"ينتابه الشعور بالفراغ لأن كل شيء موجود إلا هو وكان ذلك هو
الغياب ....مكان يعرفه المرء و يستحضره من ذاكرته وكأنها صورة لا
ينقصها إلا هو"
فى بيت زينب و طارقتضحك ....تنظر للسقف وتضحك ....كم مرة قال لها أحبك الليلة ؟
أكثر مما قال في عمر زواجهم كله .....يمكنها أن تنضم للعمل في
المخابرات لامتلكاها هذه الموهبة الفردية لاستخراج الاعتراف من فم
أخطر الجواسيس في العالم
تشعر بأنها غبية أو حمقاء أيهم أقرب فهي كانت قبل ساعات قليلة
مريضة ومكتئبة تعرضت لحادث بشع لا تتذكر عنه شيء وتحاول
إيهام نفسها أنه
"إن شاء الله لم يحدث إلا الخير "
فقط لتخرج
النفس المحتبس بصدرها ...ما تذكرته للتو جعل تلك الضحكة منزوعة الصوت تتلاشى .......عمر سعادتها قليل جدا أمام تيار الحزن
الذي يجرفها .
يخبأ رأسه أسفل المخدة كعادته وينام على بطنه فاردا کلا ذراعیه
بعرض السرير كأنه يغطس في بحر ما و يعاند رئتيه في الخروج
رفع کفه و ردد بصوت ناعس
" "هاتى أيدك و مش هقولك بحبك عشان تدينى أيدك .....كفاية كده ، أنا أخدتك على قد عقلك بس عشان تعبانة"أمسكت بيده وأجابت
" تعبانة تعبانة ....المهم انك قولتها
أخرج رأسه من أسفل المخدة و هو يعرف أنه لن يستطيع رؤية
وجهها في العتمة وأجابأنتى ليه محسساني أني كنت بصبحك بعلقة وأمسيكى
بعلقة ....أنا مكنتش متخيل أنك بالهيافة ديه يا سمرا "سمرا .....هل قالها حقا !!!!!
لتجيب هي بأستغراب
" سمرا ....أنت قولت سمرا "
أبتسم ابتسامة لم تلمحها وأمسك بكفها بقوة ثم تقلب مرة أخرى
ليضع رأسه أسفل المخدة فالحمد لله أسعفه لسانه بسمرا لتلهيها
كلمة " هيافة " والتي كانت ستقتله حرفيا بحركة جون سينا الخاتمة ....هو رائع وعبقرى فعلا.كم يحب نفسه جدا الآن .
أقتربت منه لتهمس
"انت قولتلى سمرا صح ......تصدق طعمها جديد منك ، مكنتش عارفة أني اسمى حلو أوى كده غير لما قولتله "
.
عندما أخرج رأسه سريعا لينظر لها لم تشعر حتى بخمس نشوة الأنتصار الى شعر بها هو بعد أن وجد مهربا بالكلمات فالأمر لم
يستغرق منها ثوان لتعرف لعبته وتجاريه
يتهمها " بالهيافة " بسبب جوعها لكلمة حب وهي امرأة وتحمل
من العاطفة ما تحمل دون أن ينظر إلى نفسه كيف يتحول إلى قط
سيامي أمام أي كلمة طيبة أو دلال ، إنها يمكنها أن تخرج كل ما في
جعبته بالغزل وحده
إذا أراد شيئا فهو ضروريا كالهواء والماء ورغبتها هي مجرد
رفاهية
لا تشك الآن أن هذا الطفل في جسد الرجل قد أحمر خديه وأن حتى
أصابعه التي تقبض على كفها سعيده وأنه يريد أن يسمع المزيد
" لو حكيت بتحبنى من أمتى ....هقولك أنا كمان "
أنقلب مزاجه وأجاب سريعا"یوه مش هنخلص من القرف ده أنتى هايفة بجد لا ده وقته ولا الجو بتاعه خالص عشان نفتح حوار مالوش اى ستين لازمة غیر فضولك الى هيموتك ده .....هتفرق معاکی ايه ما انا كده كده متورط معاكى لأخر عمرى ولعلمك أنا عارف انتى بتحبيني من أمتى
عشان أنا بنى أدم ذکی مش ای کیو قرد "
إذا كان مصرا على إخراج أسوأ ما فيها فليحتمل عاقبة كلماته
تحملها فعلا وهو يكتم صرخه عالية خرجت رغما عنه بعد أن أنقضت
بأسنانها على ذراعه كنمر جائع سقط على غزالة ، حاول إبعادها
ولكنها لم تتركه إلا برغبتها فأنتفض من مكانه وهو يسب ويضغط
على زر الإضاءه بجوار السرير محتدما و يتطلع إلى الجرح في يده
" يا بت العضاضة ....ايه الجنان ده "
تقبت على السرير وجذبت الغطاء مجيبة
" عمايل قرود ..... تعالى وریهانی "
أخفى ذراعه وراء ظهره كطفل صغير وهو يقلد خالد تحديدا
" لا مش هوريهالك و جعاني والله .....أنا مخصمك
" تعالى هبوسهالك وهتخف "
ماذا فعلت في حياتها ليكون لديها مثل هذا الأبتلاء ، لما لا يجاري
ياسين أو حتى أدهم ؟!!
كانت نبرتها جميلة ورقيقة كزهرة أوركيد أغرت الطفل بداخله
للأقتراب وعندما دنا حقا أمسكت بذراعه وكشرت عن أنيابها وهى
تقف على ركبيتها بمنتصف السرير لتكون قريبة من عينه و تتحدث
بنبرة محذرة واثقة
" عارف بحبك من أمتى ؟ وبرضوا شكيت أنى على علاقة بأخوك
وطلقتنى وفى نفس الليلة كانت على زمتك واحدة تانية ...... أنت
دايما بتتهمنى بأن ذاكرتي ذاكرة سمك وأنى بنسى بسرعة البرق
لكن أنا لا بنسى ولا بفوت یا طارق أنا بعدى ....بعدی عشان
ولادی ، عشان البيت ده ......بعدى عشانك وعشان ديه في الأول
والآخر غلطتي ....أنا الى سمحتلك من الأول أنك تأذى ومين غير
حدود ....بتدوس عليا وأقول عادى يا بت ما هو حمله مش قليل ،
أصل الغربة ، أصل المصاريف ، أصل تعب ياسين وكأنى مش معاك
في المفرمة بس لأجل أنى الكبيرة وأنى طول الوقت مصدقة أنك
مزقوق على الحياة ديه ....أصله يا زينب لو بأيده كان زمانه طالب
لسه شايل غربته على كفه وبيتفسح إنما أب حمل كبير عليه مع أن يا مؤمن أنا كنت راضية بعيلين، .....كل اخطائك
مغفورة...... بزعل وبصالح نفسي ، جيت على شرفي وطلقتني وأنا
الى روحتلك بردوا بعد ما حطيت كرامتي وعزة نفسي تحت رجلي
وأهنت نفسي بطريقة ما يرضيهاش أنسان لنفسه وعلى فكرة بقى
الى بيحصل ده بينك وبين أخواتك أنا سيبت ماجد من سنين و هو
برضوا مكنش عايزنى إيه الى طلع في دماغه من يومين غير انه
بینکم یا ولاد عمی بس أنا برضوا كالعادة أتاخدت في الرجلين "
إفراغ ما تكتمه لسنوات لا يحتاج دوما أن تكون في قمة غضب
وربما من الخطأ أصلا أن تتحدث بما بداخلك في لحظات الغضب
حينها يقبض على لسانك قبل قلبك والآخر يكون على استعداد
ليواجه ، لم يأتى على باله أنها ستتحدث بهذا الأمر وأنها ما أنتظرت
لحظات هدوء باله إلا لتضرب على غفلة في حرب غير عادلة و
جاءت أيضا بذكركل المحرمات في نفس الوقت
أنتظرت الطبيعي منه .....الغضب ....إدعاء أنه خطائها وقلب الطاولة
لصالحه ثم يفتح الباب ليخرج ولكنه طارق العتماني ولا يجب أن
تنسى !
إبتسامة واسعة أظهرت غمازته اليمينة الوحيدة وشقاوة خفية
ظهرت على ملامحه، أستند ليحيط خصرها بذراعه و رفع رأسه
ليضرب أرنبة أنفها وبأنفه أكثر من مرة وردد
" أنت بطل .....صدقينى مفيش حاجة ممكن تعرفيها كانت هتغير من وضعك حاجة ولا تخلى حياتك أحسن ... غیرتي الى انتى
مسمياها شك هي هي .....لساني الطويل مكنش هيقصر يعنى وأكيد يعنى كنتى هتزعلى وتصالحي نفسك
طبع قبلة طويلة على جبينها وأكمل بصوت مغوى
..
" كده كده کنتی هتخبطی دماغك في الحيطة و ترجعي تنامي في
حضنی
أحكم السيطرة عليها بذراعيه وأصبحت المسافة بينهم
معدومة فأرتفعت دقات قلبها و قد أصبحت على يقين بصدق
كلماته ....ستذوب كطقعة شكولاته سقطت مباشرة تحت ضوء
الشمس .....ستتقطع أنفاسها عندما تتخلل أصابعه شعرها برفق قبل
أن تصبح مادة طيعة سهلة التشكل ، إنه يثبت لها الآن كيف أحتملت
تصرفاته وحماقاته و تقلباته سنوات ....يجيب على كل اسئلتها دون
أن ينطق فمه بكلمة أو تعطى عينه تصريح
.........
الدفء بجواره جواب ....يالله شمس تغمر جسدها و حنین تذوب
فيه كأنه الوطن
لسانه سلیط و قلبه رحیم وحنون ، يصرخ بوجهها ولا يحتمل دمعة
من عينها
تهين كرامتها أكثر وتحرق أعصابها ولا تمتلك حلا لأزمتها .
أبتعدت عنه وهربت لحمام الغرفة وأوصدت الباب فقفز هو خلفها
وهو يهتف
" أفتحى الباب ...لو عيطتي في الحمام العفاريت هتطلعلك
فأجابت هي من الخلف
" لا مش بعيط .....يا طارق هأخد شور وأطلع
حاول فتح الباب مرددا
هكسره وهتصلحيه على حسابك لو مفتحتيش ......هو
كلمة ليه جوز جزم أنا "
لم تجيبه فأسند ظهره للباب و تحدث بصوت منخفض عن ذي قبل
..
..طيب هحكيلك على حاجة .....مرة زمان كتبتلك جواب......جواب
حب ...أه والله
فاكرة لما تعبتى قبل أمتحانات رابعة و البيت كله كان عارف
أنكوا متخانقين و قلعتوا الدبل.....سافرت مع صابر للجامعة عشان
نجيبلك الملازم الى نزلت عشان تذاكريهم وتسافرى على الأمتحان
على طول وتكونى بقيتى أحسن ......أول ما وصلنا القاهرة أخوكى
خلع .......قابل أصحابه وراحوا الحسين و الأزهر عشان يتفسح
وقالى تعال معايا ولما نرجع نقولها معرفناش نوصل لصاحبتها
ديه ، أنا بقى مسألتش وروحت الجامعة و فضلت اسأل البنات قدام الباب عن اي بنت في رابعة لغاية لما قابلت شادية والمجموعة
المتخلفة الى كنتى مصحابهم ...أهبكرههم ....أنا بكره كل صحابك ....أفتكروني صابر أخوكى وأدونى كل الملازم والمراجعات
الى نزلت وأنا راجع كنت متخیل نفسی فاتح عكا وأنك أول ما هتشوفینی هتنبهری بالی عملته وقررت أكتبلك جواب طويل عريض
أحكيلك فيه عن مشاعري المتخلفة الى زي.......و لما شوفتى الورق على الطاولة الى في المندرة عينك لمعت ودمعتى وأنا قلبى كان
هيتخلع من مكانه ، أفكارى صورتلي أنك ممكن حتى تحضنینی بس انتي ساعتها افتكرتى أن هو الى جابهم مع أنه مستحيل يعمل حركة..
فقررت أني أخد الجواب قبل ما تقريه عشان أنتى متخلفة وتستهلى الى يجرالك" ·
أمسك بيده المقبض مرة أخرى وأستطرد
"نبرة كلامك أتغيرت ، أنا حاسس بكده ......مسموحلك تغضبى و
تثوری و تقلبی الدنیا بس الى مش مسموح والی مستحيل اقبل بیه أن الغضب يقلب كراهية .....ما ينفعش تكرهيني أنتى فاهمة ....أنا بحذرك "
وجد الباب ينفك قفله فأسرع هو لفتحه ليجد نافورة ماء تنطلق
لتغرقه وهي تختبأ بحوض الاستحمام وراء الستارة و تجمد هو في مكانه ثابتا دون أن يحدث صوتا وتراجع للخلف.
للحظة
هل جننت ؟
لقد أصيبت بنقص العقل ....ماهذه الصبيانية ....اللعنة !
أزاحت الستارة و صرخت بعد أن وقعت عينها على هذا القناع
الأسود بفتحتى عينيه الضيقتين وفمه المملوء بالدماء وكادت أن
تنزلق ولكنه أمسك بها سريعا وفك قناعه وهو يضحك بإنتصار
صمت
سألت
" واحد واحد .....'
..
فهمست و هي تشعر أن قلبها يسحبها للأسفل ومعه العالم بينما تشير
إلى ذراعه
" اتنين واحد
الأيام القادمة مختلفة فالشباب لا يمثل مرحلة عمرية تنتهى بمرور
سنواتها ولكنه وردة في القلب تنمو وتزدهر عندما نرويها الحب
ونطعمها الاهتمام