|05|

26 7 1
                                    

لا إلهَ إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظالِمين

---

الفتاةُ التي يُحِبّها تموت.

الفتاةُ التي يُحبّها تموت.

الفتاةُ التي يُحبّها تموت.

استمرت الفكرة تغزُوهُ بلا هوادة وهو جالسٌ في سيارة الأجرة متوجها إلى المستشفى حيثُ ترقُد إيف، لم يسَع عقلَه التفكير في غيرِ ذلِك، هل انتهى كلّ شيء؟ هل هذا هو فقط أقصى منالِه؟ أن يُكوى قلبُه بالشوقِ إليها حتّى مماتِه؟ لن يصِلَها أبدا؟ لن تعرِف بمكنونات صدرِه ولن يغلّفها بحضنه؟

كاد يقهقه ساخرا، والتهمت الكآبة قلبَه، حتى تراءت لهُ هذه الدنيا الفانية مقبرَة مُظلِمة. لا يكتمِلُ فيها شيء. لا يحصُل على شيء. لا يستطيعُ أن يُبقِي على شيء.

كل شيء زائل، فانٍ، منتهٍ.. لماذا هو هنا إذن؟
غمّهُ السؤالُ وانكمَش صدرُه، لماذا هو هنا؟
ارتَجَفت خفقات نابِضه، نثَر السؤال وطمسه وغلفَه بالتجاهل ثمّ عادَ يأكُل عقلَهُ بالقلقِ، أتراها تعيش؟ أتراها تنجو؟ لكِنّها وإن نجت، وحدثت معجزة وأصبحت له، ستختفي، ستزول، ستضحى هذه المشاعرُ التي يكتنِزُها بين أضلاعِه لعنة عليهِ ثمّ هو كذاكَ سيختفي، سيزُول... ازدردَ ريقَه، حرّك رأسَه في الجهتين. كلا.. لا تنسَق إلى ذلِك، لا داعي للتفكير به.

حرّك قدمَهُ بتوتر، حركَة سريعة زادتهُ قلقا وتوترا، وانطلقت الأفكار من عقالِها تلتهِمُه؛ لماذا عليهِ أن يتألم كلّ هذا الألم ليحصُل على المرأة التي يُحبّها ثمّ إذا حصل عليها لن يتمتّع سوى لمدّة قصيرة ثمّ يفنى بهما كلّ شيء؟ لماذا؟ لماذا؟!
تألّمْ في العمل، تألّمْ في الزواج، تألمْ مع الأبناء، ثمّ ذاتَ يومٍ يتحوّل كل شيء إلى لا شيء، كما كان قبلَ أن يعي أنّه كائن، لماذا؟ لماذا!!

ومع دخولِه من باب المستشفى وسؤالِه عن غرفة إيف ماغريل، كانت الأسئلة تتعملَق وتزداد، وتشُقّ في صدرِه ثقبا أسودا امتلأ سخطا ونقمة.. ثمّ انهارَ بهِ كُل شيءٍ وهو يراها من زجاجِ غرفتِها مستلقِية هناك كالجثّة مع أنابيب تكسوها من كل اتجاه، التمعت عيناهُ بالدموع، وابتلع الحقد قلبَه، تجاهَ الحياةَ وتجاهَ هذه اللعبة التي يعيشُها، ما المغزى؟

كادت دماغُه تنفجِر، قبلَ أن تأتِي نبرة رجولية رزينة من جانبه جعلته يبتعِدُ عن النافذة ويكفكف دمعه الذي انزلق رغما عنهُ ثمّ ناظرَه بثباتٍ، ودونُ أدنى شكّ علِمَ أنّه يقِف تُجاهَ شقيقِها.
شعرُه الأشقر، عينيهِ الخضراوين وشيء في ملامِحه جعلهُ يبدُو نسخة مطابقة لإيف وإن كانت ذكورية وناضجة، هذا وقد كان يمتلِكُ لحية شقراء طويلة بعضَ الشيء، ونظرة ثابتة هادئة تكادُ تشُقّ عن دواخله وتفضح مكنونات صدره وتبعثرها تحتَ قدَميه.

آدَم [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن