٣- أنيستي وِحدتي

25 8 7
                                    

أغلقت أبوابي وإرتميت على فراشي، تنفست الصعداء أخيراً لانتهاء هذا اليوم الطويل، نظرت لساعتي؛ إنها الثانية عشر منتصف الليل.

زفرت بضيق: أقسي وقت في اليوم قد بدأ!

غرفة باردة وسقف مظلم، ظلام حَالِك وأحلام مبعثرة، ذكريات مؤلمة، أشخاص سيئون، وصراخ أحدهم يلتصق بمسامعي.
عبرات ماضية، وتخيلات حاضرة، وخوف مما هو آتٍ.
أُناس راحلون ولا أحد يبقى سوى "الوحدة".

ذلك الشئ البائس الذي لا ينتهي، وكأنها وَضعت يدها على رأسي وأقسمت ألا تتخلى عني .. وها هي تنفذ وعيدها.

يبدو أن أمي حين وَلدتني طلبت مني الإتكاء علي وِحدتي بدلاً من طاعة أمي. ولكن برغم كرهي لها فهي الوحيدة التي تُمسك بيدي بينما الجميع يُفلتها، برغم بأسِها هي أفضل من أولئك الأوغاد الراحلون.

كم أكره ساعات الليل المظلمة؛ لأن ليس لي رفيق غيرها، هي أبقىٰ مَنْ لديّ، تحفظ شُتات عقلي، تحتفظ بذكرياتي المحفورة في صميم قلبي، تُحافظ على كياني؛ لأنها الشخص الوحيد الذي أخبره بكل ما أشعر به: ما يُسعدني ومَا يُبكيني، ما يُتعسني وما يُحيِّني.

أحتضن وسادتي وكأنها أكتاف وحدتي، اشكو لها بثي وحزني، فأشعر بها تُربِّت على كتفي، وتمسد بحنان على شعري، وتخبرني أن أبكي حتى أشعر بالراحة؛ فأذرف دموعي أمامها دون قيود، وهي بدورها توفر لي سبل الإنهيار لِتُخرِج ما بداخلي من ثقيل الحمول.

إنها حقاً بارعة!
تعرف كيف تقودني إلى إخراج ما بداخلي دون كلمة واحدة.
أحياناً أتكلم دون وعي مني، ولا أحصل على إجابة، كم أكره صمتها هذا، أود خنقها بكلتا يديّ لأستريح.
لِمَا تركني الجميع معها؟
لا أريدها!
أتذمر وأسبها من غيظي، ثم أضع رأسي علي الوسادة لأغفو ربما أستريح من ضجيج رأسي.
كم هي قاسية لا تريد الحديث!
ربما أظنها قاسية ولكنها الأحن.
تنتظر حتى أغفو لترسل بَرداً خفيفاً على قلبي يُسكِنه، وأسمع صدى صوتها وهى تُمَسد على رأسي في لطف: "لستُ سيئةً ولكن لا يصح، لعل القادم أفضل .. انا هنا لا تقلقي".
فأشعر بالآسىٰ لأني ظلمتها، وأفتح عيناي وقد هدأت خفقات قلبي المتسارعة، أبحثُ عنها فلا اجدها.
لا اريدكم أيها الاوغاد .. فقط أريدها!
لكن أين هي؟
أنظر إلى السقف البعيد هناك لآراها تبتسم.
أشعر الآن بالراحة، هي بخير والآن أصبحت أنا بخير مثلها.
هي هناك دائماً .. ربما بعيدة في السقف ولكنها ستظل الأقرب إلىَّ، تخشى الإقتراب مني إلا في نومي، ربما آذيتها، ربما أنا المؤذية في روايتها، لكنها صديقتي الوحيدة التي لا أشك يوماً في صدقها؛ تحبني برغم ألمها، برغم كرهي لوجودها، وستظل تحبني مهما وَبختها.

لكنها في الحقيقة لا تدري أني كذلك أحبها،
ولا أرى في بعدها عني إلا شقائي وتعاستي!
من لي سواها يُطيب خاطري،
ويُربِّت على كتفي ليقويني.

أخبرها: ستظلين أنتِ أنيستي يا وحدتي.
لتجيبني: وستظلين الأفضل والأبقىٰ مهما حدث يا صغيرتي.

لتجيبني: وستظلين الأفضل والأبقىٰ مهما حدث يا صغيرتي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

متنساش الڤوت يا جَميـــل ❦

ما رواه القلب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن