(10)«فراقٌ أبديّ»
قد يكون الموت بحد ذاته لا يؤلم ولكن مايؤلمنا حينها هو أن الفراق سيكون أبديّ لا أمل فيه للقاء اشتياقك لمشاعر قد اعتدت عليها لابتسامة لا تبدأ يومك إلا بها لضمة هي كانت بالنسبة لك الكون بما فيه فقدان تلك الأشياء هو ما يؤلم حقاً بل قد يكون مهلكاً.
______________
تجلس ريم وجني أمام غرفة العمليات والخوف قد تمكن من كل ذرة فيهما وبالأخص ريم التي كانت تشعر بالرعب من فكرة فقدان منال حقاً لن تسطيع الحياة من دونها تبكي بحرقةٍ وصمت ودموعها لا تفارق وجنيتها ليتجد الطبيب خارجاً من غرفة العمليات والحزن بادٍ علي ملامحه لتمسح دموعها بأكمام ثيابها بعشوائية وتهرول اتجاهه ليقول الطبيبة متأسفاً:
" للاأسف مقدرناش نلحقها كان الوضع خارج إرادتنا ومعرفناش ننذقها واضح إن الموضوع بدأ من شهور وهي سكتت عليه فترة طويلة "ليصمت ثوانٍ معدودة ويردف بحزن:" البقية في حياتكم "
لتتسع عيون ريم من الصدمة وتتحجر الدموع فيها لتزمجر فالطبيب قائلة بصخب والدموع تنهمر من عيونها
بشدة:
"أكيد في حاجه غلط لازم تعمل حاجه مستحيل اللي إنت بتقوله ده"
ليتحدث الطبيب مواسياً إياها ومراعياً ما هي فيه:
"دي مشيئة ربنا وقدره لازم تصبري وتحتسبي"
ثم يستأذنهم و يرحل تاركهم في صدمتهم.
____________________________
أن يظل الإنسان وحيداً طوال عمره لهو أمر شديد الصعوبة لقد توفي والدي ريم وهي بالعاشرة من عمرها وقد كانت متعلقة بهم بشدة كأي طفل بهذا السن مما جعلها لم تستوعب فكرة فقدانهم لتعيش بعدها مع جدها وجدتها غير مقتنعة بأن والديها لن يعودوا مرة أخري وقد عانت حينها باضرابات في شخصيتها لم تكن تتقرب من أحد وتحولت سلوكياتها إلي العدوانية شيئاً فشيئاً وكانت منال في ذلك الوقت تتقرب إليها مُحاولة إرضائها وحاولت هي وجدها أن يعوضوها عن حنان أبويها التي افتقدتهم لتمر ثلاث سنوات وتكون ريم قد تناست أسلوبها العدواني ولكن كان ذلك بشكل خاطئ فقد اقتصرت حياتها علي جدتها وجدها ولم ترد أن تتعامل مع غيرهم وتعلقت تعلقاً شديداً بجدها فكانت تحبه أكثر من أي شيء آخر لتصفعها الحياة بعدها بسنة ونصف مرة أخري وتصدمها بفقدان جدها العزيز وهذه المرة كانت الصدمة التي لم تتحملها ريم فبعدها انقطعت ريم عن التحدث لفترة طويلة وكانت تبقي دائماً صامتة إن تحدث إليها أحد مما جعلها تُصاب برهابٍ إجتماعي ولكن منال لطالما حاولت إخراجها من هذا الواقع الؤلم وبالفعل فبعد كثيرٍ من المحاولات استطاعت منال أن تجعل ريم تحب الحياة مرة أخري وتحب من حاولها وتعاملهم بلطف وأصبحت منال بالنسبة لريم كل حياتها فكانت تضحك معها وتمرح وتخرجان معاً ولكن ريم كانت لا تُخبرها بالكثير من الأشياء منذ أن اكتشفت أنها تعاني مرضاً بالقلب فضلت أن تطمئنها ولا تشغلها بحياتها ولكن يبدوا أنها لم تستطيع فقد أدي كتمانها لكل الأحداث إلي فقدها الوعي لمدة ثلاث سنوات ما كان ذلك أكبر علي منال من مشاكلها والآن تصفعها الحياة صفعة قوية جداً جداً هل ستستطيع الصمود أمام تلك الصفعة هل لها أن تُكمل حياتها مرة أخري بعد ذهاب منال ولكن كيف كيف وجدتها كانت هي الحياة بالنسبة لها فقدانها مشهد لم تتخيله في أشد كوابيسها رعباً!!
__________(21)_______________
تقف جني وهي تبكي بشدة لتصرخ صرخةً تدوي في كل أرجاء المكان لتتزامن تلك الصرخة مع سقوط ريم فاقدة للوعي لتجلس بجانبها جني وتنادي علي أحد الممرضات لمساعدتها لتأتي ممرضة لتساعدها في حملها وتذهب جني مُسرعة لإحضار الطبيبة سلمي المختصة بعلاج ريم لتجدها هي قد دلفت إلي الغرفة التي يتواجدون فيها مُهرولة.
_____________________________
ريم راكدة الآن علي الفراش لتسمع همساً في أذنيها يناديها بحنان لتغمض عينيها بقوة لتركز في ما يقوله هذا الصوت لتنتبه أنها تعرف هذا الصوت جيداً إنه صوت جدتها تناديها بحنان:
"ريم ريم قومي ياريم لازم تكوني قوية لوبتحبيني فعلاً لازم تقومي وتكملي وتبقي أقوي من كده وريني اللي علمتهولك طول السنين وخليكي عارفة إني دايماً هكون معاكي وهكون جمبك مش إنتي بتحبيني وأنا بموت فيكي واللي بيحب حد بيكون ساكن في قلبه يعني مش لازم يكون شايفه بعنيه وكل ما تعوزي تشوفيني غمضي عنيكي أوي وإنتي هتشوفيني يلا قومي"
______________________________
تفتح ريم عيونها ببطئ ولا زالت الدموع تتساقط منهما حتي تبللت الوسادة أسفلها لتجد الطبيبة تمسك بيدها وتقول بحنان:
"خفت لتستسلمي وتغيبي تاني لازم تبقي قوية عشان تتحملي الحياة وطول ما إنتي ضعيفة عمر منال ما كانت هتكون مبسوطة لازم تكوني قوية"
لتقول ريم بصوتٍ مبحوح يحمل في طياته كل هموم العالم:
"ممكن أشوفها للمرة الأخيرة"
ثم تبكي بحرقةٍ فهي من الأساس لم توقفت عن البكاء . لتقطع عليها الطبيبة هذا الأمل قائلة باعتذار:
"للأسف مش هينفع إجراءات الدفن تمت من ساعة"
لتبكي ريم أكثر ولكن بصمت تاركة العنان لذهنها ليتذكر الكلمات التي قالتها منال لا تريد أن يتحدث أحد مجدداً تريد أن يظل آخر صوت سمعته هو صوتُ منال.
_______________________________
بينما الطبيبة أخذت حبيبة وجني جانباً تحدثهما قائلة بملامح حزينة ونبرة جدية:
"ريم لازم ترجع البيت لو فضلت هنا إحتمال تلجأ للغيبوبة تاني بس كده مش هينفع تقعد لوحدها عشان مش هيختلف الموضوع كتير فأنا مش عارفه هنعمل ايه"
لتُجيب حبيبة بلهفة:
"أنا هقعد معاها وهحاول أبعدها عن أي حاجة ممكن تخليها ترجع تاني للغيبوبة"
لتتابع برجاء:
"أرجوكي إعملي أي حاجة وأطلبي مننا أي حاجة وكل اللي هتشوفي صح هنعمله بس مش عايزين ريم ترجع للحالة اللي كانت فيها تاني. لتحرك الطبيبة رأسها لأعلي ولأسفل بالإيجاب قائلة بأمل:
" قولو يارب "
______________________________
تعود ريم للمنزل مع جني وحبيبة تركهم للمشفي لتبكي ريم بصمت والدموع علي وجنتيها كشلال لا ينتهي لقد تذكرت كل شئ بمجرد تخطيها خطوة واحدة بالمنزل رأت ذكرياتها هي ومنال بكل شبر بالبيت ليرتفع أصوات شهقاقتها فتضمها حبيبة بقوة وقد كانت هي الأخرى توشك علي البكاء ولكن حاولت التماسك من أجل ريم ثم تأخذ جني الحقيبة وتدخلها إحدي الغرف ويأخذوا ريم ويصعدوا لأعلي ثم تعطيها حبيبة الإبرة المهدأة التي منحتها إياها الطبيبة لتنام ريم بعمق أخيراً بعد بكاءٍ متواصل لساعات لتستأذن حبيبة جني أن تذهب لمنزلها بسرعة بعد أن أكدت لها أنها لن تتأخر كثيراً.
___________(22)_______________(11)«سراب»
أحيانًا يجب علينا تحمل الواقع من أجل ألا نهوي بحاتنا في دروب الخيال أن تتصادم مع آلامك خير من تهرب منها إلي الخيال وستظل هي أيضاً تلاحقك أينما ذهبت.
_______________________________
تجلس السيدة زينب والدة حبيبة علي الأريكة ويبدوا علي ملامحها الغضب وعيناها تنفث النيران التي تصب مباشرة علي وجه حبيبة الجالسة بجانبها في صمتٍ تنتظر إجابة والدتها علي طلبها لتتحدث زينب قائلة بحنق ونبرة غاضبة:
"يعني إنتي عايزة تقوليلي إنك هتعيشي مع صحبتك وتسبينا لأ ومضايقة إني بتكلم بعصبية عايزني اي أستقبلك بابتسامة وأقولك وفيها اي لما تقعدي مع صحبتك وتسبينا".
لتعلِقّ حبيبة علي حديث والدها بهدوء واحترام شديد:
" يا ماما أنا مقلتش حاجة عارفة إن من حق حضرتك تضايقي لكن أرجوكي تتفهمي الوضع إنتي عارفة أنا بحب ريم قد ايه ودلوقتي هي معهاش حد بعد جدتها ومينفعش تقعد لوحدها عشان متىجعش للغيبوبة تاني "
لتصمت زينب قليلاً دون أن تتحدث فهي تعرف كل ما مرت به ريم ولكنها أيضاً غير مقتنعة بأن تسكن حبيبة خارج المنزل ولكن رقّ قلبها لحال ريم ففضلت أن تصمت ولا تُجيب لتتحرك حبيبة وتجلس علي الأريكة الأخري بجانب والدها وتتكلم برجاء:
"بابا لو سمحت أرجوك توافق دي بقت صحبتي الوحيدة لو سمحت لازم أقف جمبها"
كانت ملامح والدها حسن لا تبدي ما يفكر فيه فصمتت قليلاً تنتظر إجابته ليتحدث هو بحنان بعد تغير ملامحها إلي وجهٍ بشوش وابتسامة دافئة مليئة بالحنان ليقول:
"وأنا موافق يا حبيبة بس تبقي تيجي هنا كل يوم تعرفينا أحوال ريم اي وانتو عايشين ازاي"
لتتحول ملامح حبيبة إلي السعادة وتبتسم بفرح ولكن تتلاشي تلك الابتسامة سريعاً عند حديث والدتها بغضب:
"لأ طبعاً مش ممكن تعمل كده إنت بتقول ايه يا حسن هتسيبها تعيش مع ريم شهور وبعدها بشوية تبقي سنين أكيد لأ صح"
لتقول لها حبيبة راجيةً إياها:
"يا ماما أرجوكي"
ليقطعها صوت والدها الصارم ليقول حسن بصوت جهوري قوي وينهي النقاش:
أنا وافقت خلاص وحبيبة لازم تكون مع ريم الوقت ده أومال هي صاحبتها ازاي وده أخر كلام خدي شنطتكوروحي عند ريم يا حبيبة "
لتقف حبيبة وتقبل رأس والدها ووجنتيه وتتجه نحو والدتها وتقبل كفيها لتبتسم لها والدتها ابتسامة بسيطة رغم اعتراضها وتذهب حبيبة إلي منزل ريم.
_______________________________
تجلس جني بجانب ريم التي غفت منذ قليل ترتل بعض أيات القرآن لتسمع صوت جرس الباب لتذهب وتفتحه لتجد الطارق ليس إلا حبيبة فتدلف حبيبة للداخل وتسألها بحزن:
"ريم علملة اي دلوقتي"
لتجيبها جني بحزن هي الأخري:
"زي ما هي قامت بعد ما إنتي مشيتي بشوية وقعدت معاها وكلمتها شوية بس الحمدلله مدركة اللي حواليها وبتتكلم بس مرضيتش تاكل فمردتش أجبرها"
لتحرك حبيبة رأسها بالإيجاب وتردف باهتمام:
"إنتي معانا طول النهار يلا روحي إنتي وأنا هقعد معاها عشان تبقي تيجي إنتي تقعدي معاها وأنا في الشغل"
لتعقب جني علي كلامها:
"أنا استأذنت من بابا إني أفضل معاها النهاردة فمش هروح"
ثم تصعدان وتذهبان للنوم في غرفة ريم كلٍ منهما علي أريكة.
_____________(23)______________
تمر ثلاثة أشهر وحال ريم لم تتحسن دائماً حزينة وقد شحب وجهها نتيجة لنقص الغذاء ولم تذهب للجامعة لتكمل دراستها فقط تجلس قليلاً من اليوم مع حبيبة و جني اللاتي لم تفارقها واهتمتا بها لحد كبير. ليأتي يوم وتكون فيه ريم نائمة وحدها في غرفتها فتسمع صوتاً حنوناً تحبه يحدثها ويقول:
"ريم إنتي ضعيفة كده ليه مش هتقومي وتبقي قوية بقي وتحطمي كل قيود الحياة لازم تنسي لازم تهتمي بمجهود حبيبة وجني وتحسسيهم إنهم عملوا حاجة ريم أنا متعودتش عليكي كده إنتي لازم ترجعي زي الأول أأقصد أحسن من الأول لازم تثقي بنفسك وترجعي تحبي الحياة وترجعي ريم البنت اللطيفة اللي قبلتها قبل كده"
لتشعر ريم بدموع ساخنة تسقط علي كفيها وتشعر بدفئ يدها وكأن أحدهم يحتضن يدها لتفتح عيناها وتقول بلهفة:
"يزن"
ولكن تتحطم آمالها عندما تستيقظ وتجد الغرفة فارغة ثم تبتسم ابتسامة جانبية ساخرة علي تلك الأوهام التي تلاحقها لتقرر أن تفرج عن نفسها فقررت أن تخرج لحبيبة وجني وتجلس وتأكل معهم ولكن قبلها خطر ببالها أن تتوضأ وتصلي ركعتين لتشكي همها للّه الذي لن يفرج كربها إلاه وبالفعل فعلت ذلك وأخذت تتوضأ وتصلي وجلست قليلاً تناجي ربها حتي انتهت وشعرت بعدها بالارتياح فهبطت للأسفل لتجد حبيبة جالسة أمام طاولة الطعام وبيدها كتاب تقرأه بينما جني تقف علي مدفأة الطعام تحضّر بعض الطبخات لتبتسم لهم وتقول:
"أنا جعانة"
لترفع حبيبة عينها من الكتاب وتنظر لها كثيراً وقد شعرت بأنها ستقفز من الفرح لتنهض بسرعة وتحتضن ريم وتأخذها وتزيح لها أحد المقاعد الموجودة علي الطاولة لتأتي جني نحوها وهي تبتسم ابتسامة واسعة وتقول بسعادة كبيرة:
"حالاً ويكون الأكل جاهز" لتمر دقائق وتكون حبيبة وجني يضعون الأطباق علي الطاولة فتقوم ريم لمساعدتهم ويجلسوا معاً ويتحدثوا في مواضيع متنوعة مع فكاهة جني وخلافها مع حبيبة محاولتان الترويح عن نفسية ريم ليمر اليوم ويحل الظلام ويخلدو للنوم معاً. بعد أن إستأذنت جني والدتها في المبيت اليوم.
_________(22)_______________
أنت تقرأ
طيفٌ مرّ بخاطري
Mystère / Thrillerقد نحتاج للإهتمام والحب ولا نجده لذلك قد يأتي الوقت ونتصنعه