الفصل الثاني "عودة للواقع .. عودة للجنون "

90 1 0
                                    

الفصل الثاني
"عودة للواقع... عودة للجنون "


عند انتظار الخلاص يكون الوقت ثقيلا ساخرا جامدا في بندول تلك الساعة الرثة التي تقبع في جدران تهالكت دهورا لتموت ضجرا كل مرة..
.
.
.

الجزء الأول

مشاعر ماضية
.
.
-"الحمد لله على سلامتها..ربنا يشفيها.. المسكينة تصعب على نغسي كثيرا لأنها لا تتحدث... "
-"الله يسلمك.. ستستطيع التحدث قريبا وستملا بيتنا صراخا أيضا أليس كذلك عزيزتي"
تقولها أمي لي وهي تنظر إلي أن أرد عليها بالايماءة "نعم" وإن ابتسم مجاملة ع الأقل أما أنا فجامدة لا ابتسامة ولا ايماءة ولا شي عدا التنفس والحملقة في وجوه الحاضرين..
-"اعذروها.. لا تزال متعبة قليلا "
تقولها أمي بابتسامة غيظ وهي تقود ذاك القطيع من النساء النمامات التي امقتهن حقا لكن ما باليد حيلة و أمي خيرا فعلت عندما اخرجتهن كنت سانقض عليهن واقطعهن اوصالا انتقم منهم لانهن كريهات المنظر ومجاملاتهن التي لا استسيغها أبدا.. لتدخل افواج أخرى كانني صرت مزارا فجأة ..
اكتضت الغرفة التي ارقد فيها بزحام النسوه وأمي وخالتي يستقبلن اسئلتهن ويجبن عليها بالكثير من الكذب لغرض الاستعطاف اما أنا فلا زلت موصولة بتلك الخراطيم مجبرة على الجلوس مكرهة عليه..

فهمت من أمي سابقا بعد ان افقت من غيبوبه دامت أسبوعا كاملا من حادثة الحمام إنهم اجروا علي عملية جراحية في معدتي ورقبتي إذ أصابها تشقق أدى إلى نزيف داخلي ربما كان بسبب المنظف الذي ابتلعته بكمية متوسطه ..
قالتها أمي ولم تتطرق لأي سؤال عن تلك الخطوه المجنونه التي أقدمت عليها وبدوري ظللت جامدة أنظر إليها في هدوء أخرس..
أما خالتي فظلت تعظني وتنصحني بعد أن انتهى تدافع تلك الافواج من البشر علينا وخلو المكان من تلك النمامات أن ما أقدمت عليه كان عملا شيطانيا وأن لا بد علي التوبة إلى الله وأن أحمد الله أنني لا أزال أتنفس لان الله بعث روحي لاعود صاغرة تائبة إلى آخر مواعظها التي لا تنتهي...
كنت استمع إليها مجبرة لا أستطيع التحدث والكلام وحتى الحركة وإلا كنت اقترفت جريمة أخرى في حق نفسي لاخرسها هي الأخرى لا مفر منهم تلك المخلوقات الثرثارة كنت أشتهي هدوءا كتلك الغرفة التي رأيتها في كوابيسي لكنهم لا يرغبون بتلك الراحة لامثالي...

بقيت يومين كاملين بعد استيقاظي نستقبل افواج النسوة بأوقات الزيارة المحددة أما بقية اليوم فكنت أما نائمة وإما مجبرة على الإصغاء لمواعظ خالتي أما أمي فتأتي مع الافواج لتبيت عندي ثم من الصباح تعود للمنزل لأجل العمل إذ أنها كانت تعمل في مشغل خياطه بدوامين فكانت مضطرة لتذهب ثم تعود بالتناوب مع خالتي... لو أن أبي كان حاضرا لكانت أمي مرتاحة من عناء التشتت هذا وربما لم أكن لأصل إلى هذه الحال أبدا.. ومن هو أبي ع أيه حال .. كان سيغترب كالباقين تاركين نساءهم يتجرعن مرارة الكدح كأنه مصير علينا تجرّعه عاجلاً ام آجلا فأبي اغترب عندما كنت في الخامسة من العمر وكنا سعيدين جدا لاننا صرنا ننعم بحال أفضل فدرّ علينا المال بعملة لها قيمتها لاكثر من سبع سنوات لكنه تعرض للقتل في آخر مرة يسافر فيها وفقدنا أحد الشمعتين بمنزلنا ليلحقه أخي في غياهب الضياع ومع ذلك ما يصل إلينا من المساعدات الخيرية لا يشق الرمق فمتطلبات الحياة تزداد مع الأيام خصوصا وأن الأحداث من حروب وغيرها كانت لتصعب علينا حياتنا أكثر لكن ما الحل غير الصبر وتحمل مشاق عناء هذه الدنيئة..

لم يسمح لي بالتحدث بسبب الجرح العميق برقبتي لذلك كنت مضطرة لاتواصل مع من حولي إذا كنت أحتاج شيئا ما أن اكتبه في دفتر احضروه لي وبدوري وبدافع الملل اغرقت صفحااته برسوماتي وخشابيط تستدعي أسئلة قريبي الفضولي "عمار" ذي العشر سنوات ماذا ترسمين ماذا يعني هذا وماذا يعني ذاك اما أنا فاستمتع باسئلته في صمت أخرس اكتب له ضحكتي أو اقوم برسمها برسومات كاريكاتورية إذ كنت اجيد الرسم نوعا ما وكانت من ضمن رسوماتي فتاة البخار كما اسميتها ..
دائما ما كنت ارسمها بتلك العينين في وضعيات مختلفه وزوايا رؤية مغايرة في كل مره لقد اسرتني حقا بغموضها لا أدري إن كان ما رأيته في غيبوبتي كانت له علاقة بالواقع لكن كنت أتوق في كثير من الأحيان آن أراها مجددا لاتفحص تفاصيل وجهها فارسمه بدقة.. وربما أستطيع من خلالها السؤال عن ماهيتها..

-"نهاية حبيبتي اتحتاجين شيئا احضره معي! "
تقولها أمي بكل حنان دافئ التفت إليها مع قولها ذاك كنت أحتاج لمثل هذا الدفء منذ زمن فامسك يدها واضعها على صدري فوق قلبي المتجمد من أثر الوحدة لتدمع عينيّ فجأة وأبكي خرساء وأمي بدورها وحالما رأتني هكذا بكت وحظنتني في قوة كأنها تعتذر لي عن انشغالها عني فأنا من بقيت لها من رائحة أبي والذي تزوجته عن حب بعكس الاخريات بقريتنا لهذا كنّ كثيرا ما يكدن لها المكائد كما كانت تحكي لنا أنا وأخي عندما كنا نجتمع على سطح المنزل مع انطفاء الكهرباء والسهر ع الشموع أو ضوء القمر الباهت كما عودانا أبي وأمي زمنا طويلا..
ظللنا على هذه الحال بضع دقائق حتى دخلت علينا خالتي التي أتت لتحل محلها لرعايتي ..
-"حبيبتي حالما تتحسن حالتك سنسهر معا كما كنا سابقا وسأعد لك المعكرونه بالفرن هذه المرة باللحم التي تحبينها " تقولها لي وهي تنظر بعينيها المغرورقتان دموعا وابتسامتها السعيدة لعودتي وبدوري ابتسمت لها بكل سعادة وقتها وجدت تلك اللذة في تبادل مشاعر الحب مع أمي للمرة الأولى منذ وفاة أبي..
-"كم أنتي جميلة عندما تبتسمين! "قالتها أمي وقبلت رأسي بحب ثم احتضنت خالتي بطريقها للخارج واخبرتها كلام لم اسمعه تماما كنت شاردة الذهن أفكر بما شعرت بها حينها استلذذت بمشاعر غابت عني كثيرا ألهذه الدرجة صرت بليده!
وفجأة وبدون أي سابق إنذار وجدت نفسي أغرق في ظلام اعوم فيه لا أرى ولا اسمع شيئا عدا هدير المكيف "أين انا؟!" ماذا حدث أين اختفت الغرفه وأمي وخالتي ولاتفاجأ برؤية بخار أبيض يتشكّل أمامي بأشكال عجيبة حتى اتفاجأ بفتاة البخار ذاتها التي رايتها في حلمي..
ظلت تنظر لي فترة قبل أن تنطق دون تحريك شفتيها وابتسامتها التي بعثت لنفسي مزيدا من الخوف والدهشة حين سألتني "ماذا كنتي تشعرين عند تقبيل أمك لك! "
-ماذا؟! .....


أنفاس باردةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن