كانت الأمطار تتساقط على نافذة غرفة سليم بهدوء، بينما كان يجلس وحيدًا في العيادة بعد انتهاء جلساته. أصوات المطر تذكره بأيام مضت، بأيام كانت مليئة بالحب والصعوبات. جلس مستندًا إلى الكرسي، عينيه تغمران بالحنين، وتذكر زوجته الراحلة، نجلاء، التي كانت كل شيء في حياته.
تذكر كيف بدأت رحلتهما معًا، وكيف كانت أحلامه وطموحاته تختلف عن ما هو عليه الآن. تذكر أنه في البداية لم يكن لديه عمل ثابت. عمل في مطعم، ثم في مخبز، وأحيانًا كان يعمل أعمالًا بسيطة فقط لتأمين لقمة العيش. كان يحلم أن يكون شخصًا مهمًا، ولكن طريقه لم يكن واضحًا بعد.
كانت نجلاء ابنة طبيب بشري، ووالدها كان يحلم بأن يكون زوجها مثل أبيها، دكتورًا ناجحًا أو مهندسًا كبيرًا. سليم، مع كل حبه لنجلاء، ظن في البداية أن هذا هو الطريق الوحيد لكسب حبها ورضا أهلها. قرر أن يدرس الطب البشري، وبدأ يتابع هذا الطريق الشاق.
لكن الدراسة كانت مكلفة، والمنافسة كانت شرسة. عندما تقدم سليم لامتحان القبول في كليات الطب، حقق معدلًا جيدًا، 80٪، وهو معدل كافٍ للقبول في جامعات الطب البشري. لكنه لم يكن يملك وساطة أو دعماً كبيراً، فلم يُحسب له النجاح، ولم يظهر اسمه مع الناجحين. خرج من الامتحان حزينًا، محطمًا، لكن في قلبه كان يدرك أنه لم يفشل لأنه لم يكن مؤهلاً، بل لأن النظام لم يكن عادلًا.
في ذلك اليوم، جلس سليم تحت شجرة في الرصيف، مفكرًا في مستقبله وفي نجلاء. كان يشعر باليأس، لكن فجأة ظهر رجل مسن، نظر إلى سليم بعينين مملوءتين بالحكمة واللطف. جلس بجانبه وقال له: "لا تيأس يا بني. الحياة مليئة بالطرق، بعضها يظهر أمامك فجأة عندما تعتقد أن كل شيء قد ضاع. الأهم أن تواصل، من أجل نفسك أولاً."
هذه الكلمات هزت قلب سليم. جلس في غرفة خالية في منزله، وبين يديه ورقة وقلم. بدأ يفكر: كيف يمكنه أن يبدأ حياته؟ كيف يمكنه أن يكسب حب نجلاء وفي نفس الوقت ألا يخسر نفسه؟ حينها أدرك شيئًا مهمًا: الحب الحقيقي لا يأتي بالتضحية الكاملة بالنفس، بل يأتي من أن تعيش حياتك كما تريدها، وتحقق ما تحبه.
تذكر سليم أيام المدرسة، كيف كان ناصحًا لأصدقائه. كيف كان كلامه الطلق وقدرته على التحدث بصدق وإحساس قوي يلهم من حوله. تذكر كيف كان يقدم لهم الدعم النفسي ويقنعهم برؤية الأمور من زاوية مختلفة. حينها خطرت له الفكرة: لماذا لا يدرس علم النفس؟ فهو موهوب في هذا المجال ويشعر بالشغف تجاهه. والأفضل من ذلك، أن دراسة الطب النفسي كانت أقل تكلفة ولا تتطلب وساطة أو محسوبيات.
قرر سليم أن يسلك هذا الطريق. بدأ دراسته في علم النفس، وكان يتفوق في مواده بسرعة لأنه وجد في هذا المجال شيئًا يلمس قلبه حقًا. لم يعد يدرس فقط من أجل نجلاء، بل أصبح يدرس من أجل نفسه أيضًا. كان يعلم أن هذا الطريق هو الذي سيجلب له السعادة والنجاح.
وبعد أن تخرج، وفتح عيادته الخاصة، شعر أن الوقت قد حان ليتقدم لنجلاء رسميًا. ذهب مع أمه الراحلة، وأخته الصغرى، التي كان عمرها 12 عامًا في ذلك الوقت، إلى بيت نجلاء. كان يشعر ببعض التوتر، لكن في قلبه كان هناك سلام داخلي، لأنه لم يعد يضع كل ثقله على هذه اللحظة. كان قد بدأ يحب نفسه ويعيش من أجلها، وأدرك أن حبه لنجلاء لا ينبغي أن يكون مصدرًا لضغوطه.
عندما دخلوا البيت، استقبلهم والد نجلاء، الرجل الوقور الذي كان يقدر التعليم والنجاح. جلس سليم يتحدث بطلاقة وهدوء، وأعجب والد نجلاء بسرعة بأسلوبه وكلامه الرزين. رأى فيه رجلاً قادرًا على تحمل المسؤولية، وليس فقط شابًا يبحث عن زواج تقليدي. سليم تحدث بثقة، وأوضح أنه اختار دراسة الطب النفسي لأنه يؤمن بقدرته على مساعدة الآخرين، ولأن هذا هو ما يحبه حقًا.
أما نجلاء، فكانت مشتاقة لسماع أن من تقدم لها هو سليم. عندما علمت أنه أصبح طبيبًا نفسيًا، شعرت بالراحة. كانت تعرف أن سليم هو الشخص الذي سيشعرها بالأمان، لأنه يفهم النفس البشرية بعمق، ويمتلك القدرة على التماس مشاعر الآخرين.
بكل ثقة وطمأنينة وافقت نجلاء على الزواج من سليم، وأصبح الاثنان معًا. سليم عاش لحظات من الفرح والسعادة، لأنه لم يخسر نفسه ولم يخسر من يحب. بل عاش حياته بطريقة توازن فيها بين حبه لذاته وحبه لنجلاء.
---
أنت تقرأ
مرآة النفوس
Romansaالغرض من الروايه ليس القراءه فقط بل التعلم والاستفادة من علم النفس حيث الروايه تحمل بعض الأمور التي تصادفنا. نبذه صغيره: "ط نورا: "كنت دائمًا الطفلة التي يتم تجاهلها. في المدرسة، في المنزل... حتى مع أصدقائي، كنت أشعر أنني لا أنتمي." سليم: "في كثير م...