مُتَشَابِك | مَارْك لِي

الفصل الاول

في صباح شتوي قارص في شوارع كوريا سيول ، كانت الثلوج تتساقط كحبات اللؤلؤ من سماء رمادية مكفهرة، تغطي المدينة ببطانية بيضاء ناعمة. الشوارع كانت تبدو كلوحة فنية، مع الثلوج المتراكمة على الأرصفة والأشجار العارية التي تتمايل بأغصانها كأنها تحيّي الرياح الباردة. الهواء كان كالسيوف، يقطع الأنفاس ببرودته الشديدة، وكل نفس يخرج من الأفواه كان يتبدد كدخان في الهواء النقي.

في قلب المدينة، كان هناك مبنى قديم ومهيب، مدرسة الباليه الوطنية، يشع بأنواره الدافئة وسط البرودة القارسة، كأنه منارة أمل في ليل الشتاء الطويل. نوافذه الزجاجية الكبيرة كانت تطل على مشهد الثلوج الهادئة، تضفي على
المكان سحرًا وهدوءًا رغم النشاط المتصاعد في داخله.

داخل المبنى، كانت قاعة التدريب الكبيرة تعج بالنشاط والحيوية. أنغام الموسيقى الكلاسيكية كانت تتردد في الأرجاء، تتناغم مع حركات الراقصين الرشيقة. الأرضية الخشبية العتيقة كانت تصدر أصواتًا خافتة مع كل خطوة، كأنها تهمس بأسرار الزمن. المرايا الكبيرة كانت تعكس بوضوح كل حركة، كل تعبير، وكل جهد يبذله الراقصون لتحضير أنفسهم لمسرحية "بحيرة البجع".

بيلا، بزيها الأبيض المتألق، كانت تقف في منتصف القاعة كقلب ينبض بالحياة، ترشد زملائها بحركاتها الأنيقة وتعليماتها الدقيقة. كانت بيلا تمثل دور البجعة البيضاء و بينما صديقتها اوليفيا في دور البجعة السوداء ، تحدٍ كبير يتطلب مهارة فائقة، لكنها كانت تتقنه ببراعة. وجهها الجاد وعيناها البراقتان كانتا تظهِران تفانيها وإصرارها.

"بحيرة البجع" هي واحدة من أعظم أعمال الباليه الكلاسيكي، مؤلفة بواسطة تشايكوفسكي. تحكي القصة عن الأمير سيغفريد الذي يقع في حب أوديت، فتاة تتحول إلى بجعة بسبب لعنة شريرة. أوديت، البجعة البيضاء، تجسد النقاء والجمال، بينما البجعة السوداء، أوديل، تجسد الإغراء والخداع. تتصارع البجعتان في مشهد درامي يعبر عن الصراع بين الخير والشر، الحب والخيانة التناغم بين الراقصين أمر أساسي. الراقصون يتنقلون على المسرح كأنهم جزء من لوحة متحركة، كل حركة منهم تكمل الأخرى، لتشكل في النهاية صورة بديعة تمزج بين الألوان والحركات والألحان. على كل راقص أن يتقن دوره ويتناغم مع زملائه ليحافظ على سحر العرض وانسيابية القصة ، لقد تمرن الجميع بجد و قد حان الوقت اخيرا لعرض جهودهم .

"تذكروا، البجعة السوداء ليست مجرد حركات، إنها تعبير عن القوة والضعف في آن واحد. دعونا نجعل كل حركة تحكي قصة"، قالت بيلا بحزم، وصدى كلماتها يملأ القاعة كصدى موسيقى ناعمة.