في غرفة مظلمة، جلس الجميع في صمت. جدران الغرفة تحيطهم كأنها تعكس سوادًا يعمّ نفوسهم. هواء بارد ينساب بصوت همسٍ مريب. ثم، وببطء، بدأ صوت ثقيل ينساب من الفراغ :-
يبدو أن ما في جعبتكم انتهى ، و أنظاركم المواجهة لي تريد تعرف من أنا ، حسنا
جاء دوري سأتكلم
"أنا الاكتئاب."الجميع انتفضوا، كأنهم سمعوا اسما محرما الصوت كان كئيبا لكن فيه نبرة قوة وسلطة :-
" أعرفكم جيدا أنتم جميعا هنا ، لأنني جزء منكم... لنقل أنني صديقكم اللدود. كل مرض فيكم يحمل جزءا مني. أراكم تظنون أنفسكم مختلفين، لكن في الحقيقة، أنتم امتداد لي."
استدار الصوت نحو الفصام الجالس في الزاوية، ينظر في فراغات الهواء، كأنما يرى أشباحا تتحرك.
"الفصام، صديقي العتيق... أ ليس ما تفعله وما تسمعه يُغرق مرضاك في أعمق أعماقي؟ تلك الأصوات التي تهمس إليهم ، والأوهام التي تجعلهم يعيش في عالم من الأكاذيب، أ ليست تلك بداية رحلة لا تنتهي في دهاليز الاكتئاب؟ حين يفقد السيطرة على عقلهم ، أكون أنا بانتظارهم في الظلام ، أحطم ما تبقى من أحلاهم ، لأغرقهم في وحدة لا يمكنك الهروب منها."
تحرك الصوت إلى الانفصام، الذي تجلس جميع رؤوسه متوتر ، يلتف في كرسيه كمن يحاول الفرار من ذاته.
"وأنت، يا انفصام ، يتصور أن الهرب من نفسهم سيبعدهم عني؟ حين تنقسم داخلهم ، حين يضيعوا بين شخصياتك ، أكون أنا الخيط الذي يربطك بكل واحدة منها. تتبدل هوياتك ، وتظن أنك بعيد عني... لكن في النهاية، الاكتئاب يجمع كل شتاتك، يجعل كل هوية من تلك الهويات تحبط الأخرى، وتدور في دوامة مظلمة بلا نهاية."
التفت إلى كابجراس، الذي كان ينظر بخوف إلى كل من حوله، عيونه تملؤها الشكوك.
"كابجراس... كلما فكروا أن أحبّاءهم ليسوا هم ، وأنهم محتالون ، ينمو بداخلهم شعور بالوحدة والعزلة. يشكوا في كل شيء، وفي النهاية، لا تجد أمامهم إلا أنا. الاكتئاب يتسلل إلى روحهم حين يفقدوا الثقة في الجميع، و يجعلهم يسقط في بئر عميق لا ترى فيه النور أبدًا."
ثم اتجه إلى الشخص المنزوي في ركن الغرفة
"الألم العضلي الليفي، أنت تعرفني جيدًا. يعيشوا يوميا معي. كلما زاد الألم في أجسادهم ، كلما شعروا أن لا شيء سينقذهم من عذابك، أكون هنا، أتسلل إلى قلبهم . الاكتئاب جزء لا يتجزأ من حياتهم ، يجعل الألم النفسي أضعاف الألم الجسدي. لا فائدة من المقاومة، لأن الألم يتحول إلى سجنٍ لا مهرب منه، يعزز إحساسهم باليأس."
ثم وقف أمام الجالس في المنتصف، الذي بدا في حالة اضطراب، يتنقل بين الابتسامة الوهمية والدموع المخنوقة.
"ثنائي القطب... في لحظات سعادتهم المؤقتة، أُراقبك، أعلم أنهم سيسقطون قريبًا. أستعد لاحتضانهم عندما ينقلب الحال، و يعودون إلى اليأس العميق، حيث يتمنوا لو أن حياتهم تنتهي في لحظة. أنا الاكتئاب الذي يجعل سعادتهم كاذبة، وحزنهم أبديًا. أنا الذي يجعل حياتهم كأنها معركة بلا منتصر."
وأخيرًا، وقف أمام شبح متلاشي، منطفئ الروح، كأنه قد فارق الحياة.
"متلازمة كوتارد... أنت حالتي النهائية، الوجه الأكثر يأسًا لي. تجعل أصحابك يرون أنفسهم أمواتًا، بلا روح ولا قيمة. أقنعهم أن الموت أفضل من الحياة، أن الجسد مجرد قشرة فارغة لا تنبض. الاكتئاب هو الذي يجعلهم يصدقون هذا الوهم، ويجعلك تعتقد أن لا شيء يمكن أن يعيدهم للحياة من جديد."
توقف الصوت، ثم عمّ الصمت مجددًا. نظر إليهم جميعًا، وعاد يتحدث بصوتٍ أكثر هدوءًا، كأنه همسٌ خفي :-
"أنا الاكتئاب... أظهر في كل صورة، أتخفى خلف كل قناع. سواء كنت الفصام أو الانفصام، كابجراس أو الألم العضلي الليفي، ثنائي القطب أو متلازمة كوتارد، أنا جزء منكم جميعًا. أعيش فيكم، وأتغذى منكم ، لن تبتعدوا عني، فأنا أعمق مما تتصورون. أنا الحزن المتغلغل، اليأس البارد، والظلام الذي لا نهاية له."
كانت كلماته تتردد في أذهانهم، كأنها صدى يُحفر في عقولهم. لا فرار من الاكتئاب... لأنه كان، ولا يزال، أساس كل ما يعانون منه.
يعلم أنك تراه من تلك الزاوية ، اقترب حتى عتمت الرؤية
و تلك المرة الحديث لك ، أنظر يشير لك:-
أنت يا من تقرأ لا تظن أنك علمت كل شيء ، فقط وضعت قطرة على نارك ، قبل أن تغلق الصفحات أعلم إني لن أتركك إن كان أنا ، أو أحدى امتدادتي ،
أقسم لك بهذا.......
---تــــــــــــــــــــــــــرومـــــــــــــــــــــــــــــا .....
.....*~•*♡*•~*.....
هذا العمل كُتب بقلم
أنت تقرأ
طريق بلا نهاية
Science Fictionاجتمع معا خوف لا يعلم مصدره البشر و أبشع المخاوف المجهولة و قد قرروا اليوم أن يخمدوا نار خوفك قليلا بتلك الجالسة