في لحظة من الهدوء الحزين، جلس سليم على مكتبه في العيادة، وكانت الذكريات تجتاحه كما تجتاح الأمطار الأرض الجافة. كان يتذكر تلك السنوات السبع التي عاشها مع نجلاء، حبيبته وزوجته. كانت سنوات مليئة بالحب، الأمل، والصبر. لم ينجبا طفلاً، رغم أنهما تمنيا ذلك بشدة. كان المرض هو السبب، ولكنهما لم يهتما، فالحب بينهما كان يكفي ليملأ حياتهما.
بدأت أعراض المرض تظهر على نجلاء ببطء. كانت تشتكي من الدوار، وفي بعض الأحيان كانت تنزف دون سبب واضح. لم يكن سليم يعرف حجم المعاناة التي كانت تعيشها، لكنه كان يلاحظ أنها تتعب أكثر يومًا بعد يوم. وفي أحد الأيام، تدهورت حالتها بشكل مفاجئ. أخذها سليم إلى المستشفى على الفور، وكله أمل أن تكون مجرد وعكة صحية عابرة.
لكن التشخيص كان صدمة. لقد اكتشفوا أن نجلاء مصابة بسرطان قاتل. لم تخبر أحدًا بذلك، إلا والدها، الذي كان طبيبًا، وكان يعرف حالتها منذ البداية. قررت أن تتحمل وحدها، حتى لا تثقل على سليم أو تجعل حياتهم مليئة بالحزن.
مرت الأيام بسرعة. كانت نجلاء تزداد تعبًا، وسليم كان يقضي كل وقته بجانبها في المستشفى. كان يبكي عليها في كل مرة يراها تضعف، لكنها كانت تبتسم. في اللحظات الأخيرة من حياتها، كانت نجلاء مستلقية على سرير المستشفى، ووجهها يضيء بابتسامة هادئة. نظرت إلى سليم وقالت بصوت ضعيف ولكن مليء بالحب: "سليم، أريدك ألا تحزن. واصل حياتك، وعيشها كما كنت دائمًا، قويًا. لا تبكِ عليّ، فأنا لا أريدك أن تكون حزينًا. أنت دكتور نفس، والدكتور لا يضعف. أحببت فيك قوتك، ولا أريدك أن تكون وحيدًا. تزوج بعدي، أنا لن أكون حزينة، سأكون سعيدة إن كنت أنت سعيدًا."
كانت تلك كلماتها الأخيرة. حاول سليم أن يبقى قويًا أمامها، أن يبتسم، لكنه انهار بالبكاء. احتضن يدها وهو يقول بصوت مرتجف: "مستحيل... مستحيل أن أعيش بدونك." ومع ذلك، رحلت نجلاء، مبتسمة، تاركة خلفها فراغًا كبيرًا في قلبه.
في تلك اللحظة، شعر سليم بأنه، على الرغم من كونه دكتورًا نفسيًا، فهو أيضًا إنسان. دكتور النفس الذي كان يساعد الآخرين على تجاوز آلامهم، هو نفسه كان في أمس الحاجة لشخص يخفف عنه.
مرت السنوات، وتجاوز سليم تلك اللحظة الصعبة، لكنه لم ينساها أبدًا. والآن، وهو جالس في عيادته، تذكرت عيناه تلك الأيام المؤلمة، وبدأت الدموع تتساقط على خديه. كان يبكي، ليس فقط لأنه فقد نجلاء، بل لأنه تذكر كيف علمته أن الحب يعني التضحية، وأن الحياة يجب أن تستمر حتى بعد الفقدان.
---
أنت تقرأ
مرآة النفوس
Romanceالغرض من الروايه ليس القراءه فقط بل التعلم والاستفادة من علم النفس حيث الروايه تحمل بعض الأمور التي تصادفنا. نبذه صغيره: "ط نورا: "كنت دائمًا الطفلة التي يتم تجاهلها. في المدرسة، في المنزل... حتى مع أصدقائي، كنت أشعر أنني لا أنتمي." سليم: "في كثير م...