6️⃣💌
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} ..
{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تؤمر } ..مابين هذين الموقفين ألفُ تاريخٍ وقصّة ..
مابينَ ليلةِ الاعترافِ لإسماعيلَ بِنيّةِ الذَّبح ؛ و بينَ مقام إبراهيم فَتىً بين يدي أبيه يُناديه :
{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مـِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُـونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } !يالله هل كان يَظنّ إبراهيم بنفسه ؛ أن يَذبح ابناً صالحاً يقول له : { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } !
مَـا فعلها " آزَر " مَعـه !
و يَـا للمُفارقةِ في الأقدار ..
فَعَلى حين هُدِّدَ إبراهيمُ من أبيهِ بالرَّجم ؛ ها هو إبراهيمُ يَرجم إبليسَ الواقف عَقبةً في طريق ذَبحِ الطّفل الصالح الذي { اشتد َّ} حتى { بَلَغَ مَعهُ السّعي } !
ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟!
ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟!تَتكـرّر المشاهـدُ فـي غَرابـةٍ عَجيبة ..
تدورُ كدوّامةٍ غامضة ..
يتصبّبّ الماضي ؛ عرقاً فـي جَسد الخليل ..
يشتدُّ الخفقانُ المرّ في قَلبه ..
و تتآكلُ قدميهِ مـن شـِدّة المَشـي !
تجفّ الكلمات في حَلقه :
ياهاجر .. كَم مرةٍ سَعَينا مـن أجلِ هـذا الوليـد !كانت الأولى ..
بيـن الصّفا و المَـروة يـا ولـدي ؛ كَـي نَنبش لكَ الحَياة !و في الثّانية ..
نَسعى بكَ بين العَقبات ؛ كَـيْ نُهيّئك للمَـوت !هل السّعي قَدرٌ لنا ؟
هل الهِجرة و الرِّحلة و السّير حكايتنـا ؟
متى سَتهدأُ الأقدامُ التي أكلَتها تضحيات الطَّـريق ؟
يَـا بُنيّ ..
قُـل لأبيك لا ؛ رُبّما أعتذرُ لك بها عند ربّـي ..و لا تقلّ يا أبت ؛ِ فثمّة موت يَعتَريني كلّما ناديتَ !
للمرة الألف ؛ يقفُ إبراهيم أمام الابتلاء وحيدًا..
فَقبلها النّار ، و بعدها النّفي ..
و لكنّها المرة الأولى التي تَرتفع يَدَهُ كي يرجُمَ الشّيطان ؛ حتَـى لا يُوقفه فـي مُنتصف الأمـر ..
ربّما كانت النّار أرحمُ لو عادت بها الأقدار !
تشتعلُ فتائلُ الحـُزن فـي الصّميـم ..و تشهد له السّماء رغم ذلك؛ أنّ إبراهيم لم يُراوح بين نعم و لا !
يالله هل يَحتملُ إبراهيم ؛ صَرخة إسماعيل عند الذبح ؟
أما كان يَكفي؛ صُراخ الرّضيع في وَحشة المَجهول ؟!
فما زال نَحيبُ ألمها في السُّويداء ؛ لم يَصمِت !
هل جرّبت ألا يبقى بينك و بين ابنك ؛ إلا سِكّينة الذّبح ..
ألّا يَبقى من عُمره ؛ إلا انهمار الدّم ..
أن تَسوقه ؛ كي تَنثالَ على يَديـك قطَـراتُ رُوحـه و هـي تَئـِنّ !كانت يَدُ إبراهيم تُقاوم اللّجام ..
و كان الابتلاء ؛ ينثالُ عليه و يُصبُّ صبّاً ..
وكان ملكوتُ الله كلّه ؛ يشهدُ دويّ اللّحظة الأخيرة حين { أسلما و تَلّه ُللجَبين } !ودّت الشّمسُ ؛ لو تتوقّف عن المَسير ..
و صمتَ الكَـونُ ؛ فقد كان الحَدث فوق طاقة الحياة !انزَوَت الكائناتُ ؛ قبل أن تنكسر أُرجوحة الصّغير بِيَدٍ كانت تَفيض بالقَمح و السّلام ، و لم تَعرف إلا تكسير الأصنام !
ماذا يفعلً الله بك يا إبراهيم ؟!
النّجمة التي اشتَهيتُها طويلاً وَوهَبتُها كلَّ الدّعاء ؛ هَـا أنـا أغمِضها للمَـوت ..و سأُبصر دَمَها كلّ صباح ؛ٍ فـي أطباق الطّعام !
ما بين ليلة المَنام حتى لحظة النّهاية ؛ قَطَعَ إبراهيمُ ألفَ خَطوة بألفِ تَنهيدةٍ و تَنهيدة !
ووحده كان الله يسمع ..
{يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً } ..ها أنذا أحتاجُ أن أرتّلها كثيراً ..
أحتاجُ ؛ أن أُقاتل الشّيطان بكلّ حجارة الدُّنيا !يا للأقدار كيف نُبتلى بما نقول ..
و عند النّهاية قالت الحياة :
( ما ذَنبُ اليَمامة أن تَرى بِعينيها العُشّ مُحترقاً و تَجلس فوقَ الرّماد ) !لِلمشهدِ بقيّة ..
فالمَقامات عِندَ الله ؛ِ لا تُورَّثُ ..
و لكنّها ؛ تُنـال بِسَبقِ القٌـلوب !د. كفاح أبو هنود