طَيْفٌ يَطَارِدُنِي

1 0 0
                                    

أَجْلِسُ بَيْنَ الحَشُودِ، تُرَاقِبُ أَنْفَاسِي المُتَسَارِعَةَ الَّتِي تُسَابِقُ قَلْبِي المُتَلَهِّفِ، فَقَدْ خَدَعَنِي عَقْلِي المَوْهُومُ مِنْ كَثْرَةِ شَوْقِهِ لِرُؤْيَةِ حَتَّى ظِلِّكَ، أَكَادُ أُقْسِمُ رَغْمَ رُؤْيَتِي لظَهْرِكَ فَقَطْ أَنَّكَ أَنْتَ...
قَلْبِي يَقْفِزُ مُتَجَاوِزًا ضُلُوعِي كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً يَوْمًا، يَتَجَاوَزُ كُلَّ التَّفْكِيرِ المَنْطِقِيِّ وَيَهْرَعُ لِيَبْحَثَ عَنْ يُقِينِهِ أَنَّ مَا تَرَاهُ عَيْنَايَ هُوَ أَنْتَ لا وَهْمَ اشْتِيَاقِي... 
أُحَاوِلُ التَّشَبُّثَ بِمَا تَبَقَّى مِنْ رَزِينَتِي المُصْطَنَعَةِ، وَأَتَلَّصَقُ بِكُرْسِيِّ الَّذِي أَجْلِسُ عَلَيْهِ حَتَّى شَعَرْتُ أَنَّنِي أَنْصَهَرْتُ مَعَهُ، كَأَنِّني أَرْجُوهُ أَنْ يُكَبِّلَنِي فَلَا أَتَهَوَّرُ وَأَرْكُضُ إِلَى حِضْنِكَ الَّذِي اشْتَقْتُ إِلَيْهِ،
أَسْتَنْشِقُ رَائِحَةَ أَيَّامِكَ الَّتِي قَضَيْتَهَا بَدُونِي، أَرْتَشِفُ مِنْ عَيْنَيْكَ حَنِينًا أَدْعُو أَنْ يَكُونَ عَالِقًا، حَنِينًا لَنَا لِضَحَكَاتِنَا لِنِقَاشَاتِنَا لِأَحْلَامِنَا... 
أَتَوَسَّلُ مَا بَقِيَ بِعَقْلِي مِنْ مَنْطِقٍ أَنْ يُعِينَنِي لَأَتَحَمَّلَ هَذِهِ الثَّوَانِي الثَّقِيلَةَ حَتَّى الْمَحَطَّةِ التَّالِيَةِ فَقَطْ، أَوْ حَتَّى أَجِدَ مَصْدَرَ إِلْهَاءٍ فَلَا أَجْعَلَنَا مَسْرَحِيَّةً تُسَلِّي الرُّكَّابَ، 
دَعْنِي أُخْبِرُكَ سِرًّا، أَنَا أَجْنُّ بِبُطْءٍ 
عَقْلِي يَتَنَازَلُ عَنْ أَشْلَائِهِ كُلَّ يَوْمٍ، يَلْحَقُ قَلْبِي الْمُتَهَالِكِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَتَابِ، فَيُشَغِّلَانِ مَعًا أَمْرًا بِالتَّدْمِيرِ الذَّاتِيِّ... 
عَلَّنِي أَسْتَحِقُّ ذَلِكَ؟! 
عَلَّنِي تَسَرَّعْتُ؟! 
فَقَدْ كَانَتْ لَحَظَاتِي مَعَكَ أَجْمَلَ مَا أَذْكُرُ مِنْ ثَوَانٍ رَغْمَ أَنَّهَا سِنِينَ 
أَعُودُ لِاخْتِلَاسِ النَّظَرِ وَأُدَقِّقُ 
أَنْتَظِرُ أَنْ تَعْرِفَنِي وَتَرْكُضَ إِلَيَّ 
رُبَّمَا شَوْقُكَ أَقْوَى مِنْ شَوْقِي 
أَوْ أَنَّهَاكَ أَكْبَرُ مِنِّي فَلَا تَقْوَى عَلَى الْمُقَاوَمَةِ 
رُبَّمَا تَنْسَى الْحَوَاجِزَ الَّتِي لَا أَسْتَطِيعُ تَنَاسِيَهَا وَتَخْطَفَنِي إِلَى نِعِيمِنَا الْأَبَدِيِّ، أَوْ لَأُخْبِرَكَ الْحَاقِقَةَ أَنَا لَا أُكْتَرِثُ وَإِن كَانَ جَحِيمًا، فَحَيَاتِي الْآنَ دُونَكَ جَحِيمٌ أَبَدِيٌّ أَفْرَقُ فِيهِ فِي مُسْتَنقَعٍ مِنَ النَّدَمِ، تَتَسَبَّحُنِي فِي كُلِّ خُطْوَةٍ طَحَالِبُ الْمَاضِي إِلَى أَعْمَاقِ الْبَؤْسِ 
تَنْظُرُ إِلَى الْخَلْفِ، يَتَسَارَعُ قَلْبِي وَيُحَاوِلُ عَقْلِي إِرْغَامَ عَيْنَيَّ عَلَى الْخُضُوعِ إِلَّا أَنَّ الأَخِيرَتَيْنِ تَأْبَيَانِ الْانْصِيَاعَ 
أَنْظُرُ إِلَيْكَ، أَنْظُرُ فِي عَيْنَيْكَ، أُرْسِلُ عَتَابِي... 
تَرَانِي 
تَبْتَسِمُ 
ثُمَّ تَلتَفُّ فِي لَحظَاتٍ مَا أَتَمَّتِ الثَّوَانِي 
أَدْرِكُ فِي الْحَالِ 
أَنَّهُ لَيْسَ أَنْتَ 
أَدْرِكُ أَنَّنِي أَرَى طَيْفَكَ فَقَطْ 
فِي كُلِّ الزَّوَايَا 
أَدْرِكُ بَعْدَ مُكَابَرَةٍ وَصِرَاعٍ 
أَنَّنِي جُنِنتُ

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Oct 04 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

عشوائياتيWhere stories live. Discover now