المقدمة

141 25 17
                                    

مرحبا 

********************************

تحت سقف قصر كبير تزينه الثريات الذهبية والأثاث الفاخر، وُلد بيتر في خريف هادئ، في صباح يوم ربيعي مشمس. كانت والدته سوزي تتألم في غرفة الولادة، محاطة بمساعدين وممرضات في هذا الحدث البارز في حياة العائلة. توني، زوج سوزي، كان يبدو منزعجًا ومتجهم الوجه، غير متفاعل مع تفاصيل اللحظة. لقد كانت علاقته بسوزي مبنية على مصلحة مالية واجتماعية، أكثر من كونها علاقة قائمة على الحب والرعاية.

سوزي، التي كانت في الثلاثين من عمرها، عانت من الألم طوال فترة الحمل والولادة، لكن دعم توني لم يكن كما تأمل. كانت وحدتها في مواجهة الصعاب أكثر وضوحًا في تلك اللحظات من الألم، عندما دخلت إلى عالم الحياة الجديدة بصراخ وبكاء. ولدت بيتر في هذه اللحظة، لكنه لم يكن بداية سعيدة بل بداية لحياة مليئة بالتحديات.

بعد فترة قصيرة من ولادته، تعرضت سوزي لآلام مبرحة، تفاقمت بشكل سريع. كانت الأمور تتعقد أكثر، واستمرار الوضع المأساوي جعل الأطباء يطلبون المساعدة في أقرب وقت ممكن. في نهاية المطاف، وبعد صراع مرير، توفيت سوزي أثناء عملية ولادة صعبة، تاركةً توني وبيتر في عالم مليء بالفراغ والحزن.

لم يكن توني مستعدًا للتعامل مع وفاة زوجته أو لرعاية طفله الصغير. فقد كانت علاقته بسوزي ضيقة، وقد شعر بالفشل والإرهاق بعد خسارتها. بينما كان هو غارقًا في حزن عميق، وجد نفسه مضطراً لتحمل مسؤولية بيتر، لكن هذه المسؤولية لم تكن مدعومة بحب أو اهتمام حقيقي.

ومع مرور السنوات، تزوج توني من جوليا، المرأة التي أحبها منذ فترة طويلة. كان زواجهما مليئًا بالحب والدعم، لكن هذا الحب لم يكن يمتد إلى بيتر. عندها كان بيتر في السابعة من عمره، ووجد نفسه يعاني من تهميش واضح في حياة والدته الجديدة، حيث كان مركز الاهتمام هو جوليا وابنتها روز.

كانت العلاقة بين بيتر وتوني غير واضحة؛ فالأب الذي كان في الأساس غير متفاعل مع مشاعر بيتر، أصبح الآن يعيش حياة جديدة مع عائلته الجديدة، مما زاد من شعور بيتر بالوحدة والانعزال.

*******************************

سنوات مرت منذ وفاة سوزي، وصار بيتر في سن السابعة، بينما كان توني وجوليا يستعدان للانتقال إلى حياة جديدة معًا. في هذا الفصل من حياة بيتر، بدأت التغييرات تطرأ على حياته، لكنه ظل محاطًا بالظلال القديمة.

عندما تزوج توني من جوليا، كانت البداية جديدة وحماسية. كانت جوليا امرأة أنيقة ومهتمة بكل التفاصيل، وكانت تعتني بروز، ابنتها الوحيدة من زواج سابق، بشكل ملفت. لم يكن هناك مجال للخطأ في تنظيم المناسبات والاحتفالات، وكان كل شيء يبدو منظمًا ومبهرًا. لكن في هذا العالم اللامع، كان بيتر لا يزال يشعر بالبرودة والإهمال.

في كل مرة كان يلتقي فيها بروز، كانت تجسد تذكيرًا دائمًا بتغييرات الحياة. بينما كانت روز تحظى بكل الرعاية والاهتمام، كان بيتر يجد نفسه غير مرئي في الخلفية. هذا التباين جعل مشاعره أكثر حدة، حيث شعر أنه ليس له مكان في الحياة الجديدة التي بنها توني وجوليا.

تواصلت الحياة في القصر الفخم، وبدلاً من إيجاد الرعاية والاهتمام من والده وزوجته، وجد بيتر نفسه يتعرض لإهمال متزايد. كان توني مشغولًا بتعزيز زواجه الجديد مع جوليا، بينما كانت جوليا تركز على جعل حياة روز مليئة بالفرح والاهتمام. كان بيتر يشعر وكأنه يعيش في ظل العالم الجديد، محاطًا بمظاهر الترف، لكنه محرم من مشاعر الحب والرعاية التي كان بحاجة إليها.

كان يمر أيامه في المدرسة وأوقات الفراغ دون مشاركة فعالة من عائلته. كلما كانت هناك مناسبات عائلية، كانت جوليا وتوني يمضيان الوقت مع روز، ويتركوا بيتر مع نفسه. في البداية، كان بيتر يحاول التفاعل والانخراط في الأنشطة العائلية، ولكن مع مرور الوقت، بدأ يفقد الأمل في الحصول على اهتمام حقيقي.

ومع دخول بيتر سن الثامنة، بدأت مشاعره بالانغلاق. أصبحت لحظاته الخاصة أكثر أهمية بالنسبة له كوسيلة للهرب من الإهمال الذي كان يواجهه. كانت الكتب هي رفيقه المفضل، حيث كان يغرق في عوالم خيالية تعوضه عن الفراغ الذي شعر به في حياته الواقعية.

في أحد الأيام، وبعد أن قضى وقتًا في قراءة كتابه المفضل، قرر بيتر أن يحاول مرة أخرى لفت انتباه والده. حضر توني وجوليا إلى المنزل بعد يوم طويل، وكانا مشغولين بالتخطيط لحفل عيد ميلاد روز. عندما رأى بيتر فرصة للتحدث مع توني، اقترب منه بحذر، لكنه قوبل باللامبالاة.

كانت هذه اللحظات هي بمثابة تذكير آخر لبيتر بأنه ليس له مكان في حياة والديه الجديدة. ومع كل مناسبة تُحتفل بها، كان يشعر أكثر بالعزلة، وبدأت فكرة أن يكون جزءًا من عائلته تتلاشى تدريجياً.

******************************

يتبع..

حياة بيترWhere stories live. Discover now