وقف خالد ومسح وجهه الغارق بالدموع، وهو يشعر بمرارة الألم والغضب يتصارعان في صدره. وبينما كان الجميع نائمًا، حمل البارودة واتجه مسرعًا نحو باب المنزل بعدما أقسم لنفسه أن يذيقهم العذاب نفسه الذي ذاقه هو وأصدقاؤه. لم يعد يحتمل المزيد...
خالد، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يعيش في مخيم جنين منذ ولادته. لم يتخيل يومًا أنه يمكن أن يفارق المخيم. يعيش حياة أي فلسطيني آخر. تخرج من مجال الطب العام منذ سنتين تقريبًا، ولم يجد حتى الآن عملاً بشهادته الجامعية. يعمل حاليًا في مقهى بسيط بدخل متواضع يسمح له بتوفير طعام يومه.
أباه لا يستطيع العمل، فهو مقعد منذ اجتياح جنين عام 2002 بعدما استقرت رصاصة الاحتلال في رجله. خالد هو الوحيد بين ثلاث شقيقات أكبر منه. لم يكن وحيدًا بمعنى الكلمة، فوجود يزن وعمار بجانبه منذ المدرسة الابتدائية جعله ينسى شعور الوحدة. تعاهد الثلاثة منذ طفولتهم على حماية المخيم ولو بفداء أرواحهم.
وقف خالد مترددًا للحظات أمام باب المنزل، وما إن استجمع شجاعته وخطى نحو الخارج حتى سمع خطوات في الزقاق الجانبي. تنفس بقوة وشد يده على البارودة واقترب بحذر من الزقاق. تتسارع دقات قلبه، وشريط من الذكريات يمر أمام عينيه. يتذكر هذا المكان جيدًا، هنا حيث كان يلعب مع يزن وعمار كل يوم، هنا حيث تعاهدوا ثلاثتهم على الوفاء وحماية المخيم.
وما إن اقترب من الزقاق حتى وجد يزن يقترب منه والبارودة بين يديه هو الآخر. ضمه إلى صدره "لم أستطع تركك تواجههم وحدك، أيعقل أنك نسيت عهدنا؟!" قالها يزن بابتسامة حزينة وهو ينظر بعيني خالد بعزيمة وإصرار. يتذكر خالد كيف كان يزن دائمًا القائد بينهم وهو الذي يشجعهم ويصبر على أخطائهم، كان الأعقل والأذكى بينهم.
تقدما معًا نحو تجمعات قوات الاحتلال، وبدأت المعركة. لم يترك شباب المخيم خالد ويزن في هذه المعركة وحدهما، وانقلب شباب المخيم ضد قوات الاحتلال. في وسط الرصاص المتطاير والقنابل المسيلة للدموع، سمع خالد صوت عمار وهو يطلب المساعدة ويصرخ بألم مما أصابه. لقد استقرت إحدى رصاصات الاحتلال في كتفه.
اندفع خالد نحوه بسرعة، متفاديًا رصاصات الاحتلال بينما كان يزن يحمي ظهره. حتى وصلا إلى عمار وحمله خالد على ظهره مسرعًا نحو أقرب مركز صحي يجده أمامه، لكن كانت كل الطرق مغلقة، ولم يسمح لسيارات الإسعاف بالوصول إلى المصابين. ليس هناك خيار آخر، رغم عدم ممارسته لمهنته منذ تخرجه، إلا أن خالد قرر أن يعالج إصابة عمار بنفسه. حاول قدر المستطاع إيقاف النزيف، وقام بنقل عمار بمساعدة يزن إلى مكان بعيد عن أعين الاحتلال.
التقطوا أنفاسهم الثلاثة خلف أحد المباني المهجورة، وبينما كان خالد يهدئ عمار ويعالج إصابته، كان يزن يتولى مراقبة الأوضاع. أذن الفجر عليهم، فقاموا وصلوا جماعة. طلب خالد من يزن البقاء مع عمار ليساعده، بينما هو سيذهب ليكمل المعركة. حاول يزن منعه من الذهاب فالوضع بدأ يشتد خطورة، وكان الاحتلال قد أعلن أن المخيم سيكون منطقة عسكرية مغلقة. إلا أن خالد لم يستمع إليه، فما بدأ به سينهيه. حاول طمأنة صديقيه وودعهما وعيونه مليئة بالأمل والإصرار.
*بعد مرور ساعة كاملة من الاشتباكات المتواصلة*
صوت انفجار قوي هز المخيم من شدة قوته. انقبض قلب يزن، شعور غريب انتابه. أين خالد الآن؟! هل حقق ما سعى إليه أم أن القدر كان له رأي آخر؟ .
أنت تقرأ
عَـهـدُ الدَّم و الـرّصاص
Acciónفي قلب مخيم جنين، يعيش خالد، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، حياة مليئة بالتحديات والأحلام المحطمة. بعد تخرجه من كلية الطب وعدم قدرته على العثور على عمل يناسب مؤهلاته، يجد نفسه يعمل في مقهى متواضع، ويكافح لدعم عائلته. لكن خالد لم يكن وحده في هذا ال...