الفصل الثالث: قيود الأب

18 5 0
                                    


عادوا إلى بيتهم في مدينة العاشر من رمضان، لكن ذكريات القرية لم تغب عن ذهن نيروز.

كانت أيام القرية تملأها بالسعادة، رغم القيود التي فرضها والدها. لكن تلك القيود بدت أثقل

في المدينة، حيث الحياة أكثر تعقيدًا والأحلام أكبر.كان أحمد، والد نيروز، صارمًا في تربية

أولاده، وخاصة نيروز. كان يعتقد أن الفتاة تحتاج إلى حماية أكبر في هذا العالم المليء

بالمخاطر. لذا، كان يحدد لها أوقات اللعب ومع من يمكنها اللعب. لم يكن يسمح لها بالابتعاد

عن البيت إلا بمرافقته أو مع والدتها، وكان يراقب تحركاتها بعناية.نيروز كانت تشعر أحيانًا

أن هذه القيود تجعلها سجينة، لكنها كانت تحترم والدها وتحاول إرضاءه. كانت تعرف أن

خلف تلك الصرامة يوجد حب كبير، لكن الحب المصحوب بالخوف والقلق قد يصبح قيدًا.

كانت تحلم باليوم الذي تستطيع فيه كسر تلك القيود واستكشاف العالم بنفسها.في أحد

الأيام، بينما كانت نيروز تجلس في غرفتها تراجع دروسها، دخل والدها إلى الغرفة. جلس

بجانبها، وبدأ يتحدث معها عن أهمية التعليم والمستقبل. كان أحمد يؤمن بأن التعليم هو

السبيل الوحيد لضمان مستقبل مشرق لأبنائه. قال لها: "يا نيروز، التعليم هو سلاحك في

هذه الحياة. أريدك أن تكوني قوية ومتعلمة لتتمكني من مواجهة التحديات."نيروز كانت

تستمع لوالدها وتفكر في كلماته. كانت تعرف أن التعليم مهم، لكنها كانت تتمنى أن يكون

هناك توازن بين الدراسة والحياة الاجتماعية. كانت ترى أن أصدقائها في المدرسة يتمتعون

بحرية أكبر، ويعيشون حياتهم بشكل أكثر توازنًا.في أحد الأيام، طلبت نيروز من والدها أن

يسمح لها بالذهاب إلى منزل صديقتها الجديدة، ريم. كانت ريم فتاة طيبة وذكية، وكانت

نيروز تشعر براحة كبيرة معها. لكن أحمد رفض طلبها بشكل قاطع. قال لها: "لا أستطيع أن

أتركك تذهبين إلى منزل أحد. العالم خارج هذه الأبواب مليء بالمخاطر، وأنا لن أخاطر

بسلامتك."شعرت نيروز بخيبة أمل كبيرة، لكنها لم تجادل والدها. بدلاً من ذلك، عادت إلى

غرفتها وبدأت تكتب في دفتر يومياتها. كانت الكتابة هي ملاذها الوحيد، حيث تستطيع

التعبير عن مشاعرها وأحلامها دون خوف من الانتقاد أو العقاب. كتبت: "أريد أن أعيش

حياتي بحرية، أريد أن أجرب كل شيء وأتعلم من تجاربي. لكني أشعر أنني محاصرة بين

جدران هذا البيت. أتمنى لو أن أبي يفهم مشاعري."في المساء، جلست نيروز مع والدتها في

المطبخ. كانت إيمان دائمًا تستمع لابنتها بحنان وتفهم. سألتها نيروز: "ماما، لماذا يخاف أبي

عليّ بهذا الشكل؟" أجابتها إيمان بابتسامة هادئة: "والدك يحبك كثيرًا، يا نيروز. يريد فقط

أن يحميكِ من أي أذى. أحيانًا، الحب والخوف يتداخلان بشكل يصعب علينا فهمه. لكن ثقي

بي، هو يريد مصلحتك."شعرت نيروز ببعض الراحة بعد حديثها مع والدتها. كانت تعلم أن

عليها الصبر والتفاهم، لكن ذلك لم يمنعها من الحلم بالحرية والقدرة على اتخاذ قراراتها

بنفسها.مع مرور الأيام، كانت نيروز تحاول التكيف مع قيود والدها، لكنها كانت تخطط

بصمت لتلك اللحظة التي تستطيع فيها كسر تلك القيود والخروج إلى العالم الأوسع. كانت

تعرف أن ذلك اليوم سيأتي، وكانت تستعد له بكل شغف وأمل.

~~~~~~~~~~~~~~
مع اطيب التحيات
دنيا كمال

 "بين قيود وأجنحة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن