تجار السعادة(١)💚

25 1 0
                                    

ياسمين؛ هذا هو اسمي الذي نسبه أبي إلي، وإن كان لا يعلم أنني سأحبه بشدة، فقد كانت أمي تعشق زهور الياسمين، حتي أنها كانت دائماً ما تحلم أن تملك حديقة صغيرة لتملأ أرجائها برائحة الياسمين الطيبة، لكن ليس كل حالمٍ موقنًا بتحقيق حلمه، فهناك من يطلبه الله جواره قبل أن ينل حلمه، وآخر تقوي عليه الحياة، فيتنازل عن مراده، ويتملك منه اليأس؛ أما الأول فيكفيه أنه عاش مصدقًا حلمه، موقنًا بلوغه، عاش قوياً، لا يقدر اليأس أن يطرق بابه؛ أما الثاني فلا حديث عنه، فقد عاش يوهم نفسه بحلم، ليس بمصدقه، ولا هو موقن به، فكيف له بصدق السعي تجاهه؟!
هذا ما كتبته في أول صفحة في مذكرتي الصغيرة، والتي أعشق الحديث معها، لأبثها آهاتي وأحزاني..
قاطعها صوت دقات علي باب غرفتها، لتجيب بهدوء، محاولة تمالك نفسها بعد تأثرها بتذكر والدتها التي لم ترها في حياتها قط.
ياسمين: اتفضل.
الأب بمرح: ياسمينتي بتعمل إيه ؟!
ياسمين بابتسامة بسيطة: ولا حاجة يا حبيبي، اتفضل يا بابا، خلصت شغلك؟!
الأب: لا مش هروح شغل النهاردة، أنا قررت أفضي النهاردة لبنوتي، عايز أتمشي معاها شوية، هل تقبل أميرتي؟!!
ياسمين بفرحة شديدة: أجل يا سيدي، اسبقني وسألحق بك علي الفور.
الأب: اتفقناااا يا مولاتي.
ليتشاركا في ابتسامة صادقة، حفرت في صخور الأرض بشدة كما النبتة الخضراء، لتخرج رغم الظروف نقية جميلة، لافتة للأنظار.
   💚اذكروا الله يا كرام، واذكروني بالدعاء💚
تتشبث بذراع والدها كطفلة وجدت لعبتها الصغيرة، فخشيت عليها من قسوة الحياة.
الأب: ياسمينتي عايزة تروح فين بقا؟!
كانت تعلم ظروف والدها، وضيق حالها، لا شك أنها كانت تتمني أن تزور هذا المطعم كما تري الجميع، وخاصة من هم في مثل عمرها، تريد زيارة أماكن جديدة، لكنها تحمد الله علي حالها، تحمده علي وجود والدها معها، وتقدر ظروفه، لم تشعره أبدا بضعف أو نقص، فلا شك أنه دفع الكثر كي يخرجها بهذه الصورة الطيبة.
ياسمين بفرحة: لا يا حاج، إنت عارف كويس إني بحب أتمشي معاك، عايزة نتمشي كدا في الجو البديع دا، وبعدين إيه رأيك نروح المكتبة نقرأ شوية.
الأب بفرحة: تصدقي، نسيت المكتبة خالص، عارفة يا ياسمينتي، في شوية كتب كنت بشوف ناس قاعدة بتقرأ فيهم وأنا شغال كدا من بعيد، أسماؤهم جذبتني أوي.
ياسمين بهدوء: إن شاء الله تلاقيهم يا حبيبي.
الأب: أجيبلك إيه تاكليه؟!
ياسمين: بجد مش محتاجة حاجة.
الأب: مش هينفع، علشاني أنا طيب.
ياسمين بنفاذ صبر وهي تحاول أن تجد شيئاً بسيطا وغير مكلفا: اقولك!
الأب يترقب: ها؟!
ياسمين: يلا نجيب فشار.
الأب: طلباتك بسيطة اوي ورقيقة زيك يا ياسمينتي.
ياسمين بغمزة: عايزة أتسلي يا حاج، حبة المشي والرومانسية دول محتاجين تسلية.
تركها والدها وذهب لشراء الفشار، بينما سرحت هي في والدها، تدعوا الله أن يديمه في حياتها، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب، تلك الدعوة التي تكررها مراراً، في سجودها، وقيامها، وأن يعينه علي حياته التي هي بالطبع شاقة عليه.
الأب: الحلو سرح تاني في إيه ؟!
ياسمين بمزاح: ولا حاجة يا حاج، أعطني الفشار يا سيدي، فالمعدة مشتاقة.
الأب بضحكة: حسنا حسنا، تفضلي يا أميرتي، ثم أكمل بطريقة طفولية مرحة: إلي أين الآااان؟!
ياسمين بنفس طريقته: إلي المكتبةةةةة، كم أعشق المكتبة!!
الأب بحب: وهي تعشق من يعشقها يا جميلتي.
   💚إن الله وملائكته يصلون علي النبي💚
تتنقل بين الكتب كأنها ملكة، ملكة رغم بساطتها، ملكة بهدوئها، ملكة بصدق علاقتها بالكتب، ملكة بكل ما قد تحتويه تلك الكلمة من معني، بينما كان والدها مندمجًا هو الآخر في جانب آخر مع بعض الكتب التي أحبها، وأحبته.
رفع عينيه من كتابه ناظرا تجاه ابنته التي كانت مندمجة بشدة في الكتاب التي أخذته، وأخرجت مفكرتها الصغيرة وقلمها؛ لتسجل الاقتباسات التي تروق لها كعادتها، ظل ينظر إليها بفخر وحب، حتي دمعت عينيه رُغما عنه حين تذكر زوجته، وآخر كلمة لها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي تدعوا الله بوهن، وصوت متقطع من التعب، تدعوا الله أن يبارك ابنتها، وأن يعيذها الشيطان، ويجعلها دائما سببا لدعاء من يراها لهم لا عليهم؛ مسح دمعته الهاربة، متجها بعينيه تجاه كتابه من جديد، سابحا بين ثنايا حروفه كما ابنته.
💚لا تيأس من روح الله ، واستبشر بعطاء الله💚
ذهبت إلي فراشها بعد أن تناولت العشاء ووالدها، لتسبح في عالمها الخاص من جديد، ممسكة مذكرتها الصغيرة؛ لتخط بأناملها الرقيقة ما يمليه عليها قلبها، وعقلها.
" لو علم الناس الكنز الحقيقي، الغني الفعلي، لتعجبوا مما كانوا عليه، ليست الحياة لباسًا باهظاً، ولا حياة بلا أتعاب، بل إن الحياة الحقيقية، والتي يجهل حقيقتها الكثير، هي تلك الحياة الجديدة التي تضيفها إلي حياتك، ثقافة جديدة تضيفها إلي ثقافتك، فتصبح أكثر استعداداً لمواجهة شتي ظروف الحياة، ليست الحياة هي من تصنعك، بل أنت التي تصنعها باختيارك لدربك الذي ستسلكه، فإذا أحسنت اختياره، فهنيئاً لك، وإلا!".
أنهت كلماتها؛ لتخلد في نومها، كي تريح جسدها استعداداً ليوم جديد، ومغامرة جديدة.
💚لو كان خيراً لبقي، فلا تحزنوا علي ما فاتكم💚
أيقظها مبكراً لتصلي فجرها حاضراً كما العادة، ومن ثَم تعد نفسها ليصحبها إلي كليتها، ويذهب إلي عمله.

تجار السعادة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن