بدأت الأيام تتسارع كعادتها، ليعود كل لحياته الطبيعية وان كان القلب يسير في طريق الحزن، خلاف ما تسير به الأنفس والملامح الظاهرة، إلا أن هناك حكمة أساسية وهي أن هذه هي سنة الحياة وطبيعتها، وما علينا إلا الانسياق خلف منحدراتها، واخفاء ما يحمله القلب داخله.
ياسمين بفرحة شديدة، وهي تدخل إلي حيث أبيها في المقهي، تقفز كما الأطفال بسعادة: بابا، يا بابا يا سيد الكل، بنتك دائما أولي علي الكل.
الأب بدهشة من دخلتها، تبعتها فرحة شديدة كفرحتها، بل أقوي منها، فدائماً ما تكون فرحة الآباء مضاعفة بنجاح أبنائهم: بجد يا دكتورتي، ظهرت النتيجة.
ياسمين بغرور مصطنع: طبعا يا سيدي، والأولي طبعا بفضل الله.
الأب: ألف حمد وشكر ليك يا رب، هذا ما اعتدناه من كرم الله علينا يا بنتي.
ياسمين بحمد: الحمد لله يا بابا والله، وخلاص فاضل علي الحلم تكة، حلمي وحلمك هيتحقق خلاص يا اجمل بابا بإذن الله.
الأب بفرحة: يلا نجهز فطائر كتيير، علشان النهاردة هيكون مجاني، وهنوزع علي الناس الماشيين في الطريق كمان.
ياسمين: بس يا بابا...
الأب: لا، مش بس، أنا مستني اللحظة دي من امتي يا بنتي، دا أنا لو كنت اقدر انحر دبيحة واوزعها مش هتردد، ثم أكمل بتذكر: يااااه يا ياسمين، عمر الفرحة الكبيرة دي ما زارتنا من وقت ما ختمتي القرءان!
ياسمين: الحمد لله يا بابا، صدقني الجاي كله هيكون خير بأذن الله، الصبر مفتاح الفرج، يلا بقا هدخل احضر الفطائر، ألقت جملتها الأخيرة وهي تشمر ذراعيها بحماس.
الأب: يلا يا قلب بابا، ربنا يعينك، وانا هطلع اشوف الزبائن.
💚صلِّ علي النبي وتبسم💚
كما هو منذ تلك الحادثة الذي لو حكي له أحد عن الذي قيل فيها لما صدق، إلا أنه سمع كلمات الشاب بأذنيه، فاخترقت قلبه كسهم بارد، يتحرك في غرفته ذهاباً وإياباً، أصبح الخوف صاحبا وحيدا له، أصبح يري رائحة الموت حوله في كل ثانية، رغم أنه قام بمسح كل تلك الأفلام الإباحية التي كانت منذ أيام تسكن تلك الغرفة مصاحبة معها لذة وفرحة مؤقتة، أحيلت اليوم بعذاب وخوف وهلع لا تقدر على تخفيفه ملاذ الدنيا بأكملها، رغم حذفها جميعها من الغرفة، واخفاء آثارها منها، إلا أن آثارها لم تمحي من القلب الجريح بعد، ولا من هاتين العينين التي أصبحت كسجن تختفي الدموع خلف بوابته الحديدية، وما أقسي حبسة الدموع!!
أمسك هاتفه بخوف، ليكتب تلك العبارة علي صفحته الشخصية علي الفيس بوك، "هو ممكن يقبلني؟!"، لم يكن يدري أن من هداه بعد ضلاله، وهداه إلي كتابة جملته هذه، يتابعه من فوق سبع سماوات، وسيرسل لطريقه من يأخذ بيديه، لم يكن يعلم أن الله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، وأنه إذا ما عزم الإنسان علي التغيير، وقرر أخذ خطوة في طريق القرب إليه سيتقرب إليه هو أيضا، فقط ما علي الإنسان إلا السعي، والاعتراف بالخطأ....
ما هي إلا لحظات بعد أن وضع هاتفه جانباً، ليأتيه صوت إشعار جديد، جعله يلتقطه مسرعاً ويكأنه يأبي الانتظار لحظة، فلربما تلك اللحظة هي النهاية، أيقن أنه لا فارق بين آخر نفس للإنسان وما يسبقه لحظات أو أقل...
فتح إشعار هاتفه ليجده تعليقاً جديداً من أحد لم يعرفه هو، إلا أنه لم يلتفت إلي صاحب التعليق، ليجد رسالة ظنها موجهة من الله له مباشرة....
👍"أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
👍"يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
👍"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون"
👍"إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حسنات"
مش هقول أي حاجة، آيات الله كافية يا صديقي، فقط اصدق التوبة، واجعلها توبة نصوحة، وتمعن في قراءة آيات الله، فكتاب الله أكبر دليل، وتذكر أنه من تقرب إليه ذراعاً، يتقرب إليه باعًا، ومن أتاه مشيًا، يأتيه سبحانه هرولًا، فماذا بعد؟!
عايز أقولك إن ربنا بيحبك، أنا مش صديق معاك لو بحثت، لكن سبحان الله مش عارف إزاي صفحتك جت قدامي مرة واحدة، علشان عيني تيجي علي رسالتك دي، وارد عليك في لحظتها، ربنا اللي بعتني ليك، وفعلا ربنا بيحبك، استقم، واستعن بالله، فربك غفور رحيم💚
شعر بضربات قلبه التي أصبحت تعلو وتهبط مسرعة، دموعه التي فتح الباب أمامها ليتيح لها الهروب من سجنها بعد حبسة دامت طويلا، شعر ببعض من الاطمئنان و الرضا الذي أصبح يحيط غرفته بعد خوف بكي القلب إثره، شعر بحب الله له، شعر بالندم علي تلك السنوات التي أضاعها دون التفكير في تجريب تلك اللحظة، تمني لو عاشها قبل الآن لما أضاعها منه أبدا، شعر اللذة الحقيقية ألا وهي لذة القرب من الله، والرجوع إليه، موقنًا أن اللذة لم تكن أبدا في المعصية، وانما المعصية لذة زائفة حتي تسقطك في بئرها، ومن ثم تريك ظلمته الحالكة، رائحته النتنة، لتظهر لك وجهها الحقيقي، لكن بعد فوات الأوان، فالخروج من البئر شديد الصعوبة، لكنه ليس محالًا إذا ذكرت الله في وحشتك، فهو أكرم منك.
قرر أن يتحدث مع هذ الشاب، ليعلمه أكثر عن ما يجب عليه فعله كي تكون توبته صادقة كما ذكر له.
أنت تقرأ
تجار السعادة
General Fictionياسمين؛ هذا هو اسمي الذي نسبه أبي إلي، وإن كان لا يعلم أنني سأحبه بشدة، فقد كانت أمي تعشق زهور الياسمين، حتي أنها كانت دائماً ما تحلم أن تملك حديقة صغيرة لتملأ أرجائها برائحة الياسمين الطيبة، لكن ليس كل حالمٍ موقنًا بتحقيق حلمه، فهناك من يطلبه الله...