البارت 1(هروب)

594 23 19
                                    

في إحدى ليالي الشتاء الباردة، وبينما كانت الأمطار تهطل بغزارة والرياح تعصف بقوة، ركضت تحت المطر بكل قوتها. كلما سمعت اقتراب أصواتهم، زادت سرعتها حتى شعرت بانقطاع أنفاسها وتعثرت، وسقطت عدة مرات بسبب الطين. أثناء جريها في ظلام الليل وتحت المطر، شعرت بشيء حاد يخترق قدمها دون أن ترى شيئًا. تأوهت بألم مكتوم ثم وضعت يدها على فمها لكتم أنفاسها. جلست على الأرض متنهدة بقوة ودموعها تنهمر كالشلالات. لمست قدمها بيدها ثم سحبت ما اخترقها، وضغطت على الجرح بيدها شاعرة بألم شديد. فجأة، سمعت صوتًا يقترب، فحاولت تمالك نفسها ووقفت بصعوبة شديدة، ثم استمرت في المشي رغم الألم الذي كاد يهلكها. لم تعد تحتمل ما يحدث، فقد نزفت قدمها بشدة وفقدت قوتها من الركض، فصارت تتمايل أثناء المشي، وكلما حاولت أن تخطو خطوة سقطت في الطين، ثم تنهض بمجهود وتستمر في السير. ولكن في لحظة ما شعرت بدوار، وتلاشت الرؤية أمامها، وسمعت بعض الأصوات تقترب منها، ومن حسن حظها لمحت ضوءًا قريبًا منها فاتجهت إليه بصعوبة بالغة حتى اقتربت منه ووجدته منزلاً صغيرًا. طرقت الباب بقوة وهي ترتجف. ببطء فتح الباب، وظهر شاب من ورائه مغطى الرأس والوجه، حيث لم يكن مرئيًا منه أي شيء. قبل أن تفهم الموقف، سمعت صوتًا يقترب، فهرعت نحو الداخل وتركت الشاب يقف في مكانه.

عندما سمع صوت أقدام تقترب من المكان، أغلق الباب بسرعة واندفع نحو الداخل. وجدها تقف في أحد زوايا الغرفة، حيث كان جسدها يرتعش من برودة الجو والماء يتقطر من ثيابها. وكانت الدماء تغطي قدمها النحيلة، اقترب من المصباح المتوهج على إحدى القطع الخشبية، ثم أغلق الضوء وجلس يتأمل من خلال النافذة، لكنه لم يرَ شيئًا بسبب الظلام الغامض. بقي ينصت حتى سمع ابتعاد أصواتهم، ثم صاح بصوت مرتفع وقوي، قائلاً:

-أنتِ مين ؟ و مين يلي بعثكّ؟

نظرت له بهلع وهي تعبر عن ألمها بأنين، وهزت رأسها برفض. اندلع غضبه عندما تجاهلت سؤاله، فاقترب منها بغضب وأضاء المكان. وكلما اقترب منها أكثر، انتفض جسدها ذعرًا. وصل أمامها ولامست أنفاسه وجهها، ثم أمسك عنقها بقبضته القوية وضغط عليها بعنف. ذرفت دموعها وارتفع أنينها، وهي تشير له بإصبعها على شفتيها محاولةً أن تُبلغه بأنها لا تستطيع التحدث. بعدما فهم ما تقصده، ترك عنقها وأشاح وجهه بعيدًا عنها. سمع فجأة صوت ارتطام على الأرض، استدار ببطء ووجدها ملقاة على الأرض، وجسدها يرتعش بشدة بفعل برودة الجو القارس. اقترب منها وزفر بحنق من هذه المشكلة. حملها برفق ثم وضعها على سريره وغطاها بعناية. خرج بعد ذلك وأغلق الباب بإحكام. جمع قليلاً من الحطب ليشعل نارًا صغيرة للتدفئة. كان يود معرفة من هي وما الذي أوصلها إلى هذه الحالة. بعد أن جمع ما يكفي من الحطب، عاد إلى منزله. وعند فتح الباب، صُدم.

******

-أرجوك سيبني أنا ما معرفش عنها حاجه..

تفوهت بذلك امرأة ذات قوام نحيل، كان جسدها مغطى بالغبار، وهي ترتجف والدموع تنهمر من عينيها، إذ كانت مقيدة إلى عمود خشبي. اقترب منها رجل بتعبير غاضب، واندفع نحوها كعاصفة، ممسكًا بفكها بقوة وصاح بغضب قائلاً:
-فين الأمانة يلي سابها "عادل"قبل ما يموت؟أنا مش هكرر كلامي مرتين.

من أنـــــــاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن