الامـيـرة والـشـيـطـان

17 5 0
                                    

يشير دون ناردو، في كتابه “الأساطير المصرية” إلى أن بعض الأساطير تعلقت بأشخاص حقيقيين، كما هو الحال مع القصة المعروفة بـ”الأميرة والشيطان” في القرن الثالث قبل الميلاد، من العصر البطلمي، والتي دونت على لوحة حجرية محفوظة الآن بمتحف اللوفر، تحت رقم (ج – 248)، والتي عثر عليها شامبليون بمعبد الكرنك.

ويلفت ناردو أنه لأسباب غير معروفة فقد حرف الكهنة المدونون تاريخ الحكاية، ليعاصر فترة حكم رمسيس الثاني (1279 –1213 ق.م) أي قبل حدوثها بحوالي ألف سنة، كما حرفوا بعض الحقائق المتعلقة برمسيس لتناسب قصتهم، موضحا أنه طبقا للمصادر التاريخية، أن الحروب التي دارت بين رمسيس ومملكة  الحيثيين (تركيا الآن) انتهت بتوقيع معاهدة سلام، توجها رمسيس بزواجه من ابنة ملك الحيثيين، لكن في القصة المدونة يتزوج رمسيس من ابنة ملك بلاد بختان البعيدة، والتي ربما تمثل دولة بكتريا القديمة في شمال افغانستان، أو أنها دولة من وحي الخيال.

تبدأ أحداث القصة حين غادر الملك رمسيس إلى سوريا، ليؤكد انتصاراته في منطقة  شرق البحر المتوسط، ويستقبل الأمراء والملوك المنهزمين ويجمع الضرائب والجزية، ويبعث برسالة  تهديد إلى الممالك المارقة، ويصل ضمن الوفود التي جاءت لتقديم فروض الولاء والطاعة للفرعون المصري، وفد ملك مملكة بختان البعيدة محملا بالجواهر والنفائس والهدايا الثمينة وعلى رأس الوفد كبرى بناته، ليفتن رمسيس بجمالها ويتخذها الزوجة الملكية الأولى ويمنحها اسما مصريا “ماعت نفرو رع”.

يمر عام على زواج رمسيس من أميرة بختان، وفي أحد الأيام وبينما رمسيس يحتفل في بلاطه بأعياد الربيع، يحضر رسول بختان  بأخبار أفسدت فرحة الاحتفال، ليخبر الملكة ماعت نفرو رع بأن أختها الصغرى الأميرة بنترش مريضة بحمى قاتله، ثم يستدير إلى الملك رمسيس ويخبره أن صهره ملك باختن يرجوه أن يرسل له طبيبا مصريا حكيما لينقذ ابنته من الموت، فقد فشل أطباء باختن من معالجتها، ومصر معروفة بأطبائها المهرة، وبسرعة يستدعي رمسيس أمهر الأطباء والسحرة، ويجتمع معهم في قصره وبعد مشاورات يقرروا إرسال  تحوت أم حاب، كاتب القصر الرئيسي والمعالج الماهر، إلى بختان لمداواة أخت الملكة.
مس شيطاني
يصل تحوت إلى بختان وهناك التقاه الملك بكل ترحاب وقاده إلى مخدع الأميرة المحمومة، وبعد أن فحصها تأكد أن الحمى بسبب روح شريرة أصابت جسدها، حاول تحوت أن يستخدم سحره وتعاويذه لطرد الروح ولكنه فشل وعرف أن الروح التي سكنت جسد الأميرة روح الشيطان نفسه، وأنه بحاجة إلى مدد من الآلهة حتى يستطيع الانتصار عليه، فيطلب من ملك بختان أن يبعث إلى الملك رمسيس يطلب منه إرسال أحد الآلهة المصرية، وبمجرد وصول رسول بختان إلى رمسيس، يتوجه إلى معبد خونسو- تحوت إله القمر، ويتضرع عند قدس الأقداس طالبا من الإله أن يذهب لعلاج أخت زوجته، وتتي الإشارة من التمثال الذهبي للإله بأن يومئ برأسه، يأمر رمسيس بحمل التمثال الذهبي إلى بلاد بختان، ليتوجه موكب كبير تحت حراسة الجنود إلى تلك البلاد البعيدة لعلاج الأميرة المسحورة.

وبمجرد وصول التمثال الذهبي إلى مخدع الأميرة بنترش، توهج التمثال وبدأ يشع، ما ألقى الرعب في قلب الملك وحاشيته وسرعان ما خرج الإله خونسو من التمثال في هيئته المعروفة بجسم إنسان ورأس صقر، ويدور في حلقات دائرية إرجاء غرفة الأميرة المحمومة، ثم يضع يده على جبهتها، ليرتعد كل منهما ويرتجف جسده بعنف، فقد اشتبك خونسو في معركة عنيفة ضد الشيطان، ولم يمض وقت طويل حتى أعلن الشيطان هزيمته أمام الإله معلنا أنه سوف يخرج، ليخرج من جسد الأميرة مخلوق بشع المنظر، جلده مثل جلد الحيوان وأصفر العينين، ويقول: “اعترف أنني لست كفئا لك يا خنسو العظيم، وابتهل لك ألا تدمرني وترحمني”  فيرد عليه خونسو قائلا: “سأصفح عنك، على أن تمتنع عن إيذاء أي شخص في هذه البلاد”، يرد الشيطان وقد تنفس الصعداء: “ليكن ذلك، سأغادر بختان إلى الأبد، وكل ما أطلبه أن يقيم الملك وليمة لي”، فوافق خنسو والملك على طلب الشيطان، ثم جلس الملك والشيطان يتوسطهما خونسو إلى الطعام في شكل إعلان عن عقد الصلح بينهما، وأوفى الشيطان بوعده وغادر في نفحة دخان.

تستيقظ الأميرة بنترش من رقدتها وقد شفيت تماما، وتعرفت على أباها وخدمها، ليمتلئ قلب أبوها بالفرح المشوب بالقلق خوفا من مكر الشيطان وعودته مرة أخرى لجسد ابنته، لذلك يقرر الاحتفاظ بتمثال الإله خونسو في بلاده حتى يردع الشيطان، وبحسب ناردو لبث التمثال الذهبي في بلاد بختان 3 سنوات ونصف، وفي أحد الأيام رأى ملك بختان في منامه الإله خونسو وقد خرج من التمثال وطار عائدا إلى مصر، فيعرف أن عليه أن يعيد التمثال إلى موطنه، فيرسله في موكب كبير ومعه الهدايا الثمينة عرفانا وشكرا للملك رمسيس الذي أنقذ ابنته من الموت.

يشير ناردو الى أن  لجوء الإله خونسو إلى تقديم وليمة للشيطان لتكون بمثابة شاهد على عقد الاتفاق، هو أسلوب شاع في مصر القديمة حيث كان القدماء غالبا ما  يؤكدون اتفاقاتهم بعمل ولائم الطعام سواء كان الشخص الذي يتعاقدون معه لطيفا أو كريها، كما يلفت إلى أن القصة تحمل مدلولا سياسيا يشير إلى أن الملك رمسيس كما قهر الأعداء البشريين في حروبه المتعددة أمام الحيثيين وشعوب البحر، كذلك  قهر الإله خونسو الشيطان، للتأكيد أن قوة الإله المصري فقط القادرة على هزيمة الشيطان، ملمحا إلى رمزية المعاهدة مع الشيطان ليرحل ويعلن هزيمته بالضبط، كما توصل رمسيس إلى معاهدة سلام مع الحيثيين.

Egyptian mythology | أساطير فرعونيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن