بارت 3

13 3 0
                                    


اللحظات التالية كانت ثقيلة كالرصاص. أديم لم تستطع النطق، وشيء ما في قلبها انهار. انحبست أنفاسها، والجو في البيت أصبح كالكابوس الذي لا يمكن الاستيقاظ منه..

في اللحظة التي كادت فيها الأجواء أن تنفجر بالكامل، اندفع أبو زيد إلى المجلس كالعاصفة. كانت عيناه تقدحان شررًا، وملامحه القوية تعبّر عن غضب لا مثيل له. رفع يده قبل أن يلتقط أيًا من الموجودين أنفاسهم، وضرب رعد ضربةً قوية على وجهه جعلته يتراجع خطوتين إلى الخلف. كانت الضربة كفيلة بإسكات كل الأصوات التي كانت تعلو في المكان.

"يا رعد!" صرخ أبو زيد، وصوته كان مثل الرعد ذاته الذي حمل اسمه ابنه. "وش اللي مسوي؟! تضرب أختك بلسانك السام وكأنها عدوتك؟!"

رعد، المصدوم من رد فعل أبيه، كان يلتفت نحوه وعيناه تلمعان بالغضب والدهشة في آن واحد. لكنه لم يستطع الرد، فكانت كلمات أبيه أثقل من الحجارة التي سقطت على صدره.

أبو زيد، بعيون مليئة بالحزن والغضب في الوقت نفسه، نظر إلى رعد كأنه يوبخه بشدة: "أختك هذي، يا رعد، مو لعبتك! لها حق تحلم وتتعلم، مثل كل واحد فينا. وأنا ما ربيتكم عشان تهينون بعضكم البعض!"

ثم التفت إلى أديم التي كانت ترتجف قليلاً مما شهدته: "أديم، أنا معك... بس تذكري أن طريقك ما هو سهل، لكن إذا كنتي واثقة من نفسك، أنا أبوك، وما راح أخذلك."

أجواء المجلس كانت مليئة بالتوتر، حتى الهواء بدا ثقيلًا وكأنه لا يتحرك. زوجات الإخوان كنّ يحدقن في المشهد بصمت، فيما أخذت أصايل نظرات خاطفة مشبعة بالتشفي، لكن الجميع شعروا بثقل اللحظة.

رعد، بحنق داخلي كبير، تراجع خطوة أخرى، لكن عيناه ما زالتا تلمعان بالغضب: "لكن يا يبه... هذا مو من عاداتنا... البنت مكانها في البيت، وش اللي بتسوينه بالمدينة؟"

لكن أبو زيد قاطعه بصرامة لا تقبل الجدل: "يكفي! أختك قررت تسلك طريقها، وأنا اللي قلت لها تروح. انتهى الكلام!"

تراجع رعد مستسلمًا، بينما أديم شعرت بأمان وسط عاصفة من العواطف المتضاربة. كانت تلك اللحظة لحظة حاسمة، حبست أنفاس الجميع، وأشعلت شرارة الصراع الذي لم يكن لينتهي بهذه البساطة.

مر الليل بثقله على الجميع، كأنه حمل ثقيل لم يغادر صدورهم. كل فرد في بيت أبو زيد كان ينام لكن عيونه مفتوحة. المشاعر متضاربة بين الغضب والخوف، وبين الأمل والقلق.

أديم كانت مستلقية في غرفتها، تفكر في الأحداث التي جرت وكأنها تعيش حلمًا متداخلًا مع الواقع. الحزن اختلط بسعادة غامضة عندما تذكرت دفاع والدها عنها، لكنها في الوقت نفسه شعرت بثقل المسؤولية القادمة.

أما رعد، فقد كان يتقلب على فراشه، والغضب يأكل داخله. لم يكن يستطيع تقبل فكرة أن أخته ستذهب إلى المدينة، كانت كرامته وتقاليده تُجرح، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بعجزٍ غير معهود أمام موقف والده.

أذاعه منتصف الليلWhere stories live. Discover now