الفصل الأول : بداية نهاية البداية

56 15 17
                                    


الأرض بالفعل أكملت نصف دورة حول الشمس و حرارة منتصف يوليو تلفح وجوهنا مباشرة حين خروجنا بعد اتمام آخر امتحان  تهنؤنا بانتهاء أطول عام دراسي حد الآن.
أقول عام وليس سنة لأنه كان عام جميل و ممتع حقا.

أوَدِّع زملائي بقليل من المشاعر الجياشة ونتواعد على أن نلتقي في بداية العام المقبل ونحن بأفضل حال.
التقطنا الكثير من الصور لننشرها في مواقع التواصل لاحقا لتخليد ذِكرانا التي لن يبالي بها أحد بعد مئة سنة في حين قدماي تؤلمانني من ارتداء الكعب طوال الصبيحة ويجب أن أتحمل الألم بقية اليوم.
ذهبنا أنا وصديقتاي لتناول الغداء ثم لشراء المثلجات لأننا نعتقد أننا نستحق مكافأة اتمام مرحلة دراسية بكامل قوانا العقلية ونجاة صحتنا النفسية.

بعد التجول هنا وهناك وبداية الصداع قررنا انهاء رحلة اليوم.
عندما هممت بتوديعهما شعرت بذلك الإحساس الغريب لكون شخص ما يراقبني ألتَفِت خلفي وأنظر حولي لأجد كل المارة مهتمين بشؤونهم الخاصة فأحاول التركيز مجددا مع حديثنا ولكن الشعور الغريب يعود مجددا كأنَّ ثِقلا ما مُعلّق بظهري.
ألتفت مرة ثانية ولا أجد شيئًا.

-حسنا اذا نلتقي في المرة القادمة
-عطلة سعيدة
- عطلة سعيدة

في لحظة لا وعي أرفع عيناي نحو الجسر و بشكل مباغت شخص ما يتراجع للوراء مختبئا،كل ما استطعت رؤيته هو كم قميصه بنقسجي اللون،في الحقيقة لم أُلقِ بالاً للأمر،لربما هي صدفة فقط أو شخص أعجب بي و تردد.

أجر قدماي المتورمتان بصعوبة أحارب الضغط والرطوبة لألحق بالحافلة.
أريد مقعدا بعيدا عن الضوضاء قدر الإمكان لهذا اختار مقعد خلفي منعزل.
عادة أفضّل أن أتأمل الطريق عوض الإنشغال بالهاتف،أحب الأفكار التي تخطر لي بينما أشاهد الطبيعة وكيف تتناسب ألوانها،أحب رؤية الناس وهم مبتسمون،وهم يتحدثون مع بعض،وهم منشغلون بحياتهم،فهم يبدون مسالمين و لطفاء.
و لكن اليوم مختلف،كل الناس هرعت لبيوتها هربًا من الجو المريخي الخانق والقلة التي أُجبِرَت على الخروج مثلي فهم يجُرُّون أقدامهم بصعوبة أيضا يرتدون وجوها عابسة بأعين ناعسة.

لهذا اخترت اليوم أن اكتفي بعبوسي الخاص وأنشغل بهاتفي،أنتقل من تطبيق لآخر أحاول تشتيت عقلي عبثا،لنلقي نظرة على الصور التي التقطناها .. طبعا يجب أن تكون هناك العديد من اللقطات الغريبة والصور العقيمة حتى أحصل على صورة واحدة جميلة،حقا كم أتمنى أن تطول أيامنا السعيدة هاته.
أحب التقاط الصور ومشاركتها،كل صورة تحكي ذكرى معينة و في كل مرة أشعر بالحزن أو أنّ حياتي ليست بتلك الأهمية التي تدفعني للاستمرار أفتح ألبوم الصور و استقبل سيل المشاعر الجميلة التي ترسلها كل ذكرى من كل صورة،بما أنني اختبرت كل هذه اللحظات السعيدة فما الذي يمنعني من عيش لحظات أكثر سعادة؟
عزيزي القارئ أعلم أنك تريد أن تتعرف على من يقصُّ عليك تفاصيل حياته و أتفهَّم فضولك حول هويتي ولكنني أخبرتك قبل قليل عن حالتي التي يرثى لها وأرجو أن تأخذ بعين الاعتبار أنني للتو أكملت عاما دراسيا دام عشرة أشهر،لهذا أتمنى أن تصبر معي إلى أن أصل إلى البيت كي يتسنَّى لي تقديم نفسي بشكل يليق بمقامك.

ما هذا؟ لماذا من بين جميع الصور توجب على المارة أن يفسدوا صورتي الوحيدة وحيدة! كم أتمنى أن أجد صاحب القميص البنفسجي هذا وأنتقم منه،أردت بشدّة أن أشارك هاته الصورة و الآن عليّ أن أمضي ساعة بأكملها أعدّل في الخلفية و...ماذا؟ قميص بنفسجي!
هل من الممكن أن يكون..لا مستحيل،هل يُعقَل أنه نفس الشخص الذي شككت فيه أنه كان يراقبني قبل قليل؟

في مواقف كهذا أظن أنه يتوجب عليّ أن أشعر بالخوف أو القلق لكن جرعات الأدرينالين لها رأي آخر..أشعر بالحماس!
قبل مدة حينما كنت أمر بوقت عصيب في كل مرة أكون بصدد ان أُمتحن تبدأ اضطرابات معدتي وركبتاي تقرران أن طفح كيلهما من حمل وزني وأشعر بتوعك..كلها علامات الخوف والضغط.
إلى أن قررت أن أخدع عقلي كَذِبا أنني أشعر بالحماس وأستمر بالتفكير أنني متشوقة لمعرفة نوع الأسئلة و هل رهاني حول عناوين الدروس التي سيكون عليها أكبر قدر من النقاط صحيح،و في كل مرة أنجح في خداعه لأن العقل لا يفرق بين الخوف و التشويق فكلاهما يؤديان إلى إفراز الادرينالين.

لكن هذه المرة أشعر أنني أخدَعُني،المواقف التي تهدد حياتي يجب أن أستغل فيها عقلي ليساعدني على الهروب لا أن أستقبل الخطر بأعين لامعة وابتسامة ناصعة.

ألقي نظرة تجسسية على الركاب أبحث عن لون الخطر الجديد..اللون البنفسجي. أرغب بتقبيل وجنتاي لأنني اخترت آخر مقعد وإلّا لوَجَدْتَني استمرُّ بالالتفاف خلفي في كل مرة تتوقف الحافلة لصعود الركاب.

-"حسنا نحن بخير"
قلت محاوِلةً تهدئة نفسي

-"لا بأس،قد تكون مجرد صدفة،أصلا لون البنفسج لون جميل يروق لكثير من الناس،أنتِ بأمان..موقف الحافلات مباشرة مقابل الواجهة الأمامية لمنزلك،الوقت اللازم لقطع الطريق لن يكفي كي تتعرضي للقتل بطريقة مأساوية درامية ".

قضيت بقية الطريق ألتف يمينا كل ثانيتين لعلّه يظهر من العدم يقوم باخفاء جميع الركاب بفرقعة اصبعيه ثم نبقى بمواجهة بعضنا البعض بينما الحافلة تواصل طريقها و تتسارع؛ كائن رباعي الأبعاد بقدرات انتقالية خرافية بمواجهة...نانوغرام واحد من الأدرينالين الحماسي؟ رائع،لقد انتهى أمري.

لا لم ينتهِ بعد،ما زال يجب عليّ أن أجتاز عدّة اختبارات،لا يمكن أن أموت قبل أن ينتهي مشواري الدراسي،يجب أن أعيش بأي ثمن .
لربما هو شخص أعرفه يقطن قريبا من هنا و يرتاد نفس الكلية وأنا أبالغ بردة فعلي،أقوم بتكبير الصورة لعلِّي أتعرف على ملامحه ولكن الكاميرا ليست بتلك الدقة العالية.

💫💫يتبع💫💫

الفصل الأول بنفس طولي بصح معلش ... أريد اختبار ردات فعلكم على الرواية بشكل عام.

تأثير الفراشةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن