مجموعة من السحرة جالسين وسط غرفة في منزل كبير ، كبيرهم كان متكأ على السرير واضعا قدميه على الطاولة ، كانوا يضحكون ويتحدثون بسخرية حول موضوع الساحرات و تطورهم و رغبتهم في قتل السحرة ، فالساحرات عموما في مجتمع السحرة ينطر له على أنهن فئة مستضعفة ولا يعطين قيمة أو وزنا وهن في الغالب هدف سهل ومحبب لكل ساحر يبحث عن التسلية .
و كان في الغرفة ساحر (غربان) يبدو عاقلا عن السحرة الأخرون وكانت له هيمنة وقوة أزيد منهم جميعا ، وعندما ذكروا الساحرة (منى) كمثال للساحرات القويات قال بسخرية :
-أرى أنكم خائفون !
رد ساحر كان يجلس أمام الكبير :
-وماذا عنك؟
ابتسم (غربان) و تجاهل سؤاله ونهض من مكانه و قال وهو يهم بالرحيل :
-لا تنسو قوتكم و لا تفكروا فيما ما لا يخصنا.. هدفنا الآن هو رأس زعيم قبيلة (الماج) وليست ساحرة لعينة!
رد الكبير بابتسامة عريضة :
-معك حق!
دخل عليهم عجوز ذو لحية بيضاء مثل عبايته ونضر للكبير وقال ضاحكا :
-كبيرنا هنا!
ثم نضر لـ (غربان) الواقف وقال :
-اجلس ، اريد التحدث معكم جميعا !
جلس (غربان) وقال :
-اسرع..
جلس العجوز أمامه ونضر للجميع و قال :
-لقد جمعت كل المعلومات التي طلبها الكبير عن زعيم قبيلة (الماج) ولقد حددت مكان اقامته أيضا..
نهض الكبير بابتهاج وقال :
-حقا؟!..أين هو؟
ابتسم العجوز و قال :
-قليل الصبر دائما يموت أولاً
ابتسم (غربان) وقال بسخرية :
-وماذا ؟..هل جئت لكي تملي علينا حكماتك الغبية؟
قال له الكبير بغضب :
-اصمت!!
ثم قال العجوز بهدوء :
-انه في بغداد مع زوجته فقط
(أحد السحرة ) بابتهاج:
-هذه هي فرصتنا لنقتص منه
(الكبير) وهو ينهض :
-سأذهب اليه شخصياً
قاطعه (غربان) قائلا :
-لا يجوز يا سيدي!.. أنا سأذهب
-هل يمكنني الوثوق بك؟
(غربان) مبتسما :
-بكل تأكيد
-احترس.. يقال بأنه ساحر متمكن!
نضر (غربان) إلى الأرض و همس قائلا :
-من قال أنني سأقتله بنفسي
ثم رفع رأسه وقال
-لا تخف! يمكنـ..
وقبل أن يكمل دخل (طابغ) عيلهم و هو مرعوب ويرتجف بشدة وقال بصوت متقطع :
-لقد...لقد قتل (سهيل)
(غربان) متفاجىء :
-ماذا؟!
(الكبير) بغضب :
-من قتله؟!
(طابغ) بخوف :
-ساحرة!
ثم نضر لغربان و قال :
-(منى)...الساحرة (منى) قتلته!
تفاجئ جميع السحرة الموجودين في الغرفة وقال أحدهم :
-لقد زاد طغيانها! علينا توقيفها ايها الكبير
غضب الكبير بشدة وأمر أربعة سحرة بالخروج و قتلها ،
(غربان) بسخرية :
- هل تظن أنهم قادرين على قتلها؟
ربما سيكون مجرد تهديدٍ لكي تبتعد عنا!
(غربان) ضاحك بشدة :
- لكي تبتعد عنا؟..هل أنت خائف منها؟
(الكبير) بعصبية :
-لا تتجاوز حدودك و إلا ستنقطع أنفاسك في لحظة!!!
(غربان) وهو يهم بالخروج :
-لا يهمني ..سأذهب لبغداد و سأعود بعد بضعة أسابيع.كانت قبيلة (الماج) من أقوى القبائل في بغداد وكان رأس زعيمهم مرغوب لذا السحرة لأنه كان مطبوب لذا الشياطين العلوية وكان رأسه كمقابل للتعامل معهم .
خرج (غربان) من منزل (الكبير) و توجه لمنزله وعندما دخله توجه لغرفته التي تحوي طاولة صغيرة وسريرا و مجموعة من الرفوف على الجدران .
(غربان) وهو يبحث بين الرفوف عن كتاب ما بتوتر :
-أين أنت؟..أين أنت؟!..
وبعد بحث استغرق مدة قصيرة أخرج (غربان) كتابا ثقيلا يحتوي على أوراق عديدة كان متسخ بالغبار .
(غربان) محدثا نفسه وهو يمسح الغبار من الكتاب :
-لقد وجدتك !!
وضعه على الطاولة و ووضع أصابعه عليه و أغمض عينيه و بدأ بالتمتمة بتوتر كأنه يحضر شيء ما.
وما إن أكمل ضهر أمامه مارد من الشياطين كان أحمر ضخماً ولا يرتدي شيئا تقريباً. ولكن الغريب أن جلده الأحمر مغطى كاملا بشعيرات رقيقة وفي أعلى رأسه خمسة قرون ملتوية طويلة، وأما عن وجهه المرعب، فقد كان مغطى كاملا بتلك الشعيرات وبالكاد ترى عينيه الصغيرتين التي كانتا حمراء بالكامل وفمه المليء بالأسنان الحادة الطويلة .
تكلم المارد وقال بغضب و بصوت غليض :
-لماذا حضرتني؟!
(غربان) وهو يحاول اخفاء توتره : لمهمة!
-: بيننا ثلاث.. الأولى؟
-: رأس زعيم قبيلة (الماج)
(المارد) بغضب :
-هل حضرتني لتسخر مني؟..
(غربان؛) بتوتر :
- لا..لا لماذا؟
-أنت تعلم بأنه لا يمكن للشياطين قتله!
(غربان) باستغراب :
- لماذا؟
-لأنه يرتدي حجر الشمس ولا يمكن للشياطين الأقتراب منه لأنه يضر بنا و يضعف من قوتنا !
(غربان) بتوتر :
- لكنك تجيد التشكل على هيئة بشرية؟
زاد غضب المارد أكثر وقال :
-ألا تفهم؟.. التشكل مجرد مظهر ولا يغير من كوننا شياطين ايها الغبي
(غربان) مبتسما بخبث :
-لذي خطة!
-اسرع!
-سأذهب معك لبغداد لأقوم بنزع الحجر منه و أنت قم بقتله !
(المارد) بابتسامة عريضة :
- أين توجد قبيلته؟
-هو الآن لا يوجد مع قبيلته!.. انه في بغداد مع زوجته
اتفق (غربان) مع (المارد) بأن يلتقي معه في الليل و ذلك ما حدث ومع حلول الليل ضهر مرة أخرى أمام منزله وهو على هيئة عجوز تواجه صعوبة في المشي ، خرج (غربان) من المنزل بعد ما لمَّ أغراضه و ضحك بقوة بعد رؤيته للعجوز وقال :
-هذا أنت؟!!
(العجوز) بتهكم :
-لا تكن سخيفاً!!
امسك (غربان) بيد المارد وبدأ بتمتمة طلسم انقله الى بغداد وتحديدا في قرية «جبسية» وبعدها دخلا السوق واختارا ركنا فيه وناما حتى الصباح ، ولم يستيقظ (غربان) الا على صوت الباعة و الإبل المحملة بالبضائع وخلال دقائق اكتظ السوق بالناس وعندما نهض وجد المارد المتشكل لازال نائم أيقضه و انطلقا خارج السوق .
ظل (غربان) يسأل عن مكان الزعيم معضم السحرة لأيام عديدة لكن محاولاته بمعرفة مكانه بالتحديد كانت شبه مستحيلة خصوصا أن القرية كانت كبيرة جدا وفي أحد الأيام سمع عن مشعوذة تدعى بصاحبة التنبؤات فقرر الذهاب اليها وفي لليلة وعندما اقترب من منزلها وقبل أن يطرق الباب قال للمارد المتشكل على هيئة رجل أسمر مفتول العضلات :
-يبدوا ستساعدنا هذه !
(المارد) بعصبية :
-كل هذه الأيام تقول نفس الكلام
ثم زفر وقال :
كم هذا ممل..
مد (غربان) يده لطرق الباب وقبل أن يطرق فتح الباب و خرجت صبية نحيفة وقالت :
-ما تريدانه عند الخالة (افراج) !
(المارد) مبتسما بفرح :
-إذا ما يقال عنها صحيح!!
(غربان) بابتسامة عريضة : نعم انها صاحبة التنبؤات !!
دخلا المنزل و تبعا الصبية إلى غرفة (افراج) والتي كانت مظلمة ولا يضهر من (افراج) الى وجهها الباهت بسبب شمعة كانت أمامها مشتعلة .
قال (غربان) وهو واقفا أمام الباب :
-أنت تعلمين هدفنا صحيح؟
(افراج) وهي توجه نضرها لهما :
-أين المقابل
أخرج (غربان) من جيبه كيس من الفضة ورماه لها فقالت :
-زعيم قبيلة (الماج) مع زوجته في كهف الحور .
(المارد) متفاجئ :
-كهف الحور؟
-نعم
(غربان)بتعجب :
-وماذا يفعلان هناك؟!
-مختبأن
(المارد) بخوف :
-هل أذاهما التنين؟؟
-لا تخف .. لم يدخلو منطقة التنين وهذا يعني أنهما لازالا أحياء
(غربان) بتوتر :
- وماذا نفعل الآن؟
-مهمتي هي اخبار زبائني بالمكان وليس بما يفعلون!
ثم اشارت اليهم بيدها للخروج .
خرج الاثنان من منزلها بخيبة أمل وقال (المارد) بعصبية :
-هذه مهمة خطرة و لا يمكنني تعريض حياتي للخطر!
(غربان) بثقة :
-سأذهب له لوحدي إذا!!
-لآن؟؟!
وفي لمح البصر اختفى (غربان) و بعد تفكير تبعه (المارد) .
وجدا نفسهما أمام كهف ضخم وعندما اقتربا منه قال المارد :
-أنا سأبقى هنا..
-لماذا؟
(المارد) وهو ينضر للظلام العاتي الذي يعصر بوابة الكهف :
-أخبرتك بأنني لا أقدر.
- لا أظنه حاملا ذلك الحجر في هذا المكان .. فهو يعلم بأنه سيجلب له سوى سخط التنين!
ترددت المارد في الأول لكن ومع إسرار (غربان) دخل معه للكهف و استمرا بالنزول لمسافة قصيرة بعدها وصلا لمنطقة تُفصل الكهف لطريقان طريق من اليمين وواحد من اليسار ،
قال (غربان) بتوتر :
-ماذا ستختار؟
(المارد) بقلق :
-اليمين
ثم قال بتردد :
-وماذا إن كان التنين في هذا الطريق؟
(غربان) بثقة :
-انه مجرد حظ وأنا سأذهب في الطريق اليمين وأنت في الطريق اليسار ..اتفقنا؟
-لنلتقي في هذا المكان قريباً!!
سلك كل واحد منهما طريقا وبعدما استمر المارد بالتقدم بحذر سمع صوت كلام و ضحكات خفيفة لشخصان وبعد أن نضر للبعيد رأى نارا مشتعلة و بجانبها كان هناك رجل مع امرأة يضحكان وبعد رأيتهم ابتسم خصوصا أنه لم يشعر بأي تأثير من الجحر وعلم أنه ليس معه وعندما تشكل بشكله الضخم جرى بسرعة خاطفة نحوهما بنية قتله فرأته روجته وصرخت وقبل ان يلتفت الزعيم سقط رأسه على الأرض مقطوعا و أمسك به وضحك بشدة وقال للمرأة بعصبية :
-أين الحجر ؟
لم ترد زوجة الزعيم عليه وظلت تبكي بشدة فقال المارد وهو يسخر منها :
-اخبريني مكان الحجر مقابل حياتك !
لم ترد عليه المرأة ثانية وأكملت صراخها كالطفل فأثارت عضبه وبحركة خاطفة منه تمزقت أشلاء .
بعد مسافة طويلة قطعها (غربان) وصل الى أرض مستوية وقف عليها ولمح بعض الصخور المحطمة متراكمة و جثة ملقية تحتها فأطول النظر اليها ثم اسرع ناحيتها ، وجدها فتاة ذات الشعر الاحمر القصير وكانت لها جروح بليغة و ملابسها مبللة بالدماء، وضع (غربان) أصابعه على عنقها ووجدها لازالت على قيد الحياة فاسرع بها خارج الكهف جريا .
![](https://img.wattpad.com/cover/371488827-288-k987467.jpg)