« الثاني : أوصاني »

67 10 19
                                    

__________________

﴿وَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعيُنِنا وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ حينَ تَقومُ﴾ [الطور: 48]

_____________


راقبت القطة بأعينها الزرقاء وفروها الأبيض الذي يتخلله بعض من المشمشي والأسود الفتى ذا الأنفاس الضعيفة الذي خبأ في الزاوية رفيقه بجانبه وأمسك ذراعه اليسرى التي سال منها الأحمر القاني إثر طلق ناري .

متذكرًا ما حدث منذ وقتٍ لا يعلمه ، فالزمن يبدو ثابتًا عند اللحظة التي سقط الجد فيها أمامه وما إن انتبه لهم الجنود حتى صاح مُطلق النار فيهم :

" الجيل القادم !''

مرَّ هؤلاء الجنود بنوبة سعار تستهدف الشباب والأطفال وكل ما يتضمن عبارة الجيل القادم ، فطاردوا الفتى الذي حمل صاحبه على ظهره وانطلق بين الأزقة والشوارع التي يحفظها ككف يده حتى لا تتحق كوابيسه ويأخذوا نوحًا وبطريقة ما تمكن من الإفلات والإختباء في مكان ما .

من الصعب دومًا إصابة هدف متحرك بينما تركض ، وعلى هذا الأساس أصيب رعد بطلقة في ذراعه بدلًا من موت صاحبه ، ودَّ رعد لو يصرخ كما صرخ حين أصيب من شدة الألم الذي يغزو جسمه بأكمله ، لكن لا .
لا يمكنه الصراخ ، سيجدونهما و هكذا عضَّ شفاهه. حتى انساب منها الدم هي الاخرى رافضةً ترك الذراع تنزف بمفردها .

لم تزعجه الرائحة الكريهة للمكان بقدر ما اجتاح تركيزه شعوره بالسائل الدافئ على جسمه ، ودَّ لو تكون والدته معه في هذه اللحظة على الأقل لتداوي جراحه كما تفعل كل مرة  .

عادت ذكرى الجد للظهور في عقله ، تنهمر الدموع بلا إرادة منه .. هو يدرك أن الجد لن يعيش ، إنها طلقة مباشرة في الرأس .. لم يكن الجد ابو صلاح جد نوح وحده بل كان كذلك لكل من يعرفه كبيرًا أو صغيرًا كان .

أراد أن يستغيث بربه ويدعوا لكن أمانيه ودعواته لم تتمكن من مغادرة جوفه فاكتفى بترديدها في رأسه ، قبل لحظات كان يملك الطاقة للصراخ لكنه الآن أقرب للجثة الهامدة ولم ينتبه أن دموعه جفت بالفعل لأن سوائل جسمه في تناقص مستمر فصارت الدموع أشبه بالرفاهية في حالته هذه .

ماءت القطة المراقبة بصوت عالٍ كما لو كانت تستدعي أهل الخليل كلهم ليروا ماذا حصل ، توسل لها رعد بداخله أن تصمت لكن وعيه بدأ في التلاشي وكذا فعلت الأصوات حوله آخر ما رآه كان القطة المبتعدة عن زقاق القمامة الضيق إلى حيث يقبع البشر  .

____________________________

فتح عينيه ليواجه سقفًا أبيض وهدوءًا نسبيًا حوله مخالفًا للفوضى التي مرَّ بها ، نظر إلى جسده المستلقي على سرير أبيض وفي يده عُلِّقَت عدة محاليل عن طريق لاصق أبيض تباين مع سمرته بوضوح .
إنه في المشفى إذا . 

فرناس 583 .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن