"أم سليم: أم الإيمان والصبر"

11 4 4
                                    


في صفحات التاريخ الإسلامي، تتجلى بطولات نساء عظيمات وقفن بإيمان وثبات في وجه التحديات، وأم سليم بنت ملحان كانت إحدى هؤلاء النساء. لم تكن مجرد أم وزوجة، بل كانت رمزًا للصبر والقوة في مواجهة أصعب المواقف، من فقدان الأحبة إلى ساحات المعارك. في قصتها نجد مثالًا حيًا للتضحية والإيمان العميق، حيث تحول الألم إلى أمل، والمحن إلى فرص، ملهمة بذلك الأجيال بصلابتها وإخلاصها لله ورسوله ﷺ.
.
.
.
.

قصة أم سليم بنت ملحان (الغميصاء):

سُمّيت أم سليم بنت ملحان بـ"الغميصاء" أو "الرميصاء" لأن هذه الألقاب تعود إلى صفات في عينيها. يقال إن كلمة "الغميصاء" تأتي من "الغَمْص"، وهو وصف للعيون التي تتسم بنعومة معينة ودمعة خفيفة دائمة، مما يُضفي على نظرتها رقة وجاذبية. ومن ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن هذه الألقاب قد تكون تعبيرًا عن صفات شخصية فيها مثل الرقة والوداعة، إلى جانب قوة الإيمان والشجاعة التي تميزت بها في حياتها.

كانت أم سليم من أوائل النساء اللاتي أسلمن في المدينة المنورة، وأسلمت في وقت مبكر قبل هجرة النبي ﷺ. تزوجت في بداية حياتها من مالك بن النضر، وأنجبت منه أنس بن مالك، الصحابي المشهور وخادم رسول الله ﷺ. لكن عندما أسلمت، رفض زوجها الإسلام وغادر المدينة، تاركًا إياها مع ابنها، فصبرت واحتسبت.

تزوجت أم سليم بعد ذلك من الصحابي الجليل أبو طلحة الأنصاري، وكان زواجهما مثالًا على الإيمان والتضحية. عندما تقدم أبو طلحة للزواج منها، رفضت مهرًا من المال واشترطت عليه أن يكون إسلامه هو مهرها، فأسلم أبو طلحة وتزوجها.

كان لأم سليم وأبو طلحة موقف مؤثر أثناء وفاة ابنهما الصغير. فقد مرض الطفل مرضًا شديدًا، وكان أبو طلحة في الخارج، وعندما توفي الابن، أعدت أم سليم نفسها لتواجه الموقف بصبر وقوة. وعندما عاد أبو طلحة، لم تخبره فورًا بوفاة ابنهما، بل استقبلته بحفاوة وحاولت أن تهيئ له جوًا هادئًا. وبعدما تناول طعامه، أخبرته برفق عن وفاة الطفل، قائلة: "أرأيت لو أن قومًا أعاروك عارية، ثم طلبوها منك، هل كنت تكره أن تردها؟" فقال: "لا". فقالت: "فاحتسب ابنك"، فصبر واحتسب.

كانت أم سليم أيضًا من النساء اللاتي شاركن في الغزوات، حيث كانت تحمل الماء وتسقي الجنود وتداوي الجرحى. في غزوة حنين، كانت تحمل خنجرًا للدفاع عن نفسها وعن المسلمين، وعندما رآها النبي ﷺ سألها عن الخنجر، فقالت: "اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه".

أم سليم كانت رمزًا للقوة والصبر والإيمان، وقدوة في حسن التعامل مع المصائب والشدائد. تعلّمنا قصتها أهمية الصبر والثبات على الإيمان، والتضحية من أجل القيم والمبادئ، وأن المرأة المسلمة لها دور كبير في نصرة الدين في جميع الميادين.

أم سليم كانت أيضًا مثالًا للأم المربية الحريصة على تربية أبنائها على القيم الإسلامية. فقد أرسلت ابنها أنس بن مالك، وهو طفل صغير، ليخدم النبي ﷺ، قائلة: "يا رسول الله، هذا أنس يخدمك، فادع الله له"، فدعا له النبي ﷺ بالبركة في المال والولد، فكان لهذه الدعوة أثر كبير في حياة أنس، إذ أصبح من أكثر الصحابة علمًا وبركة، وعاش عمرًا طويلًا.

ومن مواقف أم سليم التي تبرز إيمانها القوي وثقتها بالله، كانت أثناء غزوة أحد، حيث كانت تتنقل بين صفوف المسلمين، تسقيهم وتداوي جراحهم، ولم تخشَ شيئًا رغم الخطر المحدق. وامتدت مواقفها البطولية أيضًا إلى غزوة خيبر، حيث شاركت بحماس في خدمة المسلمين ومساندتهم.

وقد كانت أم سليم محل احترام وتقدير من النبي ﷺ، إذ زار بيتها أكثر من مرة، ودعا لها ولأهل بيتها بالخير والبركة. وروي أن النبي ﷺ نام مرة في بيتها على فراشها، فقامت بجمع عرقه في قارورة لاعتقادها ببركته، وعندما سألها النبي ﷺ عن ذلك، قالت: "هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وهو أطيب الطيب".

قصة أم سليم تُظهر أن الإيمان والعمل الصالح لا يُقتصران على الرجال فقط، بل للمرأة دور عظيم في المجتمع الإسلامي، سواء في بيتها كمربية وأم، أو في ميدان العمل والجهاد. جمعت أم سليم بين الحكمة والشجاعة والصبر، ووضعت نصب عينيها حب الله ورسوله، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به لكل النساء.

والآن لأطرح عليكنّ سؤالًا،
هل تشعرنّ أنكنّ تمتلكنّ القوة والصبر التي تحلت بهما أم سليم في مواجهة التحديات؟
.

.

.

.

.

نَجْمَةٌ تُضِيءُ لَنَا دُرُوبَ الإِيمَانِ.

عَظِيمَاتُ الإِسْلَامِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن