البارت 3

112 11 4
                                    



دخل "يونس" المطبخ عندها،  رأى الفتاة تقف في إحدى أركان  المطبخ، وهي تضع السكين على شريان يدها اليسرى، وكان ارتجاف يدها قويًا وصوت بكائها يتصاعد ببطء، ولّدت لديه صدمة كبيرة؛ فاندفع نحوها بسرعة أمسك بيدها بقوة وضغط عليها بشدة، حتى سقطت السكين من يدها. ثم أطلق سراح معصمها ونظر إليها بنظرة غضب قائلاً:

-انتِ مجنونه عايزه تقتلي نفسك؛ فاكره كده هترتاحي تبقي غلطانه!.

لم تصدر منها أي كلمة، بل عبرت عما  بداخلها من خلال بكاءٍ شديد، جلست على الأرض، وجسدها يرتعش بقوة، بينما جلس القرفصاء بجانبها محاولاً السيطرة على غضبه، لقد شعر بالشفقة عليها عندما رأى حالتها و قال:

-مش عارف السبب إللي وصلك للحالة دي؟  بس الانتحار عمره ما كان حل، إنتِ عارفه أنه حرام، ما تعسرت إلا و تيسرت، و ما ضاقت إلا فرجت.

أجالت نظرها نحوه، وكانت عيونها تفيض بالدموع، وأشارت بيدها كأنها تحاول أن تتحدث، لكنها لم تنجح في ذلك!
وعندما شعرت بالعجز؛ انهالت بالبكاء، لم يكن يعلم كيف يتصرف وهو يشاهدها تعجز حتى عن التعبير عما يختلج في صدرها، تنفس بعمق وشعر بالحزن، ثم تحدث قائلاً:
-بصي مهما كانت مشكلتك،  أنا  هساعدك فيها، يالا  امسحي دموعك و هجهز لكم فطور، انتِ و "حسام" و هتروحي معانا البيت علشان  نعرف ندور على حد من أهلك.

شعرت بالقلق من فكرة الذهاب معهم؛ إذ لم تكن تعرفهم جيدًا، مما جعلها تتساءل كيف يمكنها الوثوق بهم؟!
ومع ذلك، لم تكن تعرف أي طريق تسلكه، فباتت في حيرة من أمرها، في تلك اللحظة، قطع شرودها دخول "حسام"، الذي كان يفرك عينيه من تأثير النوم و تحدث قائلا ً:

-صباح النور يا جماعه "يونس" عملت ايه للبنت مخليها خايفه كده؟!
أكمل "يونس" تجهيز الإفطار وأجاب قائلاً:

-ما عملتش حاجه! اقعد مكانك و انت ساكت، علشان بعد الفطور نروح البيت؛ التليفون بتاعي فصل شحن و أكيد بابا قلقان عليا.

توقف "حسام" عن الكلام، ثم خرج ليغسل وجهه ويجهز المائدة في الخارج، بعد فترة، أنهى "يونس" جميع ما كان يقوم به، وجلسوا يتناولون الطعام في صمت، بعد فترة من السكون، قطع "يونس" هذا الصمت قائلاً:

-مش عارف اسمك بس  هيبقى اسمك "تقى" لغاية ما نعرف فين اهلك، و اطمني إحنا مش  هنأذيكِ.

ألقت عليه نظرات تحمل الشكر والامتنان، ثم عادت لتتأمل طبقها دون أن تتناول شيئًا، كسر صمت اللحظة صوت رصاصة اخترقت زجاج النافذة!..
   *******                         
شعرت بصدمة عارمة عندما رأت ابنتها في قبضتهم، حالتها كانت مؤلمة للغاية، وكاد قلبها أن ينفطر من شدة الألم، صرخت عليهم تطالبهم بفك قيودها، لكنهم تجاهلوا نداءها وكأن قلوبهم متحجرة، انهالت أدمعها بعد فشل محاولتها، وتحدثت بعبارات مفعمة بالحسرة قائلة:

-اسفه يا بنتي ما قدرتش احميكِ من شرهم انتِ و اخواتك.

انفجرت "نورهان" بالضحك حتى طغى صوتها على المكان، ثم تركت "إيلول" واقتربت من "منّة"، مستمتعةً بمعاناتها دون أن تشعر بأي شفقة اتجاه حالها، فقد تمكن الحقد والكراهية من السيطرة على قلبها.

-بصي يا "منة" السكوت مش في  صالحك، اتكلمي بسرعة وساعتها هسيبك انتِ و بنتك تروحي من هنا.

لم تستطع "منة" التحكم في غضبها أكثر، فانفجرت قائلة بصوتٍ غاضب:

-انا قلت ليكم قبل كده، أنا مش عارفه مكانها، و لا عارفه إيه هي (الأمانة) دي! "عادل" ما عرفنيش حاجة عنها، ليه مش عايزه تفهمي أنتِ و جوزك.

سيطر الغضب على "نورهان"، فانطلقت نحو "ايلول " ممسكةً بخصلات شعرها، مما جعلها تصرخ بكامل قواها، فاندفع صراخها ليكسر سكون المكان.
في حين كانت "منة" تشبه طائرًا حبيساً، تحاول جاهدةً التحرر والركض نحو ابنتها، لكن القيود اللعينة كانت تحول بينها وبين ذلك، ثم صاحت بصوت متأثر يعكس شعورًا بالعجز قائلة:

-"نورهان" سيبي بنتي هي مش عارفه حاجة، و لا لها دخل في حاجة، كلامك معايا أنا، انتِ عارفه اذا جوزك عرف إنك خطفتينا مش بعيد يقتلك؟.

أطلقت "نورهان" زفرة من الغضب، ثم دفعت "إيلول" بقوة، مما أدى بها إلى الارتطام بالأرض الصلبة تحتها وهي تبكي بذعر! بعدها التفتت إلى الأشخاص الذين يقفون خلفها قائلة:
-هاتو ليا الكرباج  هجلد بنتها أصادها ومش هوقف لغاية ما تتكلم وتقول  مكان (الأمانة) فين؟ و إلا هدني أجلدها لغاية ما تموت "إيلول".

انتفضت "منة" بفزع، وصاحت بصوت مفعم بالذعر، وقلبها يكاد ينفطر من الخوف على صغيرتها، قائلة:

-نورهان، بنتي لأ.. صدقيني مش عارفه حاجه لو كنت أعرف كنت قولت  لجوزك.

لم تُعطِ "نورهان" اهتماماً لكلمات "منة"؛ إذ كانت مشغولةً فقط بالسعي للحصول على (الأمانة) التي يطمح الجميع إلى استعادتها، والتي اختفت بعد وفاة "عادل" منذ عدة سنوات!
ورغم ذلك، استمر الجميع في البحث عنها؛ لأن الشخص الذي يسعى للحصول عليها هو رجل ثري، وقد أعلن عن مكافأة مالية كبيرة لمن يتمكن من العثور عليها.

-بصي يا "منة".. في الحقيقة أنا زهقت منك و من إنك مصرة ماتقوليش مكانها فين؟
أمسكت السوط، وكان يلمع في عينيها شرٌ واضح، ثم رفعته في الهواء استعدادًا لضرب جسد الطفلة النحيفة! لكن فجأة، شعرت بشيء يعوقه، كأن قبضة قوية تمسك به وتثبته في مكانه!
**********                       
منذ أن قرأ الرسالة، تجلى عليه الخوف بشكل واضح، وهو يحاول إجراء اتصال دون جدوى، لاحظت زوجته تغير ملامحه وقلقه، فتوجهت إليه بالسؤال:

-"أحمد" مالك قول فيك إيه؟ ساكت ليه كده؟ مين بعتلك الرساله دي؟
هتف بصوت يحمل نبرة من القلق، قائلاً:

-وصلتني رساله من أحد اصدقائي، انهم قدروا يوصلوا لمكان "يونس"! وبتصل بيه تليفونه مقفول، خايف عليه.

غرقت "زينب" في مشاعر الخوف العميق، إذ تغير لون وجهها وبدت عليه علامات القلق، فنادت بقولها:

-"أحمد" اعمل حاجة! أو نروح لهم أنا قلبي مش مطمن مش ممكن اتحمل يحصل لهم حاجة، مستني اية؟!

شعر بالعجز بينما يرى أبنائه في خطر، حيث يقف عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء، حتى لو حاول الذهاب إليهم، فلن يتمكن من الوصول في الوقت المناسب، لو كان لديه جناحان، لكان طار إليهم بسرعة
-حتى لو نزلت دلوقت مش هنلحق نوصل لهم، عايزهم بس يردوا عليَّ؛ علشان اقول لهم يغيروا المكان بسرعه، بس مفيش رد "يونس" قافل و "حسام" مش بيرد!

توقفوا في حالة من الحيرة والعجز، بينما الخوف يسيطر على قلوبهم، أمامهم كانت ابنتهم تنظر إليهم بدهشة، تشعر بالقلق من توترهم، وتتبادر التساؤلات في ذهنها حول ما يجري وما الذي يثير قلق عائلتها.

-ماما بابا اية إللي مخوفكم كده و ليه خايفين على اخواتي! ممكن تفهموني ايه إللي بيحصل، انا حاسه إن في حاجة؟!

أخذ والدها نفسًا عميقًا ورد عليها قائلاً:

-مش وقته يا "مريم" روحي لغرفتك مش وقت الشرح  دلوقت يالا اسمعي الكلام.

استمعت إلى والدها ودخلت غرفتها، بينما ظل "وليد" مع زوجته محاولاً الاتصال بهم مرة أخرى، ولكن دون جدوى!
وفجأة سمعوا صراخ ابنتهم الذي ملأ المكان و دب الذعر في قلوبهم!












من أنـــــــاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن