كان يومًا عاديًا في عيادة سليم. جلس سليم وراء مكتبه، ينظر إلى أوراق المرضى، ويعيد ترتيب ملاحظاته. كان عقله مشغولًا ببعض أفكاره الخاصة، حتى سمع طرقًا على الباب. رفع رأسه ورأى رجلاً يدخل ببطء، وقد بدا أنه يحمل على عاتقه ثقل العالم.
كان زياد، رجلاً في منتصف الأربعينات، ملامحه قوية، وبنيته توحي بالقوة الجسدية، لكن عينيه كانتا مليئتين بالتوتر والحيرة. جلس على الكرسي أمام سليم وتنهد بعمق.
"أهلاً، زياد. كيف يمكنني مساعدتك اليوم؟" سأل سليم بابتسامة هادئة.
أخذ زياد نفسًا عميقًا وقال: "سليم... لا أعرف كيف أبدأ، لكنني أشعر أنني أفقد كل شيء من حولي. الناس الذين كنت أظنهم يحبونني، أشعر أنهم يبتعدون عني شيئًا فشيئًا."
نظر إليه سليم باهتمام. "هل يمكنك أن تخبرني أكثر عن هؤلاء الناس؟"
"في البداية، كنت دائمًا الشخص الذي يعتمد عليه الجميع. كنت قويًا، شديدًا معهم. كنت أعتقد أن الشدة هي التي تجعلهم يحترمونني... يحبونني. لكن في الفترة الأخيرة، بدأت ألاحظ أن الجميع يتجنبني. زملائي في العمل، أصدقائي، وحتى عائلتي... الجميع يبدو وكأنهم ينتظرون أن أرتكب أي خطأ صغير ليتخلصوا مني."
سليم انحنى قليلاً نحو زياد وقال: "أفهم أنك تشعر أن قوتك وشدتك هما ما جعل الناس يحبونك ويحترمونك. ولكن هل فكرت يومًا أن الشدة قد تخلق حاجزًا بينك وبينهم؟"
زياد رفع حاجبيه قليلاً، وكأن فكرة جديدة بدأت تتشكل في ذهنه. "حاجز؟ لكنني كنت دائمًا شديدًا معهم لأنني أريدهم أن يحترموني... أن يعتمدوا عليّ. كنت أعتقد أن القوة هي ما يربطنا."
سليم ابتسم بلطف وقال: "القوة ليست دائمًا بالشدة، زياد. أحيانًا تكون القوة في اللطف والمرونة، في فهم مشاعر الآخرين واحترامها. قد تكون الشدة فعالة في بعض المواقف، لكنها قد تخلق الخوف بدلاً من الحب."
"الخوف؟" تساءل زياد بصوت مرتجف. "هل تقصد أن الناس كانوا يخافون مني، وليس يحترمونني؟"
"هذا ممكن جداً. قد يكونون يخافون من ردة فعلك أو من أخطائك. وربما هم يشعرون بأنهم لا يستطيعون الاقتراب منك لأنك دائمًا تظهر بمظهر القوة المطلقة. لكن الإنسان يحتاج إلى التوازن بين القوة واللطف، حتى في علاقاته مع الآخرين."
زياد جلس بصمت لفترة، وكأنه يفكر في كل كلمة قالها سليم. "لم أكن أرى الأمر هكذا من قبل. كنت أظن أنني أكون قويًا لأحميهم... لأكون الشخص الذي يمكنهم الاعتماد عليه."
"أن تكون قويًا لا يعني أن تكون بلا مشاعر، زياد. القائد الحقيقي هو الذي يستطيع أن يكون قويًا وحازمًا عندما يحتاج الموقف إلى ذلك، ولكن أيضًا يكون طيبًا ومتفهمًا في نفس الوقت. الناس لا يحتاجون دائمًا إلى القوة المطلقة، بل يحتاجون إلى شخص يمكنهم الثقة به والتحدث معه دون خوف."
نظر زياد إلى الأرض وقال بصوت منخفض: "أعتقد أنني كنت أخطئ في ذلك. كنت دائمًا أريد أن أكون الشخص الذي لا يخطئ، الذي لا يضعف. لكنني لم أكن أرى أن هذا أبعد الناس عني."
سليم أومأ برأسه وقال: "نحن جميعًا نخطئ، زياد. والناس لا يحبون الكمال، بل يحبون الشخص الذي يستطيع أن يعترف بأخطائه ويتعلم منها. الشدة قد تمنحك القوة في بعض الأحيان، لكن اللطف هو ما يبني العلاقات الحقيقية."
زياد تنهد وقال: "لكن كيف أغير ذلك الآن؟ الجميع يبدو أنهم ينتظرون لحظة ضعف مني لينقلبوا عليّ."
ابتسم سليم وقال: "التغيير يبدأ بخطوة صغيرة. حاول أن تكون أكثر مرونة في تعاملاتك. اسأل الناس عن مشاعرهم، استمع إليهم دون أن تكون حادًا في ردودك. الناس يحتاجون إلى الشعور بأنك تفهمهم، وليس فقط تحكم عليهم. يمكنك أن تكون قوياً ولطيفاً في نفس الوقت. القسوة التي كنت تستخدمها لتفرض احترامهم قد تكون الحاجز الذي يمنعهم من الاقتراب منك."
زياد جلس يفكر لبعض الوقت ثم قال: "سأحاول، سليم. لكنني لست متأكدًا كيف سيكون رد فعلهم."
"التغيير يحتاج إلى وقت وصبر. الأهم هو أن تبدأ بالاعتراف بأن الناس يحتاجون إلى اللطف والاهتمام بنفس القدر الذي يحتاجون فيه إلى الحزم والقوة. كن صادقًا معهم، وكن صادقًا مع نفسك."
---
في الأيام التي تلت الجلسة، بدأ زياد يشعر بتغيير داخلي. بدأ يلاحظ كيف كان يعامل الناس من حوله بشدة دون أن ينتبه. بدأ يسأل زملاءه عن مشاعرهم ويستمع إليهم بإصغاء حقيقي. في البداية، كانت ردود أفعالهم متوترة، لكن مع مرور الوقت، لاحظ أنهم أصبحوا أكثر ارتياحًا في التعامل معه. لم يكن التغيير سهلاً، لكن زياد بدأ يدرك أن الحب والاحترام لا يأتيان من الخوف، بل من الفهم والتقدير.
وفي جلسة لاحقة مع سليم، قال زياد بابتسامة خفيفة: "أعتقد أنني بدأت أرى الفرق. لم يكن الأمر سهلاً، لكنني أشعر أن الناس بدأوا يرونني بشكل مختلف الآن."
سليم ابتسم وقال: "هذا هو التغيير الحقيقي، زياد. القوة الحقيقية تكمن في التوازن، في أن تكون قادرًا على أن تكون قويًا وحازمًا عندما يلزم الأمر، ولكن أيضًا طيبًا ومتفهمًا. استمر في هذا الطريق، وسترى كيف ستتحسن علاقاتك بشكل كبير."
---
الخلاصه أن على الشخص فهم الناس ومساعدتهم والا نكون معهم قاسين علينا أن نضع أنفسنا مكانهم لأحد يحب التحكم فيه والشده عليه بل نحب الشخص الطيب وهذا شي معروف.
أنت تقرأ
مرآة النفوس
Romanceالغرض من الروايه ليس القراءه فقط بل التعلم والاستفادة من علم النفس حيث الروايه تحمل بعض الأمور التي تصادفنا. نبذه صغيره: "ط نورا: "كنت دائمًا الطفلة التي يتم تجاهلها. في المدرسة، في المنزل... حتى مع أصدقائي، كنت أشعر أنني لا أنتمي." سليم: "في كثير م...