاود الاستلقاء مرة اخرى فوق الاريكة قائلا بعدم اكتراث
:حلو اوى ومدام فهمتى يبقى قومى اخفى من ادامى..وياريت من هنا ورايح كلامك معايا على الاد...وفى اللى يخص العيال وبس
هذه المرة لم تستطع مقاومة دموعها تشهق عالية بالبكاء وهى تنهض من جواره تسرع فى مغادرة المكان تتعثر فى خطواتها لكنه لم يهتم بل استمرت فى التطلع الى هاتفه غير مبالى بها تماما كما اصبح فى حياته كلها معها
****************************
كانت تجلس تشاهد التلفاز وتتابع احد المشاهد الدرامية المؤثرة وهى تضم شفتيهاالمرتجفة تحاول منع نفسها عن البكاء خوفا ان يصله صوتها ويقلق فقد كان يستلقى على الاريكة بجوارها ورأسه فى حضنها وقد فضل هذا الوضع على الذهاب وحده الى الفراش ينتظرها حتى تنهى من مشاهدة مسلسلها المفضل ولكنه ماهى لحظات وقد كان يغط فى النوم وبعد ان اخذت اناملها تتلاعب فى خصلات شعره تبعدها عن جبينه بحنان وهى تتابع الاحداث بأعين مهتمة وتلتمع بالدموع متأثرة تشهق عالية بعد سقوط البطل فى ايدى اعدائه بصوت جعله يهب فزعا من نومه هاتفا بقلق وهو يجلس يتلفت حوله
:مين...ليه...فى ايه حصل؟
ضغطت شفتيها معا بحرج وأسف وهى تعتذر بخفوت
:اسفة ياحبيبى حقك عليا خضيتك.. ده المسلسل اصل البطل خلاص مسكوه وها....
قاطعها صالح زفرا بقوة وهو يمرر كفه فوق وجهه يهتف بها بعدم تصديق وذهول
:حرام عليكى يافرح والله... دانا روحى راحت منى وقلت حصلك حاجة
اقتربت سريعا منه تضم رأسه بكفيها ثم تجذبه نحوها قائلة بصوت ملهوف
: بعد الشر عليك ياعيونى... يارب البطل والمسلسل كله
ابتسم بسعادة وحبور كطفل صغير وقد اعجبه ما قالته وهو يزاد اقترابا منها يستند برأسه فوق كتفها وذراعيه تلتف حول خصرها قائلا بتأكيد
:ايوه يا رب الواد ده والمسلسل ده كله علشان بياخدوكى منى
ضحكت فرح تسأله بدهشة
:صالح هو انت بتغير من المسلسل بجد و البطل بتاعه؟!
صمت قليلا يتململ فى جلسته بتوتر قبل ان يتحدث وهو يدفن وجهه فى عنقها قائلا بخفوت
: ايوه بغير منه ومن اى حاجة او حد ممكن تاخدك منى... بس كمان مقدرش اقولك لا على اى جاحة بتحبيها وتفرحك.. انا لو اطول اجبلك نجمة من السما يافرح هجبهالك ومش هتأخر ثانية
شع وجهها بالفرحة تناديه بهمس ليرفع وجهه اليها يتطلع اليها لتتسع البسمة فوق شفتيها هامسة بعشق وهيام
: وانا مش طالبة نجمة ولا حاجة..انا كفاية عليا انت وبس واى حاجة تانية مش مهمة
وعلى عكس توقعها لوقع كلماتها عليه شعرت بالقلق والاضطراب حين اظلمت عينيه يسألها بتمهل تشعر برجفة الخوف فى صوته
:طب والولاد والخلفة يافرح....برضه مش مهمة عندك
زفرت بقوة تبتعد عنه قائلا بحنق
: وايه اللى جاب السيرة دى دلوقت صالح... وبتقولى عليا انا ملكة الدراما
تراجع عنها هو الاخر قائلا بصوت ألمها الكسرة والحزن فيه
:خايف يافرح...خايف يجى يوم ومبقاش فيه كفاية عليكى...خايف اشوف فى عنيكى لحظة كره ليا سببها انى كنت سبب فى حرمانك من حاجة كل ست فى الدنيا بتتمناها...اوعى يافرح تكرهينى فى يوم.....
التفت اليها فى جملته الاخيرة وقالها لها بنبرة ومتوسلة راجية جعلتها تهب من مكانها تسرع بالجلوس فوق ركبتيه تعقد ذراعيها خلف عنقه وعينيها تتطلع لعينيه بنظرة قوية واصرار قائلة له بحزم
:انا عمرى ما تمنيت فى حياتى غيرك...ولا عاوزة من الدنيا دى كلها غير انى اكون معاك وفى حضنك...انا مش ممكن اكرهك علشان حاجة مشفتهاش ويوم ما اتمنتها كان علشان هتبقى حتة منك... صدقنى ياصالح
اراح جبينه فوق جبينها يغمض عينيه وهو يتنفس بسرعة وقوة ليظلا على هذه الحالة للحظات كأنه يستمد من انفاسهم المختطلة القوة والصبر ثم فجأة انحنى على شفتيها يقبلها بلهفة للحظات طوال سرقت منهما الانفاس قبل ان ينسحب بعيدا عنها يريح جبهته فوق جبهتها مرة اخرى هامسا بتردد
: طيب تحبى تيجى معايا المرة الجاية وانا رايح للدكتور.. وتسمعى وتفهمى منه الموضوع كله
هزت رأسها له بالايجاب سريعا هامسة وهى تبتسم بنعومة
: احب طبعا.. اى حاجة تطلبها منى انا موافقة عليها
ابتسم لها هو الاخر بحب يهم بالاقتراب مرة وفى عينيه تظهر نواياه لكن قاطعه صوت جرس الباب يتعال صوته فى ارجاء المكان ليزفر صالح بحنق ونزق قائلا
: انا اللى استاهل..ايه خلانى ارجعه يشتغل تانى...مااحنا كنا مرتاحين من صوته
نهضت فرح عن قدميه سريعا تضحك بمرح وهى تتجه ناحية الباب لفتحه ليهتف بها يوقفها بحزم قائلا
:رايحة فين...ادخلى انتى جوه...انا اللى هفتح الباب
ضمت شفتيها ترفرف برموشها قائلة بتدلل
: حاضر ياسى صالح...اللى تأمر بيه
ثم تحركت من المكان بعد ان القت اليه بنظرة تتدلل واغراء اخرى جعلت قلبه يثب من صدره يهرع خلفها وكان ان يتبعها هو الاخر بجسده لكن تعال رنين الجرس مرة اخرى فأخذ يدمدم بغضب وحنق وهو يتجه نحو الباب يفتح بقوه عاقدا حاجبيه بغضب لكنه سرعان تتبدد عن وجهه اى مظاهر للغضب حين وجد والده والدته ومعه شقيقه وزوجته يقفون امام الباب تهتف والدته له
: ايه ياحبيبى انتوا نمتوا ولا ايه... احنا قلنا نيجى نقعد معاكم شوية.. بس لو كنتوا....
قاطعها صالح فورا هاتفا بترحاب وهو يفسح الطريق لهم ليدخلوا جميعا وخلفهم سمر والتى كانت تسير خلف زوجها بتمهل وهى تحنى رأسها و تلقى بسلام خافت عليه
واستقروا جميعا فى غرفة الاستقبال جالسين تسأله والدته
:هى فرح نامت ولا ايه ياصالح
اتت الاجابة من فرح والتى دخلت فى تلك اللحظة قائلة
:لا يا ماما انا صاحية...
ثم القت بسلام عليهم مرحبة وهى تقف بجوار صالح تبتسم ولكنها كانت تخفض عينيها عنهم بحرج متأثرة بما حدث منذ عدة ايام يسود الصمت للحظات حرجة وحتى تتلاشى هذا الحرج اسرعت بالقول
: هروح اجيب حاجة نشربها... ثوانى و...
بالفعل تحرك نحو المطبخ لكن اتى صوت الحاج منصور يقاطعها قائلا وهو يشير لها قائلا
:لا تعالى اقعدى الاول انا عاوزك فى كلمتين
شحب وجهها تنظر لصالح بخشية وقد ظنت ان يريد فتح الامر مرة اخرى وهذا ما ظنه صالح هو ايضا يلتفت الى والده سريعا يسألها بتوتر وعينيه تبعث اليه برسالة واضحة
: خير ياحاج..فى حاجة تانية عاوز تتكلم فيها
ابتسم منصور وقد وصلته رسالته جيدا قائلا بحزم ولكنه نظراته كانت ممازحة
: انا عاوز اكلم فرح انت اسمك فرح!؟...تعالى يابت اقعدى جنبى هنا وسيبك من الواد ده
اشار لفرح بالاقتراب منه والجلوس بجواره وبالفعل اطاعته بعد لحظة تردد وجلست بجواره ليبتسم الحاج منصور بغبطة قائلا لصالح يداعبه
:شوفت بقى سمعت كلامى ازى..خليك انت بقى فى حالك
ثم مد يده بداخل جيب جلبابه الداخلى يخرج منه كيس من القطيفة ويمده نحو فرح قائلا بحنان
: شوفى انا كنت النهاردة انا والحاجة فى مشوار كده... وافتكرت ان مجبتش ليكى حاجة بمناسبة جوازك.. فقلت اجبلك السلسلة الحلوة دى... شوفيها كده ويارب ذوقى يعجبك
التمعت عينيها بالسعادة تبتسم بفرحة طاغية ليس سببها الهدية نفسها ولكن فى معناها وتوقيتها ودون تفكير واو لحظة تردد وجدت نفسها ترتمى فى احضان الحاج منصور وهى تبكى بدموع الفرحة جعلت الكل يضحك على ردة فعلها حتى صالح ضحك بصخب قائلا
: معلش ياجماعة نسيت اقولك..ان مراتى ملكة الدراما فى العالم كله تفرح تعيط.. تحزن تعيط...كان كده ملهاش زى
هتفت انصاف قائلة
: ربنا ما يجيب حاجة تحزن ابدا... ويخليكم لبعض دايما
ثم غمزت خفية لحسن ليظهر التردد عليه قبل ان يلتفت لصالح قائلا
: وانا كمان جاى النهاردة انا ومراتى علشان نقولكم حقكم علينا... ومش عاوزك تزعل منى ابدا ياصالح
انا لما عملت كده كان خوف عليك...مش قصدى اوقع الدنيا فى بعضها ابدا
نهض صالح عن مقعد يجذب حسن الى احضانه يربت فوق ظهره قائلا بحزم يتخلله نبرة حنونة
: حصل خير...وياما بيحصل وكلامك ليا ده عندى بالدنيا كلها...دانت اخويا الوحيد ياحسن..يعنى الضهر والسند
بكى حسن بتأثر من كلمات صالح له فقد صدمته وجعلت يشعر بالراحة بعد ان ظن ان الطريق طويل امامه لعودة الامور للطبيعتها و واستحالة المصالحة بينهم
وبينما كان الجميع يتطلع الى الموقف امامهم بتأثر شديد الا ان سمر برغم هدوء وجهها وخلوه من اى تعبير الا عينيها كانت تعصف بالمشاعر وخاصا الغل لا تستطيع ان تهضم او تمرر ما يحدث امامها الان تنهش قلبها الغيرة والحقد وهى تتسأل لما يمتلك صالح وزوجته كل هذا الحب والثروة والهناء بينما حياتها هى تنهار فى تلك اللحظة ويتبدل حال زوجها معها من النقيض للنقيض تعيش معه على الحافة وغيرها ومن اقل من تهنئ بكل هذا
افاقت من افكارها على صوت زوجها وقد عاود الجلوس مرة اخرى مكانه يشير لها وفى عينيه كلام استطاعت قرأته بعد ان اعاده عليها مرارا وتكرارا طيلة اليوم قائلا
: قومى يا سمر روحى لفرح فى المطبخ وساعديها
اسرعت بالنهوض من مكانها تومأ له سريعا وقد انتبهت لاختفاء فرح من المكان تتجه ناحية المطبخ تدخله بخطوات بطيئة حتى وقفت خلف فرح تماما تسألها بنبرة خبيثة ممطوطة
: تحبى اساعدك فى حاجة
التفتت اليها هاتفة بسرعة وهى تهز رأسها بالرفض قائلة
: لاا ياحبيبتى شكرا مش عاوزة اتعبك... اقعدى انتى ارتاحى.. او اقولك اطلعى احسن معاهم بره
سحبت سمر مقعد وجلست عليها قائلة بأرهاق وتعب مصطنع
: لاا انا هقعد معاكى هنا اسليكى لحد ما تخلصى...معلش بقى مش قادرة اقف واساعدك... انتى عارفة بقى الحمل وتعبه
دوى صوت سقوط احدى الاطباق بعد ان انزلق من بين اصابع فرح المرتعشة وقد شحب وجهها بشدة من خبث كلماتها وقد سقطت فوقها كالمطرقة اخلت بتوازنها وهى تكمل بنبرة عادية كأنها لا تعى تأثير كلماتها على فرح
: انا كنت بقول المرة دى هتبقى اسهل..زى ماانتى فاهمة كل ما بتحملى ورا بعض ومبتخليش فرق بين كل مرة والتانية الموضوع بيكون اسهل.. الا المرة دى تعبها مش عاوزة اقولك اد ايه....وحسن كل اللى عليه يقولى انه نفسى فى ولد كمان... علشان دول اللى هيشيلوا اسمى واسم ابويا من بعدى مع انه خايف وقلقان عليا اووى
كانت فرح قد التفت للناحية الاخرى تعطى لها ظهرها حتى لا ترى تأثير كلماتها المسمومة عليها برغم انها لم تكن تهتم بما تقول الا ان طريقتها فى الحديث وتعمدها حرج مشاعرها جعلتها تتأثر رغما عنها تغمض عينيها وتاخذ عدة انفاس سريعة تهدء من ثورة مشاعرها وقد كان اقربهم للسطح الغضب والذى جعلها ترغب بأن تطيح بها من فوق مقعدها لكنها وبكل هدوء التفت اليها قائلة وعلى وجهها ابتسامة مستفزة
: عندك حق.. الاحسن فعلا انك تجيبى ولادك ورا بعض.. انتى سنك بيكبر وسنة ولا التانية ومش هتقدرى تعمليها تانى... ده غير تربية العيال بتخلى الست تبان اد عمرها تلات اربع مرات...واكيد حسن واخد باله من حاجة زى دى ومقدرها برضه
جاء الدور على سمر ليشحب وجهها بشدة تفر الدماء تتركه ابيض تمام ثم تعاود الدماء للضخ به بسرعة وقوة حعلته محتقنا بشدةوقد برزت شرايين عنقها بطريقة جعلت فرح تخشى عليها من ان تنفجر فى اى لحظة تراها تهب من مقعدها بعنف فتسقطه ارضا تفتح فمها كأنها ستلقى بالحمم من داخله ولكن ولدهشة فرح اسرعت تغلقه مرة اخرى كان شيئ ما اوقفها ترمى فرح بنظرة حارقة مغلولة ثم تسرع فى مغادرة المطبخ فورا دون ان تنطق بحرف بطريقة جعلت فرح تطلق ضحكة عالية منتصرة من المؤكد قد وصلتها وهى فى طريقها للخارج
وبعدها فور اندفع هو للداخل كأنه ادرك بحدوث خطب ما لكنه سرعان ما استرخى مستندا فوق اطار الباب ينظر اليها بأعجاب عامزا لها بعبث مزاح قائلا
: انا شايف ان الوحش بتاعى ظهر من تانى واخد حقه مش كده ولا ايه
اخذت تهز حاجبيها له وفى عينيها نظرة خبيثة قائلة
: طبعا يا قلب الوحش.. اخدته وبزيادة كمان
فى تلك اللحظة خرجت سمر كأنها الشياطين تطاردها وهى تدمدم بحنق وغضب ولكنها وقفت خطوتين من مكان تجمع العائلة اسرعت برسم ابتسامة صافية مزيفة وهى تجلس بجوار زوجها والذى سألها فورا
:عملتى اللى قلتلك عليه ياسمر..وصفيتى الامور بينك وبين فرح وكله تمام
سمر بتأكيد وجدية
:طبعا ياخويا وهو انا اقدر ازعلك..بعدين البت فرح طلعت جدعة وقلبها ابيض وكله بقى تمام وزى الفل
ابتسم حسن بغبطة لها يربت على كفها استحسانا ولكنه لم يكن يدرك عن تلك النار والتى تنهشها من الداخل حتى كادت ان تتفحم اعضائها من الكمد والغضب بعد رد تلك الداهية عليها وقلبها الامر عليها لتخرج هى منه ضعيفة منهزمة تخشاها وتضع من الان لتلك الصغيرة الف حساب
*************************
بعد مرور عدة ايام عادية وهادئة ودون احداث اجتمعت عائلة الحاج منصور لمناقشة طلب هذا الخاطب ليد ابنته ياسمين ليهتف حسن عاقدا حاجبيه بقلق بعدم علمة بهويته
: بس ياحاج بسمع عنه وبيقولوا عليه بخيل ومش بيهون عليه يطلع قرش من جيبه
ياسمين وهى تطلق شرارات الغضب والحنق نحو اخيها رفضا لحديثه قائلة له بتحدى و دون خجل
: بس انا موافقة ياحسن.. وعرفت بابا بكده
نهض حسن عن مقعده صائحا بغضب وحنق
: يعنى ايه يا حلوة... كلامنا ملهوش لازمة عندك ولا ايه
رمت ياسمين بنظرة متستهزء وضعت بها ردها على سؤاله ومعها ابتسامة مستفزة جعلت حسن ينهض من مقعده بعنف وقد استفزته ما تراه عينيه منها يهم بالانقضاض عليها صارخا بحنق يسبها ولكن تأتى صيحة والده حتى وتوقفه فى مكانه مرة اخرى قائلا
:جرى ايه ياحسن انت هتمد ايدك عليها وانا قاعد ولا ايه؟
ارتبك حسن يتراجع الى الخلف باضطراب ولكن مازال وجهه محتقن قائلا بخفوت
:انت مش شايف ياحاج كلامها ردها عليا عامل ازى
اسرعت انصاف تتحدث قائلة فى محاولة لتهدئة الاجواء
:هى يا حبيبى...تقصد انها شايفة انه عريس حلو وكويس وبتعرفك انت واخوك برأيها زى ما عرفت ابوك...بس طبعا الرأى يرأيكم انتوا وابوكم واللى تشوفوه صح هى اللى هتعمل
زفر حسن بقوة فى محاولة للهدوء وهو يعاود الجلوس فى مقعده مرة اخرى يتلتف الى صالح الجالس منذ بدء الحديث صامت وهادئ يضع سبابته فوق فمه و هو ينظر الى ياسمين بتفكير يسأله بنفاذ صبر
: ايه رأيك صالح..ولا انت هتفضل قاعد ساكت كده
صالح ومازالت نظراته فوق ياسمين يتطلع اليها وقد كانت هذه هى المرة الاولى التى يجتمع بها فى مكان واحد من ماحدث منها اخر مرة يسألها بصوت رصين هادئ
:قوليلى يا ياسمين بعيد عن انه بخيل ولا لا...مش شايفة ان عشرين سنة فرق ما بينكم كتير اووى
اجابته ياسمين بنبرة ذات مغزى ومعها ابتسامة خبيثة
: وده عيب بالنسبة لك ياصالح ان يبقى فى فرق كبير بين اى اتنين هرتبطوا...مع انه مكنش كده يوم ما فكرت تتجوز فرح وهى من نفس سنى ويمكن اصغر كمان سنة...ولا هو حلو ليك وعيب عند غيرك
توتر المكان فى الحال بعدها ينهض الحاج منصور ويندفع نحوها يهم بضربها هو هذه المرة لولا اسراع صالح والوقوف كحاجز بينهم وايقافه عن فعلها يهدئه هو حسن بعد ان انتفخت عروقه واحتقن وجهه يوجه لها السباب والشتائم يحاول الافلات منهم حتى ينالها وقد احتضنتها انصاف بين ذراعيها بحماية خوفا من بطشه بها حتى استطاعوا اخير تهدئته واجلاسه فوق مقعده صارخا بها بعدها بشراسة
:خلاص يابنت ال****كده مفيش كلام تانى فى الموضوع ده...وانا هبلغ العريس ده اننا مش موافقين
انهارت ياسمين فى البكاء قائلة بصعوبة وبكلمات مبعثرة غير مفهومة
:بس...انا موافقة...انا عاوزة....حرام عليكم...انا عاوزة....اخرج من الحارة المخروبة دى
نظرت الى والدها ووالدتها بتضرع ورجاء
: يابابا ده مهندس ومن عيلة...وعنده شركته...ترفضوه ليه...انتوا عاوزينى افضل قاعدة جنبكم كده مستنية عريس من جوة الحارة العرة اللى عايشين فيها دى
..اللى انضف مافيها كان محامى ميسواش رضيت بيه سد خانة... وفى الاخر هو اللى مش عجبه و فسخ الخطوبة وقال مش عاوز...قولولى هستنى ايه تانى
ساد الصمت التام المكان بعد كلماتها الا من شهقات بكائها ويتطلع اليها الجميع حتى تقدم منها صالح ببطء ووجه غير مقروء التعبير تتابعه هى بنظراتها المرتعبة ظنا منها انه سيعاقبها على ماقالته لكنه جلس على عقبيه امامها ينظر اليها بثبات وهدوء للحظات تحدث بعدها قائلا
: الفرق اللى بينى وبين فرح ١٣سنة مش عشرين وانتى عارفة ده كويس... وكون انك عاوزة تتجاهلى الفرق ده فده حاجة ترجعلك.... بس لسانك لو طول عليا مرة تانية هقطعولك واظن ادام الكل انا عديت ليكى كتير
: اما بالنسبة للمحامى اللى ميسواش ورضيتى بيه سد خانة...مش انتى اختى وهو صاحبى بس هو عندى احسن الف مرة من واحدة من عينتك...وبجد ربنا نجده ورحمه انه موقعش حظه فى واحدة زيك انانية ومدلعة وعمرها ما كانت  هترفعه بالعكس كانت هتهد فيه واظن احنا شوفنا عينة صغيرة من اللى تقدرى تعمليه لما كان خطيبك
شحب وجهها من شدة اهانته لها تراقبه وهو يعاود الوقوف على قدميه يلتفت نحو والده قائلا بحزم
: وافق يا حاج على العريس زى ماهى عاوزة...انا كنت خايف عليها وشايف انه مش مناسب لها
بس الظاهر ده عند بنتك حاجة غلط..وافق بدل ما تشيلك وتشيلنا ذنبها طول العمر

ظلمها عشقاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن