عيناي تبحث عنك

29 4 0
                                    


كانت الفتاة جالسة على مقعد في المكان المخصص للإنتظار في المطار الدولي كانت قد وضعت ساقًا فوق الأخرى، وقدمها اليسرى تتأرجح بلطف إلى الأمام والخلف، مما يعكس نفاد صبرها قليلاً. كانت تمسك هاتفها بإحكام في يدها اليمنى بجانبها سترتها موضوعة بعناية على المقعد المجاور، تنتظر فقط أن تُلبس.

المطار كان مليئًا بالحركة، نابضًا بالحيوية بسبب المسافرين و الإعلانات التي كانت تصدر من مكبرات الصوت تنادي المسافرين لتسجيل وصولهم والتوجه إلى بوابات الصعود. كانت أصواتهم تختلط مع ضجيج العجلات المتدحرجة على الأرض، وخطوات المسافرين المستعجلة.

كان يمكن أيضا سماع أصوات محركات الطائرات، بينما كان الصفير الناعم لأبواب الجسور الكهربائية للصعود يتردد من حين لآخر مع أصوات الإقلاع والهبوط البعيدة.

وسط كل هذا الضجيج كانت الفتاة المستغرقة في هاتفها معزولة جزئيًا عن الأصوات المحيطة بها. بدت وكأنها في عالمها الخاص مشغولة فيما تراه على الشاشة. من حين لآخر، كانت ترفع عينيها لتراقب المارة، ربما تبحث عن شخص مألوف بين كل هذه الوجوه المجهولة ؟

بعد بضع لحظات، وضعت هاتفها بعناية في جيبها وأمسكت بسترتها. وقفت برشاقة و هي تحمل حقيبتها واتجهت بخطى ثابتة نحو بوابة الصعود التي تم الإعلان عنها لرحلتها. بدا أن الأصوات المحيطة تتلاشى بينما كانت تركز على رحلتها المقبلة.

اجتازت ممرات المطار، متبعةً اللوحات التي تشير إلى بوابة الصعود الخاصة برحلتها. كانت تمشي بسرعة، متجنبةً المسافرين الآخرين. الأضواء كانت تضيء الممر عند وصولها إلى البوابة. قدمت تذكرتها بعد أن تمنى لها موظفو المطار رحلة سعيدة.
في الداخل كان الجو مختلفًا قليل. كان الضجيج أخف من قبل،البعض يقرأ، البعض الآخر يتحدث بصوت منخفض. و الطاقم كان منشغلًا بإجراء التحضيرات الأخيرة قبل الإقلاع.

وجدت الفتاة أخيرا مقعدها، الذي كان بالقرب من النافذة. وضعت الحقيبة على الأرض وجلست بشكل مريح. بعد أن ربطت حزام الأمان، نظرت من النافذة لوهلة. كانت الرؤية ممتدة على مدرج الإقلاع، مع الطائرات التي تتحرك. حتى غروب الشمس كان يلون السماء بلوحة من الألوان الدافئة، كان المشهد الذي ينعكس على عينيها مشهدًا ساحرًا.
بدأت الطائرة بلإقلاع وانفصلت العجلات عن الأرض تدريجيا. نظرت من النافذة، كان المطار يبتعد، وأضواء المدينة تتلاشى ببطء في هذا الليل العاتم . العالم الخارجي أصبح أصغر فأصغر بينما كانت ترتفع في السماء بعيداً.

وضعت رأسها على مسند المقعد وأغلقت عينيها، محاولةً الاسترخاء. يديها استقرتا بلطف على مساند الذراعين، كل واحدة منهما تمسك بالحافة، تنفست بعمق، تاركةً أفكارها تتجول في زوايا عقلها. تعابير وجهها كانت تتغير مع تطور أفكارها. أحيانًا، كانت تضيء وجهها ابتسامة عابرة، تعكس بروز فكرة ملهمة أو إدراك معين. في أوقات أخرى، كانت تظهر على عينيها لمعة تركيز، تبرز انغماسها التام في هذا الحوار الصامت.

بعيد كالقمَر (نسخة مترجمة Loin Comme La Lune)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن