الفصل السادس عشر : إضطراب

4 1 0
                                    

إيف:
طبعا لم ينته الأمر هنا أبدا فما خفي كان أعظم و أشد سوء بحيث لم أستطع تخيله آنذاك أبدا و في الحقيقة لو أنني علمت الحقيقة كاملة وقتها دفعة واحدة لكان الجنون قد غلب دماغي و كتمان الجزء الأخطر من الحقيقة لم يكن سوى بداية خطة أعظم و أخطر بكثير في المستقبل مع ذلك فما علمته بعد أن شهدت بنفسي على قصة سيلينا و رافاييل كان كفيلا بجعلي أعيد التفكير و النظر في عديد القرارات و الخيارات و الخطط في حياتي أنا إيف أستريلاد فبعد قبلة سيلينا الأخيرة لرافاييل توشح المكان و الجو بالسواد أو بما فسرته أنا آنذاك بالفراغ المظلم ليأتيني صوت سيلينا :
- لقد حاول رافاييل منع موتي و إنقاذي من قبضة طائر العنقاء الأحمر و لكنه لم يستطع ذلك لكن الأمر لم يكن متوقفا عند رافاييل لأنني سعيت أنا أيضا لإيجاد تلك الطريقة التي ستنقذني بعد أن نميت سحري لأقصى الحدود و بالرغم من ذلك فقد كان طائر العنقاء أقوى بكثير مني بحيث لم أستطع غلبه إذ لا قبل لحامل طاقة مثلي أمام صاحبها الأول و لكن ذلك لم يكن نهاية ما كان في جعبتي لأنني إكتشفت أثناء بحثي عن ذاك الحل الذي سينقذ حياتي سرا خطيرا جدا السر الذي سيجعل من الضوء و الظل يندمجان أخيرا ليتحدا من أجل إنهاء أسطورة العنقاء إلى الأبد وقد جعلت ذلك السر الخطير رهاني الأخير في حال فشلي لذلك و بإستعمال آخر ما تبقى من طاقة لدي فصلت جزءً من روحي عن جسدي و أرسلتها لعالم الأرواح و الأوقات لكنها تاهت بلا سبيل هناك و عندما ظننت أنها كانت النهاية قابلتك ، لقد بحثت عنك طويلا لدرجة اليأس و فقدان الأمل لكني إجتمعت بك أخيرا إذ لا يمكن لظل أن يبتعد عن ضوئه لأنه إمتداد له و حدة الظل لن تزداد إن لم تزدد قوة الضوء و الأمر ينطبق على كلتينا فأنت لا تستطيعين الإبتعاد عني لأني أمثل الضوء لظلك و حدتك لن تزداد إن لم تزدد قوتي لأنك إمتداد لي ، لكنني في حاجة لك أكثر مما تتخيلين فربما حقا لا يمكن لظل فعل شيئ من دون ضوء لكن الأمر ذاته ينطبق على الضوء فهو غير قادر على فعل شيئ من دون الظل لأنه ما يمثل النقيض بالنسبة له و عندما يجتمع النقيضان فإن القوة التي سيخلقانها ستتجاوز حدود التفكير البشري و حتى الأسطوري بعبارة أدق لن يكون لطائر العنقاء قبل أمام كلتينا و هذا ما عنيته حين أخبرتك سابقا بأننا واحد لأني قد ولدت في هذا العالم بفضلك و أنا جزء منك منذ ذلك الوقت و كنت و سأظل من يحميك .... دائما ....
لقد حاولت الكلام بعد الذي سمعته لكن صوتي كان ضعيفا و علقت الكلمات و الأحرف داخل حلقي لكنها أكملت كلامها و كأنها قرأت ما كان برأسي :
- لا تقلقي إيف ففتى التنين الأزرق الحالي حليف لك أكثر مما يتوقعه أو يتخيله كلاكما ..
و فجأة فتحت عيناي ثانية لأجد نفسي في المكان الأول عند حدود جونان حاملة الكتاب الأسود نظرت إليه ليتأكد لي الأمر لقد عادت الصفحات البيضاء إلى ما كانت عليه سابقا إلتفت إثر سماع صوت كارديل ينادي بإسمي :
- أ أنت بخير يا إيف ؟!
- ‏أخبرني كم غبت عن العالم الحقيقي ...
- ‏العالم الحقيقي ؟! ما الذي تعنينه أنت لم تتحركي من هنا أبدا لقد أضاء الكتاب الأسود فجأة ثم سرعان ما اختفى الضوء و قد كنا هنا معا .
- ‏إذن لم ينقلني الكتاب الأسود إلى الماضي كما ظننت لقد كانت كل الأحداث مخزنة هنا في إنتظار وصولي في يوم من الأيام لذلك كانت صفحاته بيضاء و لم تخضع إلا لأوامري ، حتى لا يعرف أحد غيري الحقيقة ثم عندما ظهرت أخيرا و نطقت بأوامري له أراني بسرعة هائلة ما حدث قبل ألف عام من الآن حتى قبل أن يدرك كارديل أيا مما حدث . فسرت كل هذا بيني بين نفسي ثم أضفت قائلة لكارديل :
- ‏فلنعد الآن إلى النزل و سأروي لك في الطريق كل ما حدث .
و في الغد إتجه موكبي داخل مملكة جونان و عند الغروب وصلنا إلى القصر الملكي نزلت العربة بمعونة كارديل و دخلنا معا و خلفنا مرافقيّ إلى بوابة القصر حيث كان الحاكم و مارك و مجموعة من المرافقين هناك لإستقبالي :
- أهلا بك في مملكة جونان يا آنسة أستريلاد أنا حاكم جونان و سيد هذه القلعة الملك ريو ماستيليان لقد شرفت قصرنا أيتها الآنسة المحترمة . قال ذلك لينحني قليلا مقبلا يدي بلطف لأبتسم بعدها قائلة :
- ‏أريد أن أشكرك أيها الملك ريو على دعوتك الكريمة هذه و إعلم أنني سعيدة بهذا التعاون القادم بيننا و بين مملكتكم العظيمة يا سيدي .
- ‏شكرا لك فلتتفضلي بالدخول إلى القاعة الرئيسية لنواصل حديثنا .
- ‏بالتأكيد .
دخلنا إلى القاعة الرئيسية لأجلس بنفس المقعد الذي جلست به سابقا عندما عقد ذاك الإجتماع الطارئ بسبب الكتاب الأسود و إلى جانبي يجلس كارديل حيث إتخذ لنفسه نفس مقعده السابق أيضا ، بينما وقف مارك إلى جانب الملك ريو بينما يعدل نظاراته مجددا ببنصره ليتكلم الملك ريو :
- ‏غريب أنا لا أرى السيد إيفيليس معك يا آنسة أستريلاد .
- لقد أرسلته إلى ليلياس لإعطاء تقرير بوصولي إلى جونان لكل من رئيس الوزراء و ولي العهد بناءً على طلبيهما لأنهما سيكونان قلقين علي جدا ‏كما أن السيد ريناس سيكون كافيا . قلت بإبتسامة محولة الحوار حول كارديل عمدا .
- ‏السيد ريناس ؟! أردف الملك ريو .
- ‏أنا آسفة السيد ريناس هو كارديل إذ أن كارديل ينتمي لعائلة ريناس النبيلة و التي تعد من أقوى العائلات في ليلياس كما أنه وريث دوقية ريناس و رئيس العائلة القادم .
- ‏و لكن ما الذي يدفع وريث عائلة قادم مثل السيد كارديل إلى أن يصبح مساعدا لقائد الحراس الشخصيين لك . أضاف الحاكم ريو .
- حسنا أنت تعلم السيد إيفيليس هو قائد حراسي الرسمي لكن السيد ريناس هو أحد ‏أصدقاء طفولتي المقربين و مرافقي إلى جانب السيد إيفيليس إذ أنه مقرب بالنسبة لي كما أنه من الأشخاص الذين أثق بهم كثيرا و قصة كونه مساعدا لقائد حراسي ليست سوى مسألة رسمية ليس إلا و هي تتعلق بي فقط إذ أنه يعرف بوريث دوقية ريناس القادم في الحياة الإجتماعية و لا أحد يعتبره مرافقا لي أبدا فالموضوع ليس سوى مسألة شكلية و حسب .
- ‏هكذا إذن ...
- ‏أريد الإشارة لأمر . تكلم مارك ..
- ‏بالتأكيد سيد مارك ... قلت بإبتسامة ذات مغزى .
- ‏تشبهين السيد إيفيليس كثيرا فإلى جانب لون الشعر و العينين فملامح وجهيكما متشابهة للغاية .. أجاب مارك بهدوئه المعتاد .
- حقا ، لم أعتقد أنك ستلاحظ ذلك يا سيد مارك لكن في الحقيقة السيد إيفيليس هو إبن إبنة خالة جدة أمي الأوسط كما أن والده إبن عم جدي الأصغر بين إخوته من ناحية أبي أي أنه يعد قريبا لي لذلك نحن نتشابه في الشكل كما أن المثل يقول يا سيد مارك أنه يخلق من الشبه أربعين و أنا و السيد إيفيليس إلى جانب أشباهنا الثماني و الثلاثين الآخرين نتشابه كثيرا بحيث قد لا تستطيع التمييز بيننا إن إجتمعنا معا ذات يوم . أكملت حديثي هذا بإبتسامة واسعة إلى جانب نظرات باردة وجهتها نحو مارك الذي بدا و كأنه فهم مقصدي بأن لا يتجاوز حدوده أكثر معي ليعود إلى صمته الأول مبديا فهمه ..
- إذن سأدع لمارك مهمة إرشادكما إلى غرفتيكما .
- ‏بالطبع .
مشيت عبر الرواق الطويل بقيادة مارك بعد أن أرشد كارديل مسبقا إلى غرفته ليتوقف قليلا و يلتفت لي بينما ظللت مبتسمة له ليقول بعدها :
- ‏إعذري وقاحتي يا آنسة أستريلاد لكن أنا لم أصدق كلمة واحدة مما قلته من قبل .
- ‏و ما الذي يدفعك لإعتقاد هذا .
- ‏فقط أنا ..... يستحيل أن أنسى تلك النظرات التي كانت تكسو عينيه المماثلة لعينيك عندما إستجوبته بنفسي لقد كانت شبيهة تماما بنظراتك السابقة لي و محال أن يكون الأمر غير ذلك ربما يكون هذا إستنتاجا خاطئا و غير منطقي بالنسبة لك لكنه الأقرب لما رأته عيناي و التفسير الواقعي الوحيد الذي توصلت إليه لذلك أخبريني بنفسك يا آنسة أستريلاد هل أنت و السيد إيفيليس شخص واحد ؟!
واصلت الإبتسام و أجبت :
- ترى من علي أن ألوم إن كانت نظاراتك تلك هي ما ساعدتك على الوصول إلى هذا الإستنتاج الجنوني ! حسنا ، ما الذي ستفعله إن قلت لك أجل .
- ‏ماذا عساي أفعل ؟! أنا مجرد خادم لا يمكنني فعل شيئ عندما يقرر الأسياد أو يفعلون أمرا ما .
- ‏أ هذا يعني أنك ستستسلم يا مارك .
- ‏أنا لم أعن ذلك أبدا آنسة أستريلاد أنا فقط أتظاهر بأني لا أعرف شيئا و حسب لأن عملي هو ما يحتم علي ذلك فقط .
- ‏و مع ذلك شكرا .
- ‏علام تشكرينني ؟!
- ‏على تكتمك على أمري . قلت ذلك بينما واصلت المشي و قد لحق بي مارك ...
آلان :
- ‏آلان ، أهلا بك ....
- أ هذه أنت يا إيف ؟!
- بالتأكيد هذه أنا يا عزيزي آلان .
- ‏أخبريني متى عدت من مملكة جونان .
- ‏لقد طلبت عدم إخبارك بالأمر لأني أردت مفاجأتك .
- ‏لحظة ، إيف هل أنت بخير ؟!
- ‏ماذا تعني أنا بخير ..
- ‏لكن هناك دماء تخرج من فمك ...
- ‏دماء ؟! آه ... لا شك أنه قد جاء لأخذي أخيرا .
- ‏من تقصدين يا إيف ؟!
- ‏إنه طائر العنقاء الأحمر يبدو أنه الوداع بيني و بينك .
- ‏الوداع ؟! أرجوك لا تقولي هذا الكلام يا إيف !!
- ‏لا مفر من هذا ففي النهاية لطالما لاحقني الموت ، دائما .
- ‏لا ، لا تذهبي و تتركيني خلفك هكذا أرجوك أ لا تفعليها .
- ‏أ تعلم هذا مؤلم ، جسدي يؤلمني جدا و يبدو أني أنهار مع ذلك أنا سعيدة لأنني سأودعك قبل أن أرحل ، آلان ... و..داعا....
- ‏إيف ، إيف ، إيف ..... إيف !!
إستيقظت مذعورا و أخذت أصوات أنفاسي المضطربة تملؤ أرجاء الغرفة كان العرق يتصبب من جبيني بغزارة و ضربات قلبي التي حاولت جاهدا ضبطها بوضع يدي على صدري مهتاجة للغاية لدرجة عدم جدوى حركتي تلك :
- ‏لقد كان كابوسا آخر .
أخذت الأفكار تتشابك داخل عقلي و مخيلتي و تتضارب كما لو أن كل واحدة منها تريد أكثر إهتماما من طرفي على حساب الأخريات و فجأة عصف المشهد الآتي بمخيلتي مما أثار روعي بحيث نسيت كيفية ضبط نفسي مجددا لقد تردد صوت صرخات إيف المتعذبة داخلي و رن في أذني مرارا و تكرارا ورد مشهد دموعها داخل رأسي لأول مرة في حياتي و لكم كان ذلك المشهد محرقا بالنسبة لي لقد جعلني أتعذب ملايين المرات و بت غير قادر على الإحتمال أكثر من ذلك ، رفعت بيدي الشعر المبلل بالعرق من على جبيني و شددت عليه بأناملي بقوة و أنا أقول :
- كيف سمحت لها بالذهاب إلى جونان بمفردها .
لقد كنت قلقا منذ ذلك اليوم الذي غادرت فيه لكن قلقي هذا عرف أوجه عندما وردني ذاك الخاطر المريب و أنا لست متفائلا منذ ذاك الوقت و في كل لحظة أشعر بأن إيف ستكون في خطر كبير و أخشى فكرة كوني سأكون بعيدا عنها في ذلك الوقت ، وقفت من على فراشي و اتجهت نحو النافذة المفتوحة حدقت بالنجوم المتلألئة في السماء الحالكة و أنا أردد :
- أيتها النجوم ، لطالما كنت من أقرب صديقات إيف في هذه الحياة لطالما تأملتك في لحظات ألمها و حزنها و باحت لك بأعظم أسرار و مكامن نفسها ، لقد حدقت بك بعينيها التي تشبهان الليل متمنية الحرية بكل ما إمتلكته في أعماقها لذلك أجيبني أيتها النجوم و أخبريني عن إيف من فضلك قولي لي هل هي بخير الآن ؟! كيف حالها ؟! و ما المشاعر التي تكتنفها في هذه اللحظة ؟! أ تشعر بالوحدة الآن يا ترى ؟! إن كانت كذلك فأرجوك روّحي عنها و واسيها و لا تسمحي لها بالبكاء بمفردها فهذا يعذبني كثيرا و أعلم أنه يعذبك أنت أيضا لذلك أنا أناشدك أن تعتني بها جيدا .
خرجت من غرفتي و أخذت أتجول في أنحاء القصر الملكي الذي كان مظلما جدا و ساكنا آنذاك لأتوقف للحظات و أنا أقول :
- ‏أ لا زلت مستيقظا حتى هذه الساعة المتأخرة .
- ‏منذ غادرت الآنسة أستريلاد إلى جونان و أنت لست على ما يرام يا سيدي .
- ‏معك حق يا جين أنا قلق عليها كثيرا لدرجة تقودني نحو الجنون .
- لاحظت أيضا أن نومك لم يكن منتظما منذ فترة .
- ‏أعاني أرقا و الكثير من الكوابيس كل ليلة مما يجعلني غير قادر على النوم ..
- ‏أ تريد مني إستدعاء الطبيب يا سيدي .
- ‏لا ، لا داعي لطبيب ‏و أرجوك جين لا أريد لأحد غيرك أن يعلم بأمر حالتي هذه و خاصة والدتي .
- ‏أجل سيدي .
- ‏لدي أيضا طلب آخر ، أرسل بعض الجواسيس إلى جونان في أقرب وقت أريد تقريرا مفصلا عن حالة القصر هناك و أريد منهم مراقبة إيف أيضا ..
- ‏بالتأكيد سيدي .
إيف :
داخل قاعة إحتفالات القصر الملكي في جونان كنت جالسة إلى جانب الملك ريو ماستيليان كضيفة شرف لجونان بينما بعض النبلاء يرقصون في الحفلة المقامة لأجلي و آخرون يقدمون إما التحية لي أو الإحترام لملكهم لكن ما لفت إنتباهي كون الملك ريو لا يملك ملكة تقف إلى جانبه لقد سألت مارك حول الأمر لكنه أخبرني أنه إمتنع عن ذلك لسبب لا يمكن له البوح لي به :
- أريد أن أطرح سؤال جلالتك .
- ‏تفضلي يا آنسة أستريلاد .
- أريد معرفة سبب عدم وجود ملكة تساند و تقف إلى جانب جلالتك ، سيكون من الجيد وجود إمرأة تساعدك و تؤازرك أ ليس كذلك ، تكون لك الحنان في أوقات ضعفك و هوانك و تكون لك قوة إضافية في أوقات قوتك و شدتك و الأهم أن تحبك كما أنت تماما .
- ‏معك حق يا آنسة أستريلاد كان من مفترض وجود إمرأة كهذه منذ فترة لكن الأمر لم يتحقق بسبب إنشغالي بأمر آخر .
- ‏أمر آخر ؟!
- ‏أجل ، الأمر يتعلق بأختي الصغرى أوليفيا .
- ‏ماذا أ قلت أختك الصغرى ؟! لكن أين هي الآن ؟!
- ‏إن جسدها ضعيف جدا منذ ولادتها رغم أنها كانت قادرة على ممارسة بعض الأنشطة في السابق لكن و بمرور الوقت أضحت غير قادرة على الخروج من غرفتها إذ أن حالها تسوء كثيرا إن فعلت ذلك ، كان الكتاب الأسود هو الحل الأخير بالنسبة لي إذ لم تنفع الكتب السحرية الأخرى و لا أنواع التعاويذ المتنوعة في شفائها بشكل دائم لكن قفل الظلام حال بيني و بين الكتاب و الآن لقد سرق دون أثر إلى الأبد . رد و مسحة الحزن بادية على قسمات وجهه .
- ‏لا فائدة حتى الكتاب الأسود ما كان لينفعك في شيئ بالمرة إذ أنه ليس سوى كتاب يخص ماضي سيلينا قبل ألف عام كان في إنتظار قدومي في يوم ما و لا يحمل أي إفادة لشفاء الأميرة . قلت هذا بيني و بين نفسي بعد سماعي لكلام الملك السابق .
- ‏لذلك أجلت إيجاد ملكة لي حتى أتمكن من العثور على طريقة لشفاء أختي إذ أن والدينا قد توفيا منذ عقد من الزمن بسبب حادثة تمرد شنتها عصابة كانت متمركزة عند الحدود من قبل و أيضا لا زلت لم أتجاوز الثلاثين بعد لذلك لست قلقا أبدا . أردف بعد أن جمع شتات نفسه قليلا منهيا كلماته الأخيرة بإبتسامة عريضة .
- ‏جلالتك .... أنا لست خبيرة في الطب و لكن أ تسمح لي بمقابلة الأميرة أوليفيا أريد أن أراها و أحدثها قليلا إن لم تكن تمانع ذلك طبعا . قلت بثقة .
- ‏أ تريدين ذلك حقا .
- ‏طبعا أريد ذلك .
سرت مع مارك في الرواق المؤدي إلى غرفة الأميرة بعد أن خرجت من قاعة الإحتفالات ليتكلم مارك متذمرا :
- لم ترضي إلا إشباع فضولك !
- ‏هذا ليس من شأنك أيها التابع .
- ‏الأميرة أوليفيا تعد وترا حساسا بالنسبة للملك ريو إياك أن ترمقيها بنظراتك الباردة المعتادة تلك يا آنسة إيفيليس . أكمل كلامه ذاك بإبتسامة سخرية .
- ‏إسمع يا مارك أنت تتجاوز حدودك كثيرا و أنصحك أن لا تختبر صبري أكثر من ذلك .
- ‏على كل حال الأميرة أوليفيا على عكسك تماما إنها فتاة حالمة و رحيمة جدا نظراتها الدافئة تنسيك أحزانك حقا كما أن إبتسامتها الجميلة تختلف تماما عن إبتسامتك التهديدية إنها تعشق الحياة و الجمال رغم كونها حبيسة غرفتها طوال الوقت .
و بعد لحظات وصلنا إلى غرفة في أقاصي القصر الملكي ليدق مارك على الباب عدة طرقات متتالية و هو يقول :
- سمو الأميرة ..
تناهى إلى مسامعنا صوت أنثوي رقيق و ناعم جدا من الغرفة و هو يجيب :
- ‏أ هذا أنت يا مارك تفضل .
و قبل أن يدخل مارك الغرفة طلب مني البقاء في الخارج قليلا ريثما يخبرها عني و بعد برهة طلب مني الدخول بينما خرج هو مغلقا الباب خلفه لأرى تلك الأميرة الجميلة و الحسناء ذات الشعر الأبيض الناصع الطويل الذي مشط على شكل جديلة جميلة و العيون الخضراء الزمردية شبيهة بعينيّ أخيها مع بشرة بيضاء مشابهة لبياض بشرتي ابتسمت الأميرة بدفء و قالت مرحبة :
- أهلا بك يا آنسة أستريلاد لقد سعدت بزيارتك لي حقا .
- ‏و أنا أيضا أيتها الأميرة .
- ‏إجلسي على هذا الكرسي بجانبي من فضلك .
جلست على الكرسي الذي أشارت لي به و الذي كان متموضعا إلى جانب سريرها بينما كانت نصف متكأة عليه ثم قالت :
- أنا آسفة لعدم مقدرتي على إستقبالك كما ينبغي بالأمس لكن يمنع علي الخروج من هذه الغرفة لأسباب صحية .
- ‏لا داعي للقلق بشأن هذا أيتها الأميرة أوليفيا فأنا لم أتضايق بسبب ذلك قط .
- ‏حقا !
- ‏بالتأكيد ‏... قلت بإبتسامة حتى أشعرها ببعض الراحة .
- ‏لقد سمعت من أخي أنك مخطوبة من ولي العهد في مملكتك .
- أ...أجل الأمر كذلك بالفعل .
- ‏من فضلك هلا حدثتني عن الطريقة التي تقابلتما بها ..
- ‏ماذا ؟! كيف سأحدثها عن ذلك حتى ، يستحيل أن أخبرها أننا قد إرتبطنا بسبب كوني فتاة العنقاء و أن آلان قد كشف سري و أن إرتباطنا ليس حقيقيا أبدا . فكرت بيني و بين نفسي لأتنهد في سري و أتحدث :
- ‏لدي عادة الخروج في منتصف كل حفلة أحضرها إلى الحديقة لرؤية النجوم و في إحدى المرات بينما كنت أمارس هذه العادة تقابلنا . قلت بهدوء .
- ‏كم هذا رومنسي حقا أخبريني عن خاطبك رجاء .
- خاطبي آلان ؟! حسنا ، إنه فتى أحمق جدا و لا يحترم خصوصية الآخرين كما أنه لا يفي بالوعود و القواعد أبدا . قلت هذا بينما أتذكر لحظاتي مع آلان ثم واصلت بعد أن إبتسمت دون إدراك مني :
- ‏لكنه لطيف جدا و لا يستسلم أبدا عندما يقرر فعل أمر ما فهو يتحلى بالإرادة و العزم الكافيين لذلك هو يقلق علي من أبسط الأمور و يحاول دوما إشعاري بالدفء و الأمان مهما كان الموقف صعبا و رغم إظهاري للقوة و البرود طوال الوقت فهو دائما ما يستطيع إدراك ذاك الجزء الهش و الضعيف مني مهما حاولت إخفاءه عنه ، أكثر ما يكرهه هو عندما أحاول شق طريقي بنفسي و بمفردي يخبرني دائما أنه ليس قدري أن أكون وحيدة في هذا العالم و أنه يريد تقاسم كل ما أشعر به داخلي و أنه يريد إنقاذي من ظلام نفسي المكان الذي إتخذته دائما كملاذ لي ، صحيح أنه يتصرف بتهور أحيانا لكن عندما يتعلق الأمر بتحمل المسؤولية فهو كفؤ دائما إذ لا يمكنني إنكار أنه يتحلى بالحنكة و الذكاء ، حين يغضب فهو قد يعاقبك بأكثر الأشياء كرها بالنسبة لك لكنه سرعان ما يأتي معتذرا حتى و إن لم يكن كامل اللوم واقعا على عاتقه .. أعتقد أن هذه  هي شخصية آلان في الحقيقة ، شخص يتصرف بمرح في الأوقات الجميلة و شخص يعرف كيف يتصرف في الأوقات الصعبة .
لوهلة لم أصدق ما كنت أقوله لم أفكر يوما في صورة آلان بالنسبة لي و لا لكيفية رؤيتي له على أقل كنت أراه مجرد أحمق عنيد لا يجيد سوى إقحام نفسه في شؤون الآخرين دون داع لكني لم أتوقع أن ما ذكرته كان حقيقة نفس آلان داخل أعماقي تلك الأعماق التي لم ألتفت لها يوما بدت صورة جميلة ودافئة و مفعمة بالحنان كانت على عكس صورتي تماما الصورة الأنانية و الباردة و المظلمة جدا ..
- يبدو أن الأمير آلان يحبك جدا يا آنسة أستريلاد . قالت بإبتسامة واسعة و وجه سعيد جدا .
- ‏قلت يحبني ؟! رددت متعجبة فأنا لم أفكر بذلك قط .
- ‏أجل إنه يهتم بك جدا هو يعتبرك شخصا ثمينا للغاية لذلك هو يقلق عليك كثيرا إنه يدرك ذاك الضعف الذي يكتنفك لذلك يحاول إعطاءك الدفء و الأمان حتى لا تشعري بالحزن و الألم لا يريد منك أن تسيري وحدك لأنه متأكد من أنك لن تلقي سوى العذاب في ذاك الطريق و هو بدوره يتعذب لعذابك يرغب في إنتشالك من الظلام لأنه يعلم مدى خطورة عيش الإنسان فيه فهو بارد جدا و قاس أيضا و يستنزف المرء و يجعله كجثة حية و الأمير طبعا لا يريد منك عيش كل هذا يغضب لأنه يرى مدى رغبتك في ترك كل شخص ورائك و السير نحو المجهول لذلك هو يعاقبك ليذكرك دائما أنك لست بمفردك لكنه سرعان ما يشعر بالذنب إذ أنه لا يطيق حزنك لذلك يعتذر منك دون تأخير حالما يدرك أنه ربما يكون قد بالغ في لومك لأنه يحبك جدا و لا يطيق أن يمسك مكروه ، لا يطيق رؤية دموعك لأنها تؤلمه بقدر ما تؤلمك ، يتألم لألمك و يسعد لسعادتك و يرتاح لراحتك .... أنا متأكدة أن خاطبك ينتظرك بفارغ الصبر الآن و أعتقد أنه قلق عليك أيضا فهو لن يرتاح إلا حين تعودين إليه إذ أنه مشتاق لك بالتأكيد .
كان وقع كلمات الأميرة أوليفيا هائلا داخلي و شعرت بذاك الوخز الذي لامس صدري سابقا ، إنها على حق فلا أحد يفعل كل هذه الأشياء لأحدهم إن لم يكن عزيزا عليه لذلك الحد لكني لم أفكر يوما بآلان بتلك الطريقة نظرا للوضع الذي نحن فيه مع ذلك لطالما كانت الأفعال أصدق ما في الإنسان و أستطيع رؤية مدى صدق أفعال آلان معي فهل يمكن لما قالته الأميرة أوليفيا أن يكون حقيقيا يا ترى ؟! و هذا ما لا أعرفه بالتأكيد .
حدقت بيدي اليمنى مليا و تحديدا إلى ذاك الخاتم الأزرق السوداوي الذي أخذ مكانه على إصبعي إنه الرابط بيننا بالتأكيد فبمجرد النظر إليه بوسعي تذكر آلان و كأنه بجانبي في هذه اللحظة ، إبتسمت لا إراديا و أنا أتمعن بالخاتم يا له من غبي حتى و إن لم يكن موجودا إلى جانبي حقا فهو قد ترك لي بالفعل هذا الخاتم كي أتمكن من تذكره كلما نظرت إليه إنها حقا هدية غير مرغوب فيها كما أخبرني لكنها بطريقة ما تجعلني سعيدة .
- فعلا إن خاطبك شخص رائع إنه يتصرف مثل أخي الأكبر تماما وصفك له جعلني أتذكر ريو فجأة فهما متشابهان حقا . قالت بإبتسامتها الجميلة ثم أضافت :
- ماذا عنك يا آنسة أستريلاد كيف تشعرين تجاه الأمير ..
إبتسمت بقلة حيلة وقلت :
- سأصارحك أيتها الأميرة أوليفيا في الحقيقة أنا لا أعلم‏ كيف هي مشاعري تجاه آلان حقا ، إذ أنني أشعر بالتناقض للغاية فأحيانا أرغب بتليين جانبي له و أحيانا أخرى أرى أن هذا غير صائب ربما الأولى ناتجة عن ضعفي الكبير و رغبتي في أن أبكي و لو لمرة داخل حضنه و الثانية ناتجة عن إنعدام الثقة التي أشعر بها مع الجميع و رؤيتي لآلان غير مختلف عن باقي الناس من هذه الناحية ، لكنه يستمر في محاولة إيقاعي له أنا متأكدة أن ذلك ليس ناجما عن رغبته في هزيمتي أو جعلي أخسر أمامه لكن من أجل جعلي أرتاح و أتوقف عن المكابرة و الإدعاء بأنني بخير طوال الوقت أعلم جيدا أن تلك هي نيته الصادقة و النقية نحوي لكن لسبب ما لا يمكنني السير وفقا لهذا رغم علمي أنها الحقيقة أخشى أن تنهار نفسي إن سمحت لها بالإنهيار بين أحضان آلان و عندها لا رجعة للوراء فأنا لن أتمكن بذلك من تحقيق ما أريد ، أدرك أن آلان سيساعدني بالتأكيد لكنني لا أكف عن الإعتقاد بأن تلك مشكلتي و علي حلها بنفسي إذ لا علاقة لآلان بالأمر فلما يصر على القيام بأمور لا أريد منه القيام بها .
- ‏هذا بالتأكيد أمر طبيعي !
رفعت رأسي و أنا أنظر للأميرة بتعجب ثم قلت :
- ماذا تعنين بأن الأمر طبيعي ؟
- ‏هو كذلك بالفعل آنسة أستريلاد قد لا أعرفك حق المعرفة حتى الآن و لكن ما سمعته عنك من قبل و كذلك من أخي يجعلني أفهم سبب هذا التناقض الذي تشعرين به فحين يتعلق الأمر بالدهاء فلا أعتقد أن هناك من يتفوق عليك و كذلك الأمر بالنسبة لضبط النفس و سرعة البديهة ربما لا أحد في هذا العصر له قبل أمام العبقرية إيف أستريلاد .
- ‏أيتها الأميرة أعتقد أنك تبالغيـ...
- ‏لا ، أنا لا أبالغ البتة ، إيف أستريلاد أو أميرة الثلج ، لا أحد يستطيع إنكار أنك أعجوبة حقا في هذا العصر فأنت تتمتعين بتلك الشخصية الباردة و الملتوية الكافية لإثبات ما قلته و لو أن الأمر كان غير ذلك لما كان أخي ريو ليوصي بأن تكوني سفيرة ليلياس قط و لكن هذه الشخصية بالذات هي نقطة ضعفك كما هي نقطة قوتك ، شخصيتك هي سلاح ذو حدين فكما هي سلاحك الأقوى الذي إكتسبته بفضل تجاربك المتنوعة و كونك إبنة رئيس الوزراء التي لطالما فهمت أدق التفاصيل و فطرتك الطبيعية منذ الولادة إلا أنها أيضا سلاح قاتل و للأسف عندما يتعلق الأمر بالعاطفة فهو السلاح الذي سيقتلك بالتأكيد .
إنها على حق عندما يتعلق الأمر بالعاطفة فقد لا يمكنني فهم شيئ مهما كنت عبقرية و مهما بلغت معرفتي و علمي ، برودي و حجم الطاقة السحرية التي أتمتع بها فإن ذلك لن يفيدني قط حين يتعلق الأمر بالكلمات التي يقولها قلبي .
- و لأن شخصيتك هي سلاحك الأضعف و القاتل فيما يتعلق بالعواطف فترددك هذا طبيعي جدا يا آنسة أستريلاد أنت بالتأكيد لست عديمة الأحاسيس فأنت تشعرين و تختبرين ذاك الإهتمام الذي يمنحه الناس من حولك لكنك لا تعترفين بوجوده لأنك ببساطة خائفة .... خائفة لأنك لا تؤمنين بالناس و لا تثقين بأحد غير نفسك ، الثقة بالنفس ليست أمرا خاطئا لكنك تتعبين نفسك بلا جدوى ..
نظرت الأميرة أوليفيا إلي بنظرات واثقة و أكملت :
- لأن الإنسان ليس قادرا على فعل كل شيئ لوحده ....

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 10 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فالنيانوس ( Valnianos )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن