الجزء2 أسير في بحر ليلى

120 46 79
                                    

[الفصل الأول]

كان الغسق قد بدأ ينساب بهدوء على المدينة، حيث تلتحم زرقة السماء الداكنة بوميض الأضواء المتناثرة في الشوارع. جلست ليلى أمام نافذة غرفتها، تراقب الأمواج تتكسر على الشاطئ في تكرار لا ينتهي. كانت أفكارها متشابكة كالأمواج، تتصارع في ذهنها منذ لقائها الأخير بـ أسيل . أسرار عميقة قد بُوحت لها، وشعرت بثقل المسؤولية التي وضعتها صديقتها على عاتقها.

أسيل لم تكن مجرّد صديقة. كانت امرأة تحمل في قلبها ندوب الماضي التي لم تشفى بعد. تخلت عن ابنتها بعد الولادة،كيف لام ان تفعل هذا؟،كانت صغيرة و خائفة من المجتمع وهي الآن تطلب المساعدة في استعادتها. تلك الفتاة التي لم تنطق بحرف قط، تعاني من صمتٍ قسري يفرضه عليها مرض التوحد. كيف يمكن لـ أسيل أن تصلح ما مضى؟ وكيف يمكن لـ ليلى أن تساعدها في هذه المهمة الصعبة؟

قررت ليلى أن تتحدث إلى ماهر، عالمةً أنه سيكون خير عونٍ لها في هذا الموقف المعقد.

اتجهت ليلى الي مقهى هادئ على أطراف المدينة، لتجتمع بماهر
كان المقهى شبه فارغ، وهدوءه يبعث على التأمل. جلست مقابل ماهر، وشرعت في الحديث بصوتٍ يخالطه القلق:

**ليلى**: "ماهر، عليّ أن أخبرك بشيء هام. الأمر يتعلق بـ أسيل...،

سكتت للحضة ثم واصلت،" هي طلبت مساعدتي، وتحتاج إلى دعمنا."

رفع **ماهر** حاجبيه مستفسرًا، وأجاب بهدوء: "أسيل؟ وما القصة؟"

أخذت **ليلى** نفسًا عميقًا قبل أن تكمل: "أسيل أخبرتني بسر كبير. لكن ليبقي بيننا، اسيل ام لطفلة مصابة بتوحد، كما انها تخلت... عنها

شعر **ماهر** بالدهشة، لكنه حافظ على هدوئه، وقال: "لم أكن أعلم ذلك. أسيل دائمًا كانت قوية، لكنها لم تتحدث عن شيء كهذا. لماذا تخلّت عن ابنتها؟"

أطرقت **ليلى** برأسها قليلًا قبل أن تجيب: "لقد أُجبرت على الزواج وهي شابة صغيرة وكانت ضغوط العائلة لا تُطاق. بعد ولادة طفلتها، لم تستطع تحمل المسؤولية، فتركتها مع أسرتها. والآن، بعد كل هذه السنوات، تشعر بالندم وتريد استعادتها"

هز **ماهر** رأسه بتفهم وقال: "الوضع صعب بلا شك. ابنتها تعاني من التوحد، أليس كذلك؟"

أومأت **ليلى** برأسها: "نعم، هي لا تتكلم أبدًا. وأسيل تشعر بالخوف من أن تكون قد فقدت فرصة أن تكون أماً لها."

صمت **ماهر** للحظة، ثم قال: "سنحتاج إلى مساعدة من شخص لديه معرفة واسعة بحياة لاطفال، لكن اريد ان اعرف هل عائلة اسيل من مجتمعنا، من منطقتنا؟."

"والدها هو سليمان": اضافة ليلى

نظر ماهر إلى ليلى بعينين مليئتين بالتفكير، ورفع رأسه ببطء وكأنّه يحاول استيعاب كل ما قيل. كان يعرف أن الأمر ليس سهلًا على الإطلاق، خاصةً إذا كان والد أسيل هو سليمان، الذي لطالما كان صارمًا في آرائه وقراراته.

**ماهر**: "الأمر ليس بسيطًا يا ليلى. تعرفين أن خالي سليمان لا يتسامح مع من يخالفه. إذا كان قد تبرأ منها، فسيكون من الصعب التوصل إلى حل."

**ليلى**، بعيون عسلية تلمعان بالأمل المختلط بالخوف: "لكنني أعتقد أنه ما زال هناك أمل.أسيل تعاني من الألم والندم طوال هذه السنوات، ولا يمكننا تركها تواجه هذا المصير وحدها."

أخذ **ماهر** نفسًا عميقًا وتراجع في كرسيه قليلًا، ثم قال بصوت منخفض: "سأتكلم مع عمتي جوداء، قادرة على تقديم بعض النصائح النفسية، لكن علينا أن نتأكد أولاً أن أسيل مستعدة للعودة إلى حياة ابنتها، على الرغم من كل التحديات، فالمجتمع لن يرحمها"

ابتسمت **ليلى** بخفة وقالت: "أعتقد أن أسيل مستعدة لتحمل كل شيء الآن. هي تحتاج فقط إلى من يقف بجانبها ويساندها، وأنا أعرف أنك ستكون هذا الشخص."

ابتسم **ماهر** ابتسامة خفيفة، ثم قال بحزم: "حسنًا. اذا لنذهب الي اسيل لان"

نهضت **ليلى** من مكانها، وكأنّها قد وجدت الضوء في نهاية النفق، وقالت بحماس: "لنذهب سأخبر أسيل بما اتفقنا عليه. سيكون هذا هو الأمل الذي كانت تنتظره."

غادر الاثنان المقهى، والليل قد أسدل ستاره على المدينة. في طريقهما إلى مواجهة الحقيقة، كان كلاهما يعلم أن المهمة ستكون شاقة، لكنهما أيضًا كانا يعلمان أن الأمل والحب والنية الصادقة يمكن أن يكونوا بداية لكل شيء جديد.





          أسير في بحر ليلى 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن