عين الحمامة

5 1 1
                                    


اقتربت (منى) من (كارينا) الماسكة بجثة صديقتها الباكية  على فراقها وقالت بصرامة :
«ارفعي رأسك يا أميرة.. وإلا سوف يسقط تاجك!!!»
رفعت (كارينا) رأسها و نضرت بعينها المنهمرة بالدموع لترى امرأة تبدوا في الثلاثينيات  من عمرها كانت شديدة الجمال  فصرخت  (كارينا) في وجهها وهي تبكي بحرقة :
-ابتعدي عنا..عودي من حيث اتيتِ
(منى) بحزن: اعلم شعورك الآن لقد كنت مثلكِ
(كارينا) وهي تمسح على رأس (رتاج) : لا تذهبي !!..انهضي!!
جلست (منى) امامها و انتظرتها حتى تكمل بكائها وبعد بكاء طويل حتى المساء ومع غروب الشمس عانقت (كارينا) جثة صديقتها لأخر مرة و قبلت جبينها بقوة و نهضت وقالت بنبرة ساخطة :
-من هؤلاء الأوغاد؟.. ومن أنتِ؟
(منى) مبتسمة باستحقار : سحرة النسيج
ثم سكتت وقالت :
أنا (منى) بنت خالد
-لا يهم!
ابتسمت (منى) وقالت :
-تبدين مختلفة عن سكان بابل!..من أين أنت؟
(كارينا) بعصبية :
-ليس من شأنك!
-لو لم أكن لكان مصيرك مثلها!!
(كارينا)وهي تصرخ باكية :
-ما كان عليك القدوم
وبعد ما  هدئت قليلا ، نهضت (منى) وقالت :
-هل هي أختك؟
(كارينا) بحزن :
-بل أكثر من أختي..إنها حياتي!!
(منى) وهي تعانقها :
- لا تبكي..
وبعد عناق طويل قالت (منى) :
-أين تسكنين؟
(كارينا) وهي تمسح دموعها :
-أنا لا أملك مسكن الأن!
-لماذا؟
-أنا مجرد صديقتها و جئت معها من بغداد لزيارة عمتها والآن لا يمكنني العودة لمنزل عمتها
- لماذا؟
-كيف يمكنني العودة لوحدي؟
-اذا عودي لبغداد!
-أنا لا أملك مسكنا .. كنت أعيش معها في منزلها
-أين والديك؟
نضرت (كارينا) للارض وقالت بعبوس بعبوس :
- تخليا عني وأنا صغيرة
(منى) بقهر :
-حياتك أصعب من حياتي !
نضرت (كارينا) لـ(منى) وقالت:
- هل أنت ساحرة؟
(منى) مبتسمة :
-نعم
(كارينا) بابتهاج :
- أنتِ رائعة!!
- هل لكوني ساحرة ؟
-لا..رأيتك كيف قتلت هذا الوغد
-هؤلاء الأوغاد إن لم تكونين ذئبة فتصبحين فريسة لهم
نضرت (كارينا) لجثة (رتاج) الهامدة وقالت  :
-ماذا فعلت المسكينة؟
ثم نضرت ل (منى) وقالت بحزن شديد :
-لماذا يقتل الأبرياء فقط؟
نضرت (منى) اليها بعبوس وكأنها تشعر بألما وقالت :
-هل يمكنني الوثوق بك؟
- لم أفهم!
-قلتي أنكِ لا تملكين مسكنا !
-نعم
-يمكنكِ المكوث معي ؟!
- حقا؟!
ثم قالت :
-لكنني لا أعرفكِ !
-أنا لا أنوي الشر..
-أين تسكنين؟
(منى) مبتسمة :
-أنا ابنة النسيج
-: لن أذهب!!
نضرت (منى) لجواد الساحر  وقالت :
يبدوا جيداً!
ثم اقتربت منه وركبت عليه وقالت وهي تضرب خصره  :
-كما تشائين
انطلق الجواد ب(منى) لبضع أمتار وبعدما ابتعدت قليلا  قالت (كارينا) بصوت مترفع :
- انتظري
ثم جرت ناحيتها و ركبت خلفها وقالت مبتسمة :
-جميلك هذا لن أنساه!
ردت  (منى) بابتسامة :
-هل غيرت رأيكِ؟
-: لا خيار لي!
-وماذا عن جثة صديقتك؟
(كارينا) بارتباك :
-ماذا أفعل؟
أدارت (منى) جوادها و انطلقت به ناحية جثة رتاج و نزلت ثم  اقتربت منها وامسكت بها و بدأت بتمتمة طلسم أنقلها من هناك  وفي لمح البصر ضهرت  (منى) أمام (كارينا) وقالت :
-انتهيت!..
(كارينا) بدهشة :
-ما..ما الذي حدث للتو؟
وهي تركب  الجواد ضاحكة :
-ألا تعلمين بالسحر و الطلاسم؟
-بلى..لكن على ما يبدوا أن هذا يفوق السحر بمراحل!
ثم سكتت و قالت :
-أين أخذتها؟
-الى المقبرة..
-أي مقبرة؟
-غرب بابل
ثم نضرت (كارينا) لجثة الساحر وقالت :
-وماذا عن هذا الوغد اللعين؟
-سندعه عبرة لمن تجرأ على لمس أنثى
انطلقت بها (منى) لمنزلها الذي كان في أخر القرية قريب من الوادي ووصلتا ومع حلول الليل وعندما دخلتا أخذتها (منى) لغرفة  تحوي سريرا جنبه طاولة صغيرة  و نافدة ، استلقت (كارينا) على سريرها  ولم تستطع النوم بسبب ما حدث وعندما دخلت عليها (منى) ابتسمت و قالت بلطف :
-لم تنامي بعد؟
(كارينا) بتعب :
-لا
(منى) وهي تجلس بجانبها :
- عليكِ بالصبر يا ابنتي!
-لا أظن أنني سأتحمل كل هذا الألم
(منى) بعبوس : لقد مررت بما تمرين به مرتين
- هل أنتِ أيضا ماتت صديقتك؟
- لا
-ومن؟
-في المرة الأولى والداي  و في المرة الثانية جدتي!
-هل يمكنكِ اخباري بما حدث لهم؟
حكت (منى)  عن ما وقع لوالديها بأنهما قتلا في هجوم أحد الرجال  داخل منزلهم وما حدث كان صدمة لها و أنها كانت صغيرة آنذاك ولا تتذكر سوى  أنها اختبئت في أحد الغرف و رأيتها لرأس أمها المقطوع و الذي اقترب منها شكل لها حالة من الهلع و اغمي عليها  بعد رأيته وبعد ذلك  استيقضت لتجد نفسها مع جدتها و التي كانت تدعى (حفصة)  وهي التي ربتها وعلمتها فنون السحر و الطلاسم من صغرها وقدمت لها حنان الأم التي حرمت منه ووفرت لها حماية الأب التي لم تحضى به  فقد كانت ساحرة متمكنة ذات شأن في بابل  ومعروفة بقوتها كالسيف الحاد الذي يجتاح كل معترض على طريقه ، وكانت كالجدار الحديدي الصلب أمام كل ساحر حاول الاعتداء عن الساحرات أو لمس شرفهن و كرامتهن ، وما إن بلغت الثمانية عشر عاماً توفيت  جدتها وعادت لحالة من الألم و الارهاق دامت عشر سنوات ، بعدها أكملت صديقة جدتها والتي كانت بمثل اختها في تعليم (منى)  السحر و الشعوذة وبعد زواج (منى) فارقتهم الحياة.
ابتسمت (كارينا) وقالت :
-هل صديقة جدتكِ لا زالت قيد الحياة؟
(منى) وهي تمسح دموع خفيفة نزلت بسبب تذكرها :
-نعم
(كارينا) وهي تنضر اليها بعبوس
-اعلم بأنك تشتاقين اليها!
(منى) بحزن : كثيراً 
ثم سكتت وقالت :
-كم عمركِ؟
-عشرون عاماً .. وأنت؟
ابتسمت (منى) وقالت :
-لن تصدقي!
(كارينا) مبتسمة :
- كلا
-خمسون عاماً!
تفاجئت (كارينا) وقالت :
-تبدين شابة  !!
(منى) بابتهاج :
- نعم أبدوا كذلك
ثم قالت :
-وماذا عنك؟..كيف كانت حياتك؟
ضحكت (كارينا) وقالت
-حياتي؟.. لا زلت شابة لم أرى في الحياة إلا ما هو سيء
-لا تقلقي  يوما ما ستضحك لنا الحياة!
-ماذا تريدين معرفته عن حزني؟..هل لكوني يتيمة الأبوين أم فقيرة المال أم فقيدة الأحباب؟
(منى) ضاحكة بخفة  :
-لكونكِ فقيرة هذا لا يعني أنكِ حزينة!
ثم قالت :
-قلتِ لي أنهما تخليا عنكِ والآن قلتِ أنكِ يتيمة؟!
-نعم..أنا اعتبر نفسي يتيمة لأنني لم أرهم قط!
- ومع من كبرتي؟
-أم حبيبتي (رتاج) كانت تشتغل كخادمة و لمحتني من بعيد كنت على سلة أطفال أمام أحد المحلات  فأخذتني وربتني مع ابنتها.
ثم سكتت للحظة وقالت :
-اعتبرها أمي
(منى) بخيبة أمل :
-اتسأل كيف سيكون حالها عندما تعلم بأنها فارقت الحياة!
-يمكنني الذهب لإخبارها؟
- نعم تصرف صحيح!
(كارينا) وهي تنضر للقمر من النافدة :
وكيف سأذهب؟..ومن سأخبر؟..
-إنه أمر صعب!!
(كارينا) وهي تنضر لـ (منى)  :
-أريد أن أسألك يا خالة!
- تفضلي!
- يمكنكِ تعليمي فنون السحر؟
(منى) بخيبة أمل :
-طريق السحر ستجلب لكِ سوى المتاعب!
(كارينا) متسائلة :
- لكنني سأصبح قوية؟
-نعم
-سأتعلم له مهما كان الثمن!
-لماذا؟..أنت لا تملكين أعداء ولا أهداف لتعلمه!
-كلا!..لقد أصبح لي هذف الآن !
(منى) بتعجب :
-و ما هو؟!
-رأس كبير السحرة
(منى) ضاحكة :
-وماذا فعل لكِ كبير السحرة؟
(كارينا) بسخرية: أنت تعلمين  أكثر مني بما يفعله ذلك اللعين مع أوغاده
(منى) بابتسامة عريضة : أ
-حتاج لذكائكِ!
ثم قالت :
-كان بإمكاني أن أقول لكِ هذا مستحيل لكنني أرى عزيمة تشتعل من عينيك قد تمكنك من فعلها
- إذا أخبريني عنهم!
ش  هم عصبة من السحرة يحكمون بابل و كبيرهم يدعى (ترمد) تولى حكم السيادة عن أبوه الذي يقال بأنه مات مغدوراً .
-ماذا يقصد بعصبة؟
-اتحاد السحرة
-و كم عددهم؟
(منى) ضاحكة :
-المئات!..أو ربما الآلاف!
(كارينا) مبتسمة :
- رأيت ذاك الوغد كيف خاف و ارتعب منك..هل  يعرفونكِ؟
- بالتأكيد
ثم ضحكت بقوة وقالت :
-يسمونني قابضة الأرواح!
(كارينا)  وهي تضحك بخفة :
-لماذا؟!
-لأنني قتلت معظمهم لمجرد تجرأهم على مواجهتي أو لمس ابنتي  .. ..
(كارينا) بدهشة :
ش هل لذيك ابنة؟
- نعم!
(كارينا) بسذاجة :
-و زوج؟
(منى) ضاحكة :
-نعم
-وأين هو الآن؟!
-في الهاشمية..لذيه تجارته الخاصة لكنه سيعود قريبا!!
ثم قالت :
-هل حقا تريدين قتل الكبير؟
(كارينا) بثقة :
-نعم!!
-: تعليمك ربما يستغرق أكثر من خمس سنوات!
-أنا مستعدة !
(منى) وهي تهم بالرحيل :
- نامي الآن و لا تفكري كثيراً!
خرجت (منى) من الغرفة تاركة (كارينا) مستيقظة وبعد وقت من التفكير نامت بعمق .

ناريجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن