الفصل الأول
لا تحاول!كان تشارلز بوكوفسكي مدمنا على الكحول؛ وكان مقامرا، وزير
نساء، وبخيلا، أخرق ومتهربا من سداد ديونه. وكان في أسوأ أيامه
شاعرا! لعله آخر شخص على وجه الأرض يمكن أن تلتفت إليه طالبا
منه نصيحة من أجل حياتك، أو آخر شخص يمكن أن تصادفه في أي
نوع من أنواع كتب المساعدة الذاتية تطوير الذات أو السلف هلب.
وهذا ما يجعله نقطة بداية مثالية لهذا الكتاب
أراد بوكوفسكي أن يكون كاتبا، لكن عمله ظل عقودا من السنين
يواجه بالرفض من جانب كل مجلة وصحيفة ونشرة دولية وناشر
يُعرض ذلك الكتاب عليه. كانوا يقولون إنه عمل في غاية السوء. عمل
فظ، ومقزز، وفقير. ومع تراكم رسائل الرفض عليه، كان ثقل الفشل
المتزايد يدفعه أعمق فأعمق في هاوية اكتئاب يغذيه الكحول. اكتئاب
لم يفارقه معظم فترة حياته.
أحد
كان لدى بوكوفسكي عمل نهاري في تصنيف الرسائل في
مكاتب البريد مقابل أجر قليل جدا؛ وكان ينفق أكثر ذلك المال على
8
الشراب، ثم يخسر بقيته في القمار. كان يشرب وحيدا في الليل،
ويكتب بعض الشعر أحيانًا على آلة كاتبة عتيقة كان يملكها. كثيرًا ما
يستيقظ فيجد نفسه نائما على الأرض حيث فقد وعيه في الليلة السابقة.
مضت ثلاثون سنة على هذه الحال؛ ثلاثون سنة كان الشطر
الأعظم منها سديما عديم المعنى من الكحول والقمار والعاهرات.
بعد ذلك، عندما بلغ بوكوفسكي الخمسين، أي بعد عمر كامل من
الفشل واحتقار الذات أبدى اهتماما غريبًا بكتابه محرر في واحدة
من دور النشر المستقلة الصغيرة ما كان ذلك المحرر قادرًا على منح
بوكوفسكي مالا كثيرًا ولا على وعده بمبيعات كثيرة. لكنه أظهر عطفا
غريباً تجاه ذلك السكير الفاشل فقرر المراهنة عليه. أدرك بوكوفسكي
أن تلك كانت أول صفقة حقيقية يحصل عليها؛ وأدرك أنه من الممكن
أن تكون آخر صفقة تأتيه أيضًا. كتب في رده على رسالة المحرر: «لي
أن أختار واحدًا من اثنين: البقاء في مكتب البريد حتى أجن تماما... أو
البقاء هنا في الخارج لتمثيل دور الكاتب والتضور جوعا. لقد قررت
أن أتضور جوعا».
وبعد توقيع العقد، أنجز بوكوفسكي روايته الأولى في ثلاثة أسابيع.
وقد وضع لها اسما في غاية البساطة: مكتب البريد. وفي المكان الذي
يكتبون فيه الإهداء، كتب بوكوفسكي: «مهداة إلى لا أحد».
قيض لبوكوفسكي أن يصير روائيا ناجحا وشاعرا ناجحًا. نشر ست
روايات ومئات القصائد؛ وباع أكثر من مليوني نسخة من كتبه. خالفت
الشعبية التي حققها توقعات الجميع؛ بل خالفت توقعاته هو خاصة.
تشكل قصص الناس من أمثال بوكوفسكي قوتا يوميًا لحكاياتنا
9
الثقافية. وتجسد حياة بوكوفسكي الحلم الأميركي: رجل يكافح من
أجل ما يريده ولا يستسلم أبدا، ثم يحقق في النهاية أكثر أحلامه جنونًا.
يشبه هذا فيلما ينتظر من يخرجه ننظر جميعًا إلى قصص من نوع قصة
بوكوفسكي ويقول أحدنا للآخر: «أرأيت؟ إنه لا يستسلم أبدا. لا يكف
عن المحاولة أبدا. إنه مؤمن بنفسه دائما. لقد واصل الإصرار في وجه
العقبات كلها وتمكن من جعل نفسه شيئًا مهما !
عندها، يكون غريباً أن نقرأ الكتابة المنقوشة على قبر بوكوفسكي:
«لا تحاول!»
هل رأيتم؟... رغم مبيعات كتبه، ورغم شهرته، كان بوكوفسكي
فاشلا. وكان يعرف هذا لم يكن نجاحه نابعا من تصميمه على الفوز،
بل من حقيقة إدراكه أنه شخص فاشل، ومن قبوله تلك الحقيقة، ثم من
كتابته عنها بكل صدق. لم يحاول بوكوفسكي أبدا أن يكون شيئًا غير
ما كانه حقا. ليست عبقرية أعمال بوكوفسكي كامنة في التغلب على
عقبات لا يصدقها عقل ولا في تطوير نفسه إلى أن يصير نبراسًا أدبيا
متألقا. كان الأمر عكس ذلك تماما. إنه قابليته البسيطة لأن يكون صادقًا
مع نفسه كل الصدق من غير أن يحيد عن ذلك قيد أنملة (بل صادقًا مع
أسوأ ما فيه خاصة)، وأن يتحدث عن إخفاقاته من غير أي تردد أو شك.
تلكم هي القصة الحقيقية لنجاح بوكوفسكي: إحساسه بالراحة
تجاه نفسه وتجاه فشله لم يكن بوكوفسكي مباليا بالنجاح. وحتى
بعد أن صار شهيرًا، ظل يستقبل في لقاءات قراءاته الشعرية أشخاصا
بؤساء أساءت إليهم الحياة إساءة حقيقية. ظل يكشف عن عريه أمام
الناس ويحاول أن ينام مع كل امرأة يستطيع العثور عليها. لم يجعله
10
النجاح والشهرة شخصًا أحسن من ذي قبل. ولم يصبح ناجحاً شهيرًا
عن طريق تحوله إلى شخص أفضل.
كثيرا ما يأتي النجاح والتطور الذاتي مترافقين معا. لكن هذا لا يعني
بالضرورة أنهما شيء واحد.
تركز ثقافتنا اليوم تركيزا مفرطًا يكاد يكون حصريا على التوقعات
والآمال الإيجابية إلى حد غير واقعي كن أكثر سعادة. كن أكثر صحة.
كن الأفضل. كن أحسن من الآخرين. كن أكثر ذكاء، وأكثر سرعة، وأكثر
ثراء، وأكثر إغراء، وأكثر شعبية، وأكثر إنتاجية، وأكثر استقطابا لحسد
الناس، وأكثر استقطابًا لإعجابهم. كن كاملا مدهشا، وتبرز سبيكة
ذهبية من عيار أربعة وعشرين قيراطاً قبل إفطارك كل يوم وأنت تمنح
زوجتك الجميلة وأطفالك قبلة الصباح . ثم انطلق بطائرتك الهليكوبتر
الخاصة إلى عملك الرائع الذي يرضي طموحك حيث تمضي أيامك
في أداء مهام كبيرة المغزى إلى حد لا يصدق، أعمال من المحتمل أن
تنقذ هذا الكوكب ذات يوم !
لكنك إذا توقفت وفكرت في الأمر مليا ستجد أن النصائح التقليدية
للحياة (كل تلك الأشياء الإيجابية الفرحة المصممة للمساعدة الذاتية
التي نسمعها طيلة الوقت هي في واقع الأمر نصائح تركز على ما أنت
مفتقر إليه. إنها موجهة توجيها دقيقا مثل شعاع من الليزر، إلى ما تراه
نقائصك الشخصية ومواضع فشلك؛ وهي تشدد عليها حتى تراها
جيدا. أنت تتعلم أشياء عن أفضل الطرق لكسب المال لأنك تحس
أن المال الذي تجنيه ليس كافيا. وأنت تقف أمام المرآة وتكرر عبارات
تؤكد بها لنفسك على أنك شخص جميل لأنك تحس كما لو أنك
11
لست جميلا حقا. وأنت تتبع النصائح المتعلقة بالعلاقات والمواعدة
لأنك تحس نفسك شخصا لا يمكن أن يحبه أحدًا على نحو طبيعي.
وأنت تجرب تمرينات غبية حمقاء تتصور نفسك من خلالها شخصا
أكثر نجاحًا لأنك لا ترى نفسك ناجحا بما فيه الكفاية.
والمفارقة المضحكة في ذلك كله أن هذا التركيز الشديد على ما
هو إيجابي على ما هو أفضل، وعلى ما هو أكثر تفوّقا) لا يفعل شيئًا
غير تذكيرنا مرة بعد مرة بما لسنا عليه، أو بما نحن مفتقرون إليه، أو بما
يجب أن نكونه لولا فشلنا. وفي آخر المطاف، ندرك كلنا أن ما من امرأة
سعيدة حقا تجد في نفسها حاجة إلى الوقوف أمام المرآة لتكرر القول
إنها سعيدة. إنها سعيدة بالفعل من غير حاجة إلى ذلك!
لديهم في تكساس مثل يقول: أصغر الكلاب أشدها نباحًا لا
:
يجد رجل واثق من نفسه حاجة إلى البرهنة أنه واثق من نفسه. ولا تجد
امرأة ثرية حاجة إلى إقناع أي كان بأنها ثرية. إما أن تكون شيئًا، أو لا
تكونه. وإذا كنت تحلم بشيء ما، طيلة الوقت، فأنت تعزز الواقع نفسه
مرة بعد مرة: أنك لست كذلك.
يحاول كل شخص، ويحاول كل إعلان تلفزيوني، جعلك مقتنعًا
بأن مفتاحك إلى الحياة الجيدة هو وظيفة أحسن من وظيفتك أو سيارة
أكثر فخامة من سيارتك أو صديقة أكثر جمالا من صديقتك أو حوض
استحمام حار له بركة قابلة للنفخ من أجل الأطفال. ويخبرك العالم
كله دائما أن الطريق إلى حياة أفضل هو المزيد والمزيد والمزيد...
اشتر أكثر، واكسب أكثر ، واصنع أكثر وضاجع أكثر، وكن أكثر في
كل شيء. وأنت تجد نفسك دائما تحت وابل من الرسائل التي تدعوك
12
كلها إلى المبالاة أكثر فأكثر بكل شيء، وطيلة الوقت. يجب أن تكون
أكثر اهتماما بالحصول على جهاز تلفزيون جديد. يجب أن تكون أكثر
اهتماما بأن تقضي عطلة أفضل من التي يقضيها بقية زملائك. ويجب
أن تهتم أكثر بشراء تلك التزيينات الجديدة الجميلة التي توضع على
المرج في حديقة بيتك عليك أيضًا أن تهتم بالحصول على النوع
الصحيح من عصا السيلفي!
لماذا؟ أظن أن الإجابة بسيطة؛ وهي: لأن الاهتمام أكثر بأشياء أمر
ملائم تماما لمصالح الشركات.
صحيح أنه ما من شيء خاطئ في الحصول على وظيفة جيدة، إلا
أن المبالغة في الاهتمام بذلك أمر سيء لصحتك العقلية. إنه يجعلك
زائد التعلق بما هو سطحي مزيف، ويجعلك تكرّس حياتك لملاحقة
سراب سعادة أو إحساس بالرضا ليست شدة الاهتمام بالحصول
على «ما هو أكثر» مفتاحا لحياة جيدة؛ بل المفتاح هو الاهتمام أقل»،
الاهتمام المقتصر على ما هو حقيقي، آني، هام.
الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها
هنالك هوس خبيث يمكن أن
يصيب دماغك؛ بل يمكنه، إذا
سمحت له، أن يجعلك معتوها تماما. إن كان ما سأقوله الآن يبدو
مألوفًا لك، فأخبرني:
ينتابك القلق في ما يتعلق بمواجهة شيء ما في حياتك. ثم يجعلك
هذا القلق عاجزا عن فعل أي شيء، وتبدأ التساؤل عن سبب قلقك
هذا. أنت تصير الآن قلقًا بخصوص ما يتعلق بقلقك. أوه، لا! إنه قلق
13
مزدوج، مكرر! أنت الآن قلق بخصوص ما يتعلق بقلقك؛ وهذا ما
يسبب لك مزيدا من القلق. أسرع... أين الويسكي؟
أو لنقل إن لديك مشكلة غضب ينتابك الغضب بسبب أشياء
شديدة الغباء، بسبب أشياء شديدة التفاهة ولا فكرة لديك أبدًا عما
يجعلك غاضبًا هكذا ثم يبدأ إدراكك حقيقة أنك تغضب بسهولة إلى
هذه الدرجة يسبب لك انزعاجا وغضبًا أكثر من ذي قبل. ثم تدرك
في غمرة غضبك الشديد ذاك أن غضبك الدائم هذا يجعلك شخصا
ضحلًا لئيما. وأنت تكره هذا كثيرًا! أنت تكرهه إلى حد يجعلك غاضباً
من نفسك أيضًا. انظر إلى نفسك الآن أنت غاضب من نفسك لأنك
تغضب من غضبك. اللعنة عليك أيها الجدار... خذ هذه اللكمة! آخ...
يدي!
أو أنك تكون شديد القلق طيلة الوقت بخصوص ما يتعلق بفعل
الشيء الصحيح إلى حد يجعل قلقك هذا مصدر قلق جديد لك. أو أن
لديك إحساسًا شديدًا بالذنب نتيجة كل غلطة ترتكبها إلى حد يجعلك
تبدأ الإحساس بالذنب تجاه نفسك لأن لديك هذا الإحساس بالذنب
كله. أو أنك تجد نفسك مرات كثيرة شخصا حزينا وحيدًا إلى حد
يجعلك تشعر بحزن أكبر ووحدة أشد لمجرد التفكير في هذا الأمر.
أهلا بك إلى الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها !
من المحتمل تمامًا أنك وجدت نفسك حبيس هذه الحلقة عدة
مرات من قبل. بل لعلك واقع فيها الآن في هذه اللحظة: يا إلهي،
إنني أقع في الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها طيلة الوقت... كم أنا
فاشل لأن هذا يحدث لي دائما علي أن أتوقف! آه، يا إلهي، أحس
14
نفسي شخصًا فاشلا تماما لأنني أدعو نفسي فاشلا. يجب أن أتوقف
عن إطلاق هذه الصفة على نفسي. آوه اللعنة على كل شيء! إنني
أفعلها من جديد! ألا ترون أنني شخص فاشل! يا للهول!»
ها هي "
اهدأ يا صديقي. اسمع، ثم لك أن تصدق أو لا تصدق: هذا جزء
من جمال أن تكون إنسانًا. سوف أقول لك قبل كل شيء قليلة جدًا
هي الحيوانات التي تمتلك قدرة على التفكير في أشياء تُقنع نفسها بها؛
وأما نحن البشر فلدينا رفاهية قدرة امتلاك أفكار عن أفكارنا. وهكذا،
فإنني قادر على التفكير في مشاهدة بعض الفيديوهات على يوتيوب
ثم أبدأ التفكير مباشرة في أنني شخص مختل عقليا لأنني أريد أن أرى
تلك الفيديوهات على يوتيوب أوه، إنها أعجوبة العقل البشري!
مشكلتنا الآن إن مجتمعنا اليوم، من خلال الأعاجيب التي
تفعلها بنا ثقافة الاستهلاك ورسائل من قبيل «انظر ... حياتي أجمل من
حياتك التي تُمطرنا بها وسائط التواصل الاجتماعي، قد أنتج جيلا
كاملا من الناس الذين يظنون أن امتلاك هذه التعابير السلبية - القلق،
والخوف، والإحساس بالذنب، إلخ - أمر غير جيد على الإطلاق. ما
أعنيه هو أنك إذا نظرت إلى ما يأتيك عبر فيسبوك، فأنت تجد أن كل
شخص في العالم يعيش وقتاً رائعًا! انظر ... تزوج ثمانية أشخاص هذا
الأسبوع! وقد ظهرت على التلفزة فتاة في السادسة عشرة من عمرها
حصلت على سيارة فيراري هدية في عيد ميلادها. وهنالك طفل آخر
كسب مليوني دولار لأنه اخترع تطبيقا يزودك أوتوماتيكيا بمزيد من
ورق المرحاض إذا نفذ ما لديك منه .
أما أنت، فإنك جالس في بيتك تنظف أسنان قطتك. لا يمكنك
15
التفكير عند ذلك إلا فى أن حياتك بائسة، بل إنك تراها بائسة أكثر حتى
أكثر مما كنت تظن.
لقد صارت الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها» جائحة متفشية في كل
مكان؛ وهي تجعل الكثيرين منا واقعين تحت ضغط نفسي زائد، تجعلهم
متوتري الأعصاب كثيرًا، وتجعلهم يكرهون أنفسهم إلى حد مبالغ فيه.
في أيام أجدادنا، كان الجد يمر بحالة سيئة فيقول في نفسه: «اللعنة
على هذا كله من المؤكد أنني أشعر اليوم كما لو أنني روث بقرة، لا
أكثر. لكن، وماذا؟ أظن أن الحياة هكذا. فلأعد إلى حرف القش.
وأما نحن، فماذا لدينا الآن؟ الآن... إذا انتابك شعور سيء تجاه
نفسك، ولو مدة خمس دقائق فقط، فإنك تجد نفسك على الفور أمام
مئات الصور لأشخاص سعداء تماما يعيشون حياة مدهشة إلى أقصى
حد. ويصير من المستحيل أن تردّ عن نفسك الإحساس بأن فيك
بالتأكيد أشياء غير صحيحة حتى يكون وضعك أقل منهم.
هذا الجزء الأخير هو ما يجعلنا نعاني. نشعر بالسوء لأننا نشعر
بالسوء. ونشعر بالذنب لأننا نشعر بالذنب ونغضب لأننا نشعر
بالغضب. ونقلق لأننا نشعر بالقلق. أف... ما هي مشكلتي؟
هذا ما يجعل «اللامبالاة» أمرًا حسنًا. هذا ما يجعل عدم الإفراط في
الاهتمام هو ما سينقذ العالم. وسوف تنقذه أنت من خلال قبولك أن
العالم مكان سيء، وأن هذا شيء لا بأس به لأن العالم كان هكذا على
الدوام، ولأنه سيظل هكذا على الدوام.
من خلال عدم اكتراثك بأن يكون لديك شعور سيء، فإنك تبطل
مفعول تلك الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها». أنت تقول لنفسك:
«لدي إحساس سيء! حسنًا ما أهمية هذا؟» ثم، وكأن أحدا رشك
بمسحوق اللامبالاة السحري تجد أنك قد توقفت عن كره نفسك
لأنك تشعر بهذا السوء كله.
لقد قال جورج أورويل إن قدرة المرء على رؤية ما هو أمام أنفه
تماما في حاجة إلى نضال مستمر. حسن جدا؛ إن الحل لقلقنا وتوترنا
موجود أمام أنوفنا تماما، لكننا منشغلون عنه بمشاهدة الأفلام الإباحية
والإعلانات عن آلات اللياقة البدنية التي لا نفع منها إلى حد يجعلنا
غير قادرين على رؤية ذلك الحل لأننا نمضي أوقاتنا في التساؤل عن
السبب الذي يجعلنا غير قادرين على لفت أنظار فتاة شقراء مثيرة
بعضلات بطوننا المشدودة.
نتبادل عبر الإنترنت نكانا عن مشكلات العالم الأول»، لكننا صرنا
ضحايا نجاحنا في حقيقة الأمر. المشكلات الصحية الناجمة عن الشدة
النفسية، واضطرابات القلق، وحالات الاكتئاب التي شهدت زيادة
صاروخية خلال ثلاثين عاما مضت رغم أن كلا منا صارت لديه شاشة
تلفزيون مسطحة، وصار قادرًا على طلب مشترياته إلى البيت. لم تعد
أزمتنا مادية، بل هي أزمة وجودية، أزمة روحية. لدينا كثرة زائدة إلى حد
يجعلنا غير عارفين بالشيء الذي يجب أن نمنحه اهتمامنا.
وبما أن هنالك الآن كمية لا نهاية لها من الأشياء التي نستطيع رؤيتها
أو معرفتها، فإن هنالك أيضًا عددًا لا نهاية له من الطرق التي تسمح لنا
باكتشاف أننا لسنا أهلا لذلك، وأننا لسنا جيدين كما يجب، وأن الأشياء
ليست عظيمة رائعة كما يمكن أن تكون. وهذا كله يمزقنا من الداخل.
17
نحن نتمزق من الداخل لأن هنالك ذلك الشيء الخاطئ في
طوفان الهراء الذي يأتينا تحت عنوان كيف تكون سعيدا» والذي
جرت مشاركته على فيسبوك ثمانية ملايين مرة خلال السنوات القليلة
الماضية... هاكم ما لا يدركه أحد في ما يتعلق بهذا الكلام الفارغ كله:
إن الرغبة في مزيد من التجارب الإيجابية تجربة سلبية في حد
ذاتها. والمفارقة أن قبول المرء تجاربه السلبية تجربة إيجابية
في حد ذاتها!
هذا شيء يتعب العقل حقا! لا بأس... سوف أعطيكم الآن دقيقة
لإراحة عقولكم، وربما لقراءة ذلك من جديد: الرغبة في التجارب
الإيجابية تجربة سلبية؛ وقبول التجارب السلبية تجربة إيجابية. هذا
ما كان الفيلسوف آلان وات يشير إليه باسم «القانون التراجعي»... أي
فكرة أنك كلما سعيت إلى أن يكون إحساسك أفضل طيلة الوقت كلما
تناقص رضاك، لأن ملاحقة شيء ما لا تفعل إلا تعزيز حقيقة أنك مفتقر
إلى ذلك الشيء أصلا . كلما كنت شديد الرغبة في أن تكون ثريا، كلما
شعرت بأنك فقير لا قيمة له، وذلك بصرف النظر عن مقدار ما تجنيه
من مال في واقع الأمر. وكلما ازدادت رغبتك في أن تكوني جذابة مثيرة
مرغوبة، كلما صرت ترين نفسك أكثر بشاعة، وذلك بصرف النظر عن
مظهرك الجسدي الحقيقي. وكلما اشتدت رغبتك في أن تكوني سعيدة
محبوبة، كلما صرت أكثر إحساسًا بالوحدة والخوف بغض النظر عن
أولئك الموجودين من حولك. وكلما ازداد حرصك على أن تكون
مستنيرا من الناحية الروحية، كلما صرت أكثر ضحالة وتمركزا حول
نفسك رغم سعيك الجاد إلى اكتساب البصيرة الروحية العميقة.
18
يشبه هذا ما حدث لي عندما دست في بقعة من أسيد حارق فصرت
أحس البيت يبتعد عني كلما سرت في اتجاهه أكثر. نعم، إنني أستخدم
هذه الهلوسة عن الأسيد الحارق لكي أوضح نقطة فلسفية تتعلق
بالسعادة. هل هو سُخف ؟ ... لست مهتما بهذا
يقول الفيلسوف الوجودي ألبير كامو (وأنا واثق من أنه لم يكن
يتعاطى عقاقير الهلوسة في ذلك الوقت لن تكون سعيدا أبدا إذا
واصلت البحث عما تتكوّن السعادة منه ولن تعيش حياتك أبدا إذا
كنت من الباحثين عن معنى الحياة.
أو ، يمكننا التعبير عن هذا بشكل أكثر بساطة: لا تحاول!
أعرف ما تقولونه لي الآن: «مارك، ما تقوله مثير تماما؛ لكن ماذا
عن سيارة شيفروليه كامارو التي أحاول التوفير حتى أدفع ثمنها؟ وماذا
عن الجسد اللائق للظهور على الشاطئ الذي أجوّع نفسي حتى أصل
إليه؟ وقد دفعت مالا كثيرًا للحصول على تلك الآلة الرياضية! وماذا
عن البيت الكبير على شاطئ البحيرة الذي أحلم به دائما؟ إذا توقفتُ
عن المبالاة بهذه الأشياء، فلن أحقق شيئًا على الإطلاق. أنا لا أريد أن
يحدث لي هذا!
يسرني أنكم تطرحون هذه الأسئلة.
هل لاحظت في يوم من الأيام أن إنجازك في أمر من الأمور يتحسن
بعض الأحيان عندما يقل اهتمامك به وقلقك عليه؟ لاحظ كيف أن
الشخص الذي يكون أكثر الأحيان، الأقل استثمارًا في نجاح شيء ما
هو من ينتهي به الأمر إلى تحقيقه في آخر المطاف! ولاحظ كيف أن كل
19
شيء يبدو وكأنه يتخذ موقعه الصحيح من تلقاء نفسه عندما تكف عن
الإفراط في الاهتمام به!
هذا ؟
فما معنى
ما يثير اهتمامي في القانون التراجعي هو أنه يدعى بـ «التراجعي»
.
لسبب وجيه إن لعدم المبالغة في الاهتمام مفعولا عكسياً. إذا
كانت ملاحقة ما هو إيجابي أمرًا سلبيًا، فإن ملاحقة السلبي تولّد ما
هو إيجابي. الألم والمشقة اللذين يعرض المرء نفسه لهما في صالة
التمرينات الرياضية يؤديان إلى صحة أفضل وإلى طاقة أكبر. وحالات
الفشل في الأعمال هي ما تقود إلى فهم أفضل لما هو ضروري من
أجل تحقيق النجاح والأمر الغريب هو أن كونك منفتحا على منابع
قلة أمانك يجعلك أكثر ثقة بنفسك ويجعل الآخرين أكثر إعجابًا بك.
إن ألم المواجهة الصادقة هو ما يولد أكبر قدر من الثقة بك، ويولّد
احترامك لدى معارفك. كما أن معاناتك عندما تجتاز مخاوفك وكل
ما يقلقك هي ما يسمح لك ببناء شجاعتك ومثابرتك.
أستطيع مواصلة طرح الأمثلة، لكن الفكرة وصلت! ألم تصل؟
كل ما له قيمة في الحياة يجري كسبه من خلال التغلب على التجارب
السلبية التي ترافقه. وأي محاولة للهروب من السلبي، أو لتجنبه، أو
لإسكاته، أو لقمعه لن يكون لها إلا أثر عكسي. تجنب المعاناة ليس
إلا شكلا من أشكال المعاناة نفسها. وتجنب الصراع صراع في حد
ذاته. وإنكار الفشل فشل .بدوره. وإخفاء ما نخجل منه هو خجل نظهره.
الألم خيط من خيوط نسيج الحياة نفسه، وليس اقتلاعه من ذلك
النسيج أمرًا مستحيلا فحسب، بل هو يدمر النسيج نفسه: تؤدي محاولة
20
اقتلاعه إلى تفكيك كل ما هو مرتبط به وليست محاولة تفادي الألم إلا
مبالاة بالألم أكثر مما يجب. وعلى النقيض من هذا، إذا كنت قادرًا على
شيء من اللامبالاة تجاه الألم، فإنك تصير شخصًا لا يمكن أن يُقهر.
مع
لقد اهتممتُ اهتماماً زائدا بأشياء كثيرة في حياتي، وأبديت أيضًا
قدرًا من اللامبالاة تجاه أشياء كثيرة أخرى. ومثلما هي الحال
الطرق التي لم نسر فيها، فقد كانت اللامبالاة التي أبديتها هي ما صنع
الفرق كله.
هنالك احتمال لأن تكون قد عرفت في حياتك شخصا اتفق له
في وقت من الأوقات أنه لم يظهر اهتمامًا بشيء ما، ثم لم يلبث أن
حقق نتائج مدهشة. ولعل هنالك وقتاً في حياتك لم تكن تبدي فيه كبير
اهتمام بشيء من الأشياء ثم بلغت قمة استثنائية متميزة في ذلك الشيء
تحديدا. أما عن تجربتي أنا، فقد تركت عملي النهاري في قطاع المال
بعد ستة أسابيع فقط لأبدأ عملا في مجال الإنترنت حقق نتائج طيبة
حقا ضمن الأشياء التي لم أهتم بها كثيرا». ينطبق الأمر نفسه على
القرار الذي اتخذته ببيع معظم ممتلكاتي والذهاب للعيش في أميركا
الجنوبية. بماذا كنت أبالي؟ لا شيء! ذهبت وفعلت ذلك فقط .
إن تلك اللحظات من اللاهتمام هي اللحظات التي تحدد مسار
حياتنا أكثر من غيرها. التحولات الكبرى في حياة المرء المهنية،
والاختيار العفوي لترك الدراسة والانضمام إلى فرقة غنائية، والقرار
بالتخلص أخيرًا من الصديق المزعج الذي ضبطته عدة مرات مرتديًا
ملابسك الداخلية.
عدم المبالغة في الاهتمام بأمر ما هو أن يبدأ المرء مواجهة أكثر
تحديات الحياة صعوبة وإثارة للخوف مع بقائه قادرًا على الفعل.
21
صحيح أن هذه اللامبالاة قد تبدو أمرا بسيطا من الناحية الظاهرية،
لكنها سلة جديدة مليئة بالمفاجآت المختبئة تحت غطائها. لست أعرف
لهذه الجملة الأخيرة أي معنى لكني لا أبالي! تبدو سلة المفاجآت
أمرًا رائعًا؛ فلنر ما فيها !
يمضي أكثرنا مكافحا في الحياة من خلال المبالغة في الاهتمام
بأشياء كثيرة في حالات كثيرة لا تستحق اهتماما منا نهتم وننزعج كثيرا
من عامل محطة البنزين الوقح الذي رد إلينا بقية المبلغ بقطع معدنية
صغيرة وتنزعج ونهتم كثيرًا عندما يُلغى برنامج نحبه في التلفزيون.
ونهتم أكثر مما يجب بكثير عندما لا يبدي زملاؤنا في العمل أي اهتمام
بسؤالنا عما فعلناه في عطلتنا الرائعة.
وفي تلك الأثناء تصل ديوننا عبر بطاقات الائتمان إلى أقصاها،
ويكرهنا حتى كلبنا، ونجد أخانا الصغير يتناول المخدرات في الحمام
لكننا نظل مصرين على الانزعاج من القطع النقدية الصغيرة ومن إلغاء
برنامجنا المفضل في التلفزيون.
الأيام.
انظر جيدًا!... هكذا يجري الأمر. سوف تموت في يوم من
أعرف أن هذا أمر واضح لكني أردت تذكيرك فقط، إن كنت ناسيا.
أنت وكل من تعرفه، سوف تموت بعد وقت ليس ببعيد. وخلال الوقت
القصير الباقي لك بين هناك وهناك، ليس لديك إلا مقدارًا محدودًا من
الاهتمام الذي تستطيع بذله. إنه مقدار محدود جدا في واقع الأمر. فإذا
مضيت هنا وهناك مهتما زيادة عن اللزوم بكل شيء وبكل شخص من
غير تفكير واع ومن غير انتقاء... فماذا أقول لك؟ حسن، هذا يعني أنك
ستخسر من كل الجهات.
22
هنالك شيء اسمه فن اللامبالاة الذكي. صحيح أن الفكرة قد تبدو
سخيفة، وقد أبدو كأنني شخص معتوه، إلا أن ما أتحدث عنه الآن
هو، من حيث الأساس، تعلّم كيفية تركيز الأفكار وترتيب أولوياتها
ترتيبا فعالا ... كيفية انتقاء أو اختيار ما يهمك فعلا وتمييز ما لا يهمك
استنادًا إلى قيم شخصية موضوعة بدقة. وهذا أمر صعب صعوبة لا
تصدق، وقد يستغرق المرء عمرًا بطوله حتى يتمرن على التوصل إليه
وعلى الانضباط وفقا له. وسوف تفشل في هذا مرارا وتكرارًا، لكن من
المحتمل أن يكون هذا أهم صراع يستحق أن يخوضه المرء في حياته
كلها. بل لعله الصراع الوحيد في حياة الإنسان.
وذلك لأنك، عندما تهتم بأشياء أكثر عددًا مما يجب، وعندما تهتم
بكل شيء وبكل شخص، فسوف تشعر بأن من حقك أن تكون مرتاحًا
سعيدا، وبأن كل شيء ينبغي أن يكون مثلما تريده تماما. لكن هذه
حالة مرضية. وسوف تأكلك حيا. سوف ترى في كل نزاع معك ظلمًا
واقعا عليك، وسوف ترى في كل تحد فشلا لك، وفي كل إزعاج إهانة
شخصية، وفي كل اختلاف خيانة. سوف تكون محصورا داخل جدران
رثائك لنفسك، ضمن جحيم على قياس رأسك ليس وقوده شيئًا غير
تبجحك بنفسك وما تظن أنك تستحقه ، جحيم يكرر ويعيد تلك الحلقة
الجحيمية التي تكرر نفسها في حركة مستمرة لا تصل بك إلى أي مكان.
فن اللامبالاة الذكي
عندما يتخيل الناس حالة اللامبالاة وعدم الاهتمام الزائد بأي شيء،
مهما يكن، فإنهم يتصورون حالة وادعة ساكنة من عدم الاهتمام بكل
23
شيء... يتصورون حالة هدوء من شأنها إخماد كل العواصف. يتخيلون
هذا ويطمحون إلى أن يكونوا أشخاصًا لا يهزّهم شيء، أشخاصا لا
يتنازلون أمام أحد.
هنالك
اسم للشخص الذي لا يجد في أي شيء أي مشاعر أو
أي معنى إنه الإنسان المضطرب عقليّا. فلماذا تريد أن تكون إنسانا
مضطربًا عقليّا ؟ ليست لديّ إجابة على هذا السؤال!
إذن، ما معنى عدم الاهتمام الزائد؟ ما هي اللامبالاة التي أحدثكم عنها ؟
فلننظر في ثلاثة أمور دقيقة ينبغي أن تساعدنا في توضيح هذه المسألة.
الأمر الدقيق الأول: عدم الاهتمام الزائد لا يعني عدم الاكتراث
مطلقًا؛ بل هو يعني أن تهتم على النحو الذي يُريحك أنت.
فلنكن واضحين. ليس في عدم الاكتراث شيء يدعو إلى الثقة
أو الإعجاب. ثم إن الناس غير المكترثين أشخاص ضعفاء يخافون
رأي الغير بهم. لا يصلح هؤلاء لشيء أكثر من أكل رقائق البطاطس
المقلية وتصفح الإنترنت. والواقع أن غير المكترثين غالبا ما يحاولون
أن يكونوا كذلك لأنهم ، في حقيقة الأمر، يهتمون اهتمامًا زائدا أكثر
مما يجب بكثير. هم يهتمون بما يقوله كل إنسان عن شعرهم ولكن
عدم اكتراثهم يجعلهم غير مكترثين بغسله أو بتسريحه. وهم يهتمون
كثيرا برأي كل شخص في أفكارهم. وهكذا فهم يختفون خلف ستار
من السخرية والتهكم والتعليقات الجارحة الممتلئة ثقة فارغة بالنفس.
يخاف هؤلاء من السماح لأي شخص بالاقتراب منهم،
فكأنهم
يتخيلون أنفسهم أشبه ببلورات ثلجية خاصة فريدة من نوعها لها
مشاكلها المتميزة التي لا يستطيع أحد فهمها.
24
يخشى غير المكترثين العالم ويخافون تداعيات خيارتهم الخاصة.
وهذا ما يجعلهم محجمين عن أية خيارات ذات معنى. إنهم يختبئون
في حفرة رمادية عديمة الإحساس صنعوها لأنفسهم بأنفسهم. وهم
غارقون في أنفسهم وغارقون في الإشفاق على أنفسهم، فنراهم يلهون
أنفسهم دائما عن هذا الشيء البائس الذي يتطلب منهم وقتا وطاقة: هذا
الشيء الذي اسمه الحياة.
ولأن للحياة حقيقةٌ مُخاتِلة مستترة في هذه الحالة، لا وجود لشيء
اسمه عدم الاهتمام بشيء أبدًا. عليك أن تهتم بشيء ما. هذا جزء من
تركيبنا العضوي يجعلنا نكترث بشيء ما، وبالتالي يجعلنا مهتمين
دائما .
إذن السؤال الحقيقي :هو : ما الذي نهتم به؟ وما الذي نكترث به؟
وما الذي نختار الاهتمام به؟ وكيف يمكننا أن نكف عن الاهتمام بما لا
أهمية له في آخر المطاف؟
منذ فترة، احتالت إحدى صديقات أمي عليها فسلبتها مبلغا كبيرًا
من المال. لو لم أكترث بهذا، لرفعت كتفي ومضيت أشرب قهوتي
وتابعت على الإنترنت حلقة جديدة من مسلسلي المفضل؛ ولقلت
لها : يؤسفني ما حدث يا أمي ! بل حملتها المسؤولية
لكني غضبت لما حدث. بل غضبت كثيرًا لما حدث. قلت: لا. لن
نقبل هذا يا أمي . وسوف نذهب إلى المحامي لكي نلاحق هذه الحقيرة.
لماذا؟ لأنني لا أعطي هذا الأمر اهتمامًا أكثر ما يستحق، وسوف أدمر
حياة تلك المحتالة إذا وجدت نفسي مضطرًا إلى ذلك».
25
يوضح
هذا المثال الأمر الدقيق الأول مسألة
في
عدم الاهتمام
الزائد عندما نقول: اللعنة على هذا انتبهوا... إن ذلك الشخص
لا يهمه شيء»، فإننا لا نريد القول إنه غير مكترث بأي شيء. على
العكس تماما؛ نعني بهذا أن الشخص الذي نتحدث عنه لا يبالي
بالمشاق والمواجهة عندما تعترض سبيله إلى أهدافه. وهو لا يبالي
بإزعاج بعض الناس إذا كان يشعر بأن ما يفعله محق أو هام أو نبيل.
نعني
أن هذا الشخص واحد من أولئك الناس الذين يمكن أن يتحدثوا
عن أنفسهم بصيغة الغائب ويمتنعوا عن نسبة أي فضل لأنفسهم عندما
يظنون أن ذلك هو الصواب. إنه شخص لا يبالي، بهذا المعنى تحديدا.
هذا أمر يدعو إلى الإعجاب كثيرًا. لا لست أقصد الشخص الذي
كنت أتحدث عنه بل أقصد التغلب على الصعاب، وأقصد استعداد
المرء لأن يكون مختلفا، لأن يكون منبوذا طريدًا من أجل قيمه هو.
إنه الاستعداد للوقوف أمام الفشل وجهًا لوجه، والاستعداد لتحدي
ذلك الفشل. إنني أتحدث هنا عن الناس الذين لا يبالون بالمشاق أو
بالفشل أو بإحراج أنفسهم أو حتى بتبليل فراشهم بضع مرات. الناس
الذين يكتفون بالضحك ثم يفعلون ما تمليه عليهم قناعتهم. يفعلون
هذا لمعرفتهم أنه الشيء الصحيح يعرفون أنه أكثر أهمية منهم، هم
أنفسهم، وأكثر أهمية من مشاعرهم ومن كبريائهم ومن اعتزازهم
بأنفسهم. إنهم يقولون : إلى الجحيم بهذا»؛ لكنهم لا يقولونها لكل
شيء في الحياة، بل لكل شيء يزعجهم، أو لا أهمية له في الحياة. إنهم
يحتفظون باهتمامهم للأشياء التي لها أهمية فعلا. للأصدقاء. للعائلة.
للهدف. لأي شيء يحبونه. وكذلك لدعوى قضائية عارضة، مرة أو
أنت تقرأ
كتاب فن اللامبالاة
De Todoلمحة عن الكتاب كتاب فن اللامبالاة: لعيش حياة تخالف المألوف تأليف مارك مانسون .. ظل يُقال لنا طيلة عشرات السنوات إن التفكير الإيجابي هو المفتاح إلى حياة سعيدة ثرية. لكن مارك مانسون يشتم تلك "الإيجابية" ويقول: " فلنكن صادقين، السيء سيء وعلينا أن نتعاي...