الحلقة التاسعة

677 33 7
                                    

استيقظت ندى لصلاة الفجر و بعدما أدت الصلاة أنهت أذكار الصباح ثم تلت وردها القرآني و بقيت مكانها شاردة تفكر فيما أملاه عليها أدهم بالأمس، تؤلمها تلك الكذبة التي افتعلها لكي يضمن تغاضي أمه عن انفصالهما في بيت الزوجية، و لكنها مضطرة لمجاراته الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
استمرت بشرودها حتى بدأت خيوط الشمس تتسلل الى الغرفة عبر النافذة لتضيئها رويدا رويدا الى أن انتبهت لوقت الشروق فأخذت تدلك رقبتها من الألم و هي تتمتم لنفسها:
ــــ ياااه أنا قعدت كل دا سرحانة...
ثم تنهدت بقلة حيلة و نهضت من مكانها لتبدل اسدال الصلاة الى فستان قطني بسيط و مريح و في ذات الوقت لا يظهر من جسدها شيئ ثم غطت رأسها بحجاب صغير و خرجت من الغرفة لتسير بإتجاه المطبخ لتعد ثمة شطيرة تسد بها جوعها.
لم تكد تصل إلى باب المطبخ حتى استمعت الى صوت جلبة آتِ من غرفة أدهم فأدركت أنه قد استيقظ و ربما يتجهز الآن للذهاب الى عمله، فابتسمت بحالمية و هي تفكر في شيئ ما، فلا ضير من إعداد مزيد من الشطائر
يتناولنها سويا.

بينما أدهم في غرفته حائر تائه بين ملابسه و أحذيته و أحزمته الميري، الغرفة تعمها فوضة هائلة، فقد كانت أمه من تعد له ملابس العمل و توفقها مع بعضها البعض حتى حذائه هي من تتولى أمره و تضعه بجوار بدلته الرسمية و ما عليه إلا أن يرتدي ما أعدته و حسب.
أخذ يزفر أنفاسه بعنف، فقد ضاق ذرعا بهذا الأمر و نفذ صبره، و لكن لا مجال الآن للحيرة، فعليه أن يختار عاجلا أم آجلا...

بعد حوالي عشرون دقيقة كان أدهم يقف أمام المرآة يضع اللمسات الأخيره على مظهره بعدما مشط شعره و نثر عطره النفاذ، ثم قام باحكام حزامه الميري حول خصره و غرس سلاحه بالجيب المخصص له في الحزام و أخيرا و بعد عناء ألقى نظرة رضا على نفسه، فقد انتهت المهمة بنجاح.
في تلك الأثناء كانت ندى تجلس الى الطاولة الصغيرة القريبة من غرفة أدهم حتى يرى ما أعدت له من إفطار، فقد كانت تنتظره بملل الى أن خرج أخيرا و هو يعبث بهاتفه غير منتبها لها، و لكنه حين أطل عليها بتلك الطلة التي تراه بها لأول مرة بحلته حالكة السواد و شارتي الشرطة ذات النسر الذهبي على كتفيه، و شعره المصفف بعناية، و ذقنه الحليقة تماما و التي جعلته يبدو أصغر من عمره بكثير و ذلك الحزام الأسود حول خصره و السلاح الذي يزينه، و فوق كل ذلك رائحة عطره التي تصيبها بالثمالة... انحبست أنفاسها بصدرها من فرط الإثارة و اتسعت حدقتيها باعجاب بالغ، و كل ما أثار حفيظتها الآن هل تراه البنات و هو على تلك الشاكلة؟!.. حتما ستصاب بالجنون ان اتبعت أفكارها تلك..
حين رفع رأسه عن هاتفه و خطى نحوها حين انتبه لها، نفضت رأسها سريعا من لحظات الإعجاب و الصدمة و تصنعت أنها مشغولة باعداد الشطائر رغم أنها جاهزة بالفعل على الأكل.
ـــ صباح الخير يا ندى..
ـــ صباح النور.
ـــ صاحية بدري كدا ليه؟!
ـــ عادي.. أنا بصلي الفجر و مبنامش..
هز رأسه ثم ما لبثت أن تنحنحت بخجل ثم قالت:
ـــ احم.. أنا سمعت دوشة جاية من قوضتك فقولت انك أكيد بتلبس عشان تروح شغلك فعملتلك ساندويتشات معايا.
سحب الكرسي المقابل لها ثم جلس عليه و هو يقول:
ـــ يا بنتي بتتعبي نفسك ليه... أنا كنت هفطر في الشغل.
هزت كتفيها لأعلى قائلة بخجل:
ـــ عادي.. أنا كدا كدا كنت بعمل لنفسي فزودت ليك.
التقط إحداها ثم قضم منها قضمة و هو يقول:
ـــ ماشي يا قمر تسلم ايدك.
أجابته ببسمة صغيرة ثم بدأت تأكل على استحياء و هي تستنشق رائحته المسكرة باستمتاع، فبدون وعي منها سألته بتلقائية:
ـــ البرفيوم بتاعك حلو أوي... هو اسمه ايه؟!
حانت منه ابتسامة و هو مثبت نظره على الشطائر بيده، فقد فاجئته بسؤالها، ثم ما لبث أن قال:
ـــ دخون روز... بطلبه من دبي مخصوص اونلاين.
أومأت بحرج بعدما نهرت نفسها على سؤالها السخيف من وجهة نظرها، فكثيرا ما يسبق لسانها عقلها.
عم عليما صمتا وجيزا و هما يأكلان قطعته ندى بسؤالها:
ـــ أدهم بما اننا اصحاب قولي بقى.. أعجبت ببنت قبل كدا أو حبيتها؟!
توقف عن مضغ الطعام للحظة من أثر تفاجؤه بسؤالها الذي أربكه قليلا، فهو لا يدري أمن الطبيعي أن يخبرها بأمر دارين أم ماذا؟!
و لكن سرعان ما محى آثار المفاجأة من على وجهه و استرسل بمراوغة:
ـــ اه كنت معجب ببنت كدا و خطبتها فترة بسيطة بس محصلش نصيب..
صمتت بصدمة لوهلة ثم قالت:
ـــ بجد؟!
ـــ اممم... ايه مالك مصدومة كدا ليه؟!
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جاهدت أن تبدو طبيعية:
ـــ لا أبداً... أصل شكلك جد أوي و مش رومانسي و لا ليك في الحب فعشان كدا استغربت.
صدرت منه بسمة ساخرة و هو يقول:
ـــ حتى انتي كمان بتقولي كدا!
ـــ دا مش رأيي أنا لوحدي بقى؟!
هز رأسه بإيماءة بسيطة، فلم يرغب في الدخول في تفاصيل ولا الحديث عن أي شيئ يخص دارين.
ـــ و انتي؟!
باغتها بسؤاله  فلم تحسب له حساب، و لوهلة سكتت تفكر في إجابة تعفيها من الحرج، فمن سواه الذي يمتلك قلبها منذ علم للحب سبيلا!.. و لكنها ابتلعت ريقها ثم قالت دون أن تنظر له متظاهرة بالانشغال بالأكل:
ـــ قبل ما اسافر أمريكا مع بابا كنت معجبة بشاب جارنا... بس كنت لسة صغيرة... هبل مراهقة بقى.
ـــ و لما كبرتي؟!
التقت عيناها الحائرتين بعينيه المصوبة تجاهها بترقب، تكاد تصرخ بعشقها له و لكن خشت أن تفضحها نظراتها، فأخفضتهما سريعا ثم قالت بوجوم:
ـــ خلاص بقى عقلت.
هز رأسه بإيماءة بسيطة ثم نظر في ساعة يده فوجدها قد دقت الثامنة، فنهض و هو يقول بجدية:
ـــ أنا كدا لازم أمشي.... شكرا يا ندى على الفطار.
نهضت تباعا لتقول بخجل:
ـــ الشكر لله دا حاجة بسيطة.
أومأ بامتنان ثم قال:
ـــ ماما كلها ساعة و هتوصل... مش هوصيكي بقى.
أومأت محاولة رسم الثبات على ملامحها حتى لا يلحظ حزنها الكامن بقلبها ثم قالت ببسمة محبة:
ـــ لا إله إلا الله..
ـــ محمد رسول الله.
غادر  من أمامها بينما بقيت هي تنظر في أثره بشرود و قد أخذ الحزن من قلبها مأخذه ثم سرعان ما عادت لواقعها لتأخذ الأطباق للمطبخ و تقوم بغسلها.

مهمة زواجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن